انفصل الضمير عن الامة وتقدم المثقفون مواكب النفاق، هو عنوان المقال الذي اثار فيه فهمي هويدي القضية المتجددة «المثقف والسلطة» اثارها هذه المرة بأبعاد أكثر عمقاً وخطورة، وأضاف اليها علاقة المثقفين بأجهزة الأمن والاستخبارات بعد التغيرات التي حدثت في المعسكر الاشتراكي منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يقول هويدي: مشهد مثقفي المانيا الديمقراطية مختلف نسبياً.. فلسنا بصدد مثقفين يسوغون القمع وسحق المعارضين كما في الحالة الروسية وانما نحن إزاء مثقفين ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير يعملون لصالح جهاز الاستخبارات، «استازي» ولم يستخدموا اقلامهم للدفاع عن الاستبداد فقط ولكنهم دأبوا أيضا على الوشاية بزملائهم. بدأت صفحات الملف تنكشف بعد انهيار سور برلين وتوحيد الالمانيتين ومن ثم ملاحقة رجال «الاستازي» ومتابعة عملائهم والذي أثار الانتباه هو أن أسماء الكتاب الذين ثبت تعاونهم مع جهاز الاستخبارات كانت بمثابة صدمة للجميع فقد كانت تلك الاسماء كبيرة بدرجة ظن معها الناس ان أصحابها فوق الشبهات. لقد بدأ الالمان ينتبهون مثلاً إلى أن الكاتب المسرحي العظيم «برخت» سكت عن قرار إرسال المسرحي الشاب «رفين اشريتماثار» إلى معسكر «فركونا» الرهيب ويساند بقوة قمع المظاهرات الشعبية الصاخبة التي عرفتها برلين في شهر يونيو حزيران 3591م وفوجئوا بأن أسماء لامعة في الحياة الثقافية عملت لصالح «الاستازي» مثل المسرحي «هايز موللر» والروائية المعروفة «ترينا فولف» والشاعر بن وينار شيو لينكس وسانا اندرسون وآخرين لا يقلون عنهم شهرة ولا شعبية. وعندما استدعى فهمي هويدي الصورة في العالم الثالث أي صورة العلاقة ما بين المثقفين والمبدعين والسلطة، قال: المشهد في العالم الثالث عموماً وفي العالم العربي خصوصاً ليس مختلفا كثيراً ولعلي أذهب إلى أن الصورة أشد بؤساً. عندما استدعيت تلك القصاصة التي وجدتها وأنا أقلِّب أوراقي موضوع موقف المثقف من السلطة أو موقف السلطة من المثقف احسست ببعض الراحة كأنما كنت ابحث عن هذا الموضوع القديم المتجدد وسط كثير من الحديث الذي يدور هذه الايام على امتداد العالم بصورة عامة وفي المجتمع العربي والسوداني على وجه الخصوص.. ما ان يأتي اسم إلا وتهامس الناس بأنه كذا وكذا.. المهم الموضوع كبير وخطير. أواصل مع تحياتي وشكري