عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    وزير الخارجية يكتب: الإتحاد الأوروبي والحرب في السودان ..تبني السرديات البديلة تشجيع للإرهاب والفوضى    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    ماذا جرى في مؤتمر باريس بشأن السودان؟    العطا يتفقد القوات المرابطة بالمواقع الأمامية في الفاو والمناقل – شاهد الصور والفيديو    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    خبراء: الهجوم الإيراني نتاج ل«تفاهمات أمريكية».. وجاء مغايرًا لاستراتيجية «طهران»    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    الجمارك السعودية: دخول الأدوية مرهون بوصفة طبية مختومة    حزب المؤتمر الوطني المحلول: ندعو الشعب السوداني لمزيد من التماسك والوحدة والاصطفاف خلف القوات المسلحة    ضمن معايدة عيد الفطر المبارك مدير شرطة ولاية كسلا يلتقي الوالي    محمد وداعة يكتب: الاخ حسبو ..!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    تركيا تنقذ ركاب «تلفريك» علقوا 23 ساعة    تجاوز مع أحد السياح.. إنهاء خدمة أمين شرطة لارتكابه تجاوزات في عمله    بايدن بعد الهجوم الإيراني: أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل.. وساعدنا في إسقاط جميع الطائرات المسيرة    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    «العازفون الأربعة» في «سيمفونية ليفركوزن»    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    "طفرة مواليد".. نساء يبلغن عن "حمل غير متوقع" بعد تناول دواء شهير لإنقاص الوزن    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانية في مواجهة تأله الدولة الإسلامية وإعتقال الدين شبرا بشبر وذراعا بذراع
نشر في حريات يوم 24 - 06 - 2011

شوقي إبراهيم عثمان…...مقالة منقحة – اعتذر من نشرها الأستاذ إسحق أحمد فضل حين كان رئيس تحرير الوفاق بزعمه أنها طويلة.
كتب الدكتور كامل إبراهيم حسن في كتابه (العلمانية والإسلام – المصطلح وتجديد المعنى والمدلول)، دار عزة للنشر، ما نصه: (إذن فالعلمانية هي إعمال الفكر والإبداع في مجال السياسة مع مراعاة الأسس التي روجت لها كل الأديان من عدل وشورى وحقوق مواطنة الخ..العلمانية هي الآلية المناسبة والمتجددة التي يتوافق عليها البشر لتحقيق تلك الأهداف…آلية ديناميكية متماشية مع المتغيرات الحياتية..)، وأستشهد الدكتور كامل في إحدى مقالاته بمحمد عثمان الخليفة (العلمانية فكر إسلامي تبلور لمواجهة واقع جديد) وقد وصفه الدكتور كامل بالمقال الجيد: (ومن هنا يتضح أن العلمانية كفكر وممارسة كانت موجودة في فترات الإسلام الأولى وفي عهد سيدنا عمر بن الخطاب -إيقافه حد السرقة، وفي المؤلفة قلوبهم -..ومن هنا يتضح بأن الفكر العلماني فكر إسلامي إرتبط أساسا بالإسلام في تفسير النصوص والأحاديث لعدل الإنسان في الأرض من جهة ومن جهة ثانية إتاحة الفرصة للتفكير العقلي لإستيعاب كل المستجدات التي تأتي نتيجة لعملية التغيير الكبرى التي تبحث في المجتمعات وفي مدنيتهم..لبسهم وأكلهم وتعدد فنونهم وتعقد حياتهم الإجتماعية التي لا يخلتف فيها إثنان).
اختلف عن الآخرين، كل من الدكتور كامل والأستاذ محمد عثمان الخليفة، إنني أصلا لا أنقاد بسهولة للألفاظ التشطيرية أي المتقابلات antitheses مثل القومية مقابل الإسلاموية وكذلك العلمانية مقابل الدينية الخ، فهذه المتقابلة الأخيرة على الخصوص أتتنا من الغرب ولكن أسيء فهمها عن عمد ولأسباب سياسية بحتة. وليس صعبا إذ بقليل من الجهد المقدر والجاد تتبع تاريخ تطور لفظة العلمانية (بفتح العين) وتعني حصرا الدنيوية secular, secularism, secularization، كذلك ليس صعبا تتبع الجهة التي فرضتها على الساحة العربية والإسلامية لأسباب سياسية بحتة بخبث وسطحية مغرقة. وما زاد الطين بلة، خلط لفظة العَلْمانية (دنيوية) secularism بالعِلْمية scientific عندما كانت الشيوعية الأممية تدعي أن الماركسية هي منهج علمي – ومن ثم إشتقاق لفظة العِلْمانية (بكسر العين – هكذا ترجموها!). كثير من العامة والمتخصصين يختلط في ذهنهم مدلول لفظة العلمانية هل هي بمعنى الدنيوية أو هي بمعنى العلمية – وقد لا يتوقفون كثيرا لفهم كل منهما على حدة والتفريق ما بين المدلولين.
في سياق بحثي في الدول الغربية وتتبعي لمدلول لفظة العَلْمانية بمعنى الدنيوية secularism أكتشفت التالي: إذ يجب التفريق ما بين بعدين للمصطلح وقد أخذا ملامحهما في الغرب منذ عقود: 1) أولا البعد السياسي للفظة الدنيوية secularism، ويتعلق بمفهوم بناء الدولة state من منظور بشري وما يتعلق بها من سياسة وسياسات، وحقوق وواجبات دستورية وقانونية الخ، ولقد ساهم الفلاسفة والمفكرون الغربيون كثيرا في إرساء ملامح وقواعد الدولة، 2) وثانيا البعد الفلسفي الإلحادي، وفيه استخدم بعض الفلاسفة الغربيين الملحدين لفظة secularism كأحد أدواتهم للتدليل على عدم وجود الله تعالى – بزعمهم، وأستعانوا على ذلك بتفجر العلوم الطبيعية والحيوية في البيولوجيا، والكيمياء، والفيزياء الخ في إثبات حجتهم. أضف إلى كل ذلك، هنالك بالطبع المدلول اللفظي القاموسي أي اللغوي للفظة الدنيوية secularism وجذره اللاتيني، وهذا لا يعنينا.
يجب أن نفهم أن السيد المسيح عليه السلام لم يأت بشريعة كاملة، أنزل علي النبي عيسى الأنجيل لتصحيح شريعة النبي موسى عليهما السلام، وأنحصرت نبوة عيسى عليه السلام في بني إسرائيل أو اليهود التلموديين على وجه الخصوص. ولقد ضيع النصارى الأنجيل الحقيقي، بينما العهد الجديد أي الأربعة كتب المعروفة هي عمل تاريخي تجميعي من قبل الرهبان المسيحيين لأقوال وأفعال عيسى عليه السلام، وليست هي الأنجيل السماوي. ولاحقا أخذت المسيحية بالتدريج ملامحها المعروفة من طقوس وتفسيرات وشروحات هي بالمجموع عمل كنسي بشري لا علاقة لها بالأنجيل السماوي، وطالما هي عمل كنسي بشري لا يصل حد الكمال لابد أن تصطدم بعقل بشري آخر. أضف إلى كل ذلك الفساد الداخلي والخارجي الذين أحاطا بالكنيسة الغربية القديمة كقوة مادية شرهة، وكذلك أدعت إلى نفسها القوة الروحية التي تستمد مشروعيتها من الرب مباشرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر في ثلاثة قرون فقط أحرقت الكنيسة الغربية حوالي 20 مليون إمرأة بدعوى الشعوذة witches وبزعم أن الشيطان يسكن أجسادهن.
طال الوقت أم قصر، لابد أن يصطدم العقل البشري الغربي العقلاني لاحقا باللاعقلانية المصاحبة للكنيسة الغربية – أي عقل بشري ضد عقل بشري، وكما يقال – حدث الطلاق ما بين الكنيسة والدولة بعد كفاح مرير. وهنا يجب أن نركز على أهم نقطة في موضوع هذا الطلاق أي كيف أستخدموا لفظة secular بمعنى دنيوي، وهي أس الموضوع.
لقد دأبت الكنيسة الغربية القديمة أن تعطي مشروعية الحاكم -القيصر أو الملك- بعد أن يتوجه بيديه – أي يضع البابا بيديه التاج على رأس الملك أو القيصر في إحتفالية وإن لم يفعل تصبح مشروعية الملك أو القيصر ساقطة وغير معترف بها. إذن الحكم كان يستمد مشروعيته في القرون الوسطى من البابا وكيل الرب وذلك حتى الثورة الفرنسية 1789م، وليس من الشعب، ونكرر ليس من الشعب!! بينما في العالم الإسلامي وقبل الغرب بألف سنة ونيف تغنى المسلمون ببيعة (نخبة!) الشعب أو تغنوا بإرهاصات الشورى مع ضعف نصوصها، خاصة محمد عمارة –أنظر كتابه: الخلافة ونشأة الأحزاب السياسية. الذي تهافت في هذا الموضوع تهافتا مذريا، بإختصار: المسلمون يرون أن مشروعية الحاكم تتم عبر بيعة الشعب – إذن نظام الدولة في الإسلام دنيوي secular! وهذه الشورى الشعبية هي ما رغبها الأوروبيون في ثورتهم على الكنيسة وسموها بالدنيوية أو secularism مقابل ربوبية البابا divine لاغير. فمثلا الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر لم يختره لا الله ولا رسوله (ص)، كذلك الحال مع الخليفة الثاني الذي نص عليه الأول، والخليفة الثالث الذي نص عليه الثاني – تبقى خلافة الإمام علي بن أبي طالب هي الوحيدة التي تمت برضا وشورى المسلمين.
ومع هذا الطلاق السياسي، أي ألغاء دور البابا بصفته وكيلا للرب، يفرض السؤال نفسه: هل ألحدت الدولة الغربية بعد إنفصالها وإستقلالها من الكنيسة؟ لا. هل ألحد الفرد الأوروبي؟ قطعا لا. لدينا نصوص تخفيها الدول الغربية وعتمت عليها وتشير إلى أن فولتير، وجان جاك روسو مؤلف كتاب الثورة الفرنسية: العقد الإجتماعي، وغيرهم كثير من الفلاسفة الفرنسيين، كانوا بمجموعهم تلاميذا لفيلسوف مسلم من شمال أفريقيا أسمه أبو زيد، وهو الذي أسس المكتبة الوطنية في جنيف، وكان أحد الشوارع القديمة في جنيف يحمل أسمه rue abuzaid حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى – وحين أنتبه السويسريون، أزالوا أسمه من الشارع. الفيلسوف أبو زيد هو من علم جان جاك روسو وبقية الفلاسفة الفرنسيين الذين قادوا الثورة الفرنسية أن: مشروعية الحاكم تستمد من سلطة الشعب أي البيعة، وليس من قبل البابا، وكيل الرب. ونكرر: هذه هي ال secularism التي تغنى بها الغرب، لا غير.
ولكن هنالك البعد الفلسفي للفظة ال secularism وهى ما تلفظ بها قلة من الفلاسفة الماديين الغربيين في سياق دفعهم الإلحادي بعدم وجود الرب، والعياذ بالله. طنطنة هؤلاء في الأغلب وصلتنا عبر مطابع بيروت في الخمسينيات والستينيات. هكذا التصق الإلحاد بلفظة ال secularism في وعي أنصاف المفكرين العرب – محمد عمارة مثلا، أضف إلى ذلك المساهمات القوية لبعض الفلاسفة الماديين المشهورين، فيورباخ، ماركس، أنجلس، سبنيوزا، نيتشة..الخ وجميعهم لديهم زبائن قلة في العالم العربي، غير أن المدلول الأول – بيعة الشعب- غائب تماما لدى هؤلاء الزبائن. وزاد الطين بلة تنظيم الأخوان المسلمين. ففي محاربتهم لعبد الناصر بدفع سعودي، روج هؤلاء بخبث أن العَلْمانية secularism تعني الإلحاد، غير مدركين أنهم يستخدمون البعد الفلسفي الإلحادي للمفردة الذي ترعرع على أيدى الفلاسفة المذكورين أعلاه.
ولكن يجب أن ننتبه هنا بأن الدولة الغربية التي أستقلت عن الكنيسة، أو ما يسمى بفصل الدين عن الدولة، لم تلحد. هذا الإستقلال أو الفصل لا يعني كما يعتقد الكثير من المفكرين المتطرفين في الدول العربية أو الإسلامية أنه إلحاد. نؤكد للجميع أن الدولة الغربية مؤمنة، بل تساعد الكنيسة، حتى أن الأحزاب السياسية الغربية تلصق بأسمها لفظة المسيحية – الحزب المسيحي الديموقراطي مثلا، خاصة لمحاربة الشيوعية في القرن الماضي. ولكن لماذا كانت الجفوة ما بين الكنيسة والدولة وقتئذ؟
بما أن أدبيات المسيحية القديمة هي عمل كنسي بشري غير عقلاني وغير كامل، لابد أنها ستصطدم بعقل بشري آخر أكثر عقلانية. ولقد أصاب الدكتور كامل بلغة فصيحة عندما أعاد صياغة ما قصدته – متهما إياي وكأنني قصدت رفع لواء العلمانية هو حالة مرضية!! أجزم بنعم إن التشبث بمصطلح العَلْمانية (الدنيوية) secularism في معناها الأوسع هو حالة مرضية، وهي –أي العلمانية- حالة لا تصالحية تظهر للوجود بعد حالة إعتقال….!! ففي المسيحية عندما تعتقل الكنيسة الدولة وفي تاريخ المسلمين عندما تعتقل الدولة (الدين) – أي المسجد وغيره من المؤسسات الدينية!! وهكذا تبدو العلمانية حالة مرضية!! أهنيء الدكتور كامل الذي أهداني لفظة “حالة مرضية” رغم أستنكاره لها. ولا أؤيده على أنها حالة غير مرضية، والدليل على ذلك أن هذا التضاد الذي نشأ ما بين دولة الشعب nation state في مواجهة دولة الكنيسة church state، أو الدولة المسلمة ومسجدها ومؤسساتها الدينية في مواجهة أو تضاد مع المجتمع المسلم العريض، ما كانا سيحدثان في الحالتين لو طبقت الرسالة السماوية بحذافيرها منذ البداية.
يجب أن يلاحظ القاريء الكريم إذ كل من حالتي الإعتقال (المسيحية الغربية والإسلامية) عرض مرضي واحد، ولكن الحال معكوس في كل من الديانتين، وأن المحصلة أن المجتمع هو الضحية الذي يدفع الثمن على حساب تقدمه. وعندما تصبح العلاقة معوقة لتقدم المجتمع في حدها الأقصى يحدث الإنفجار. ويكفيك لفهم هذا الإعتقال إعتراف القرضاوي “أنهم” يغلقون على كتب التراث بالضبة والمفتاح حتى لا يسقط جمهور المسلمين في الفتنة أو كي لا تتمزق وحدة المسلمين على حد زعمه – وهذا يدلل أن جمهور المسلمين السنة مستحمر أو خشب فارغة لما تستوعب هذا الدين بعد.
وعلاج هذا التناقض أو المواجهة عبر الإعتقال هو الرجوع للدين الصحيح – خاصة في حالة الدين الإسلامي، أي فهم إين العلة، وما هي التزاوير والإنحرافات التي حدثت في صلب الرسالة الإسلامية منذ قيامها، ومقدار حجم تأثير الأمويين والعباسيين في تحريف معاني الدين الإسلامي السامية وروحه ومراميه الخ، ولو حدث هذا التصحيح لما تمسك المسلمون المعاصرين بلفظة العلمانية. وكما حدث لدى المسيحيين الغربيين، أصبحت العلمانية هي سفينة النجاة لشريحة عريضة من المسلمين، بينما لم يخطر على بال هؤلاء المسلمين أن الدين الذي في أيديهم ملعوب فيه أمويا وعباسيا. فهل يعتقد كائنا من كان أن الله تعالى كان يعبث عندما قال: اليوم أكملت لكم دينكم..!! أو أن نبينا العظيم قصر في التبليغ؟ حاشا لله ولرسوله!! فمع هذا الإكمال ما الحاجة إذن للعلمانية؟ ما سنثبته في هذه المقالة والمقالات التالية هو أن التشبث بالعلمانية هو عرض مرضي لحالة إعتقال..
يجب أن يفهم الدكتور كامل عندما قلت أنا في مقالتي الرابعة: (وقد يفاجأ الدكتور كامل إن قلنا له أن الإسلام هو العلماني وليس الغرب في عصوره المظلمة بينما أخذ منا الغرب هذه العلمانية الخ الخ..وقد وصلت بنفسي لهذه النتيجة بعد التدقيق في المفهومات – خاصة مفهوم العلمانية ودراسة فكر الخوارج[i]…ففي العالم المسيحي تألهت الكنيسة وأعتقلت الدولة تحت عباءتها بينما في العالم الإسلامي تألهت الدولة وأعتقلت الدين (المسجد) تحت عباءتها)..كان إستعمالي لكلمة العلمانية في هذا النص بمعنى (الدنيوية) secularism إرتباطا بقضية محددة وهي مشروعية سلطة الحاكم المستمدة من سلطة الشعب كما فهمها الغربيون بدءا بالثورة الفرنسية، وليس العلمانية التي يتخيلها المفكرون العرب المعاصرين اليوم في صورتها الغائمة والهلامية.
أما مصطلح العلمانية بالمعنى الأوسع إبتذالا وهو عادة الأكثر طرقا، أكرر الأوسع كما يفهمه الدكتور كامل بشكل إيجابي، وغيره من الحركيين السلفيين ومن سعى سعيهم مثل الأستاذ إسحق أحمد فضل الله والأستاذ الطيب مصطفى (ومصطلحاته بني علمان وبني عرمان!!) كما يرونه داءا نكيرا، وبعض الكتاب مثل محمد عمارة الذي يفهمه الحداثة واللادينية، بالمجموع لدى فيهم نظر – لأن الدين الإسلامي علماني من الطراز الأول، ولا حاجة لرفع شعار العلماانية!! فالدكتور كامل يرى كل الخير في العلمانية لكونها: إستعمال العقل والفكر والإبداع على إطلاقه بشكل ديناميكي أو جدلي أو صيرورة لا تتوقف – وهو رأيه، إلى قوله مع مراعاة الأسس التي روجت لها الأديان؛ وكما فهمها الأستاذ محمد عثمان الخليفة – إتاحة الفرصة للتفكير العقلي. هذا المعنى الأوسع والأكثر طرقا للعلمانية سأعالجه في المحور الثاني: إسقاط الزمان والمكان عند التفسير والتأويل على النص.
أما أن تكون هذه العلمانية مشوشة في عقل محمد عمارة[ii] وغيره مثل حسن حنفي، وأركون والجابري الخ، فأنا لا أستغرب ذلك. فهؤلاء جميعهم هم صناعة النفط الخليجي مع إستثناء محمد أركون الذي تشبع بالفلسفات والثقافة الغربية. أما محمد عمارة خاصة فهو مدلس ومتكلف ومتهافت. فمثلا كيف كان في زعمه يدير الرسول (ص) دولته بالمدينة المنورة؟ كل كتب التراث المعتبرة تشير إلى أنه ليس هناك للرسول (ص) نظاما محددا، ولا أشخاصا معينين. وليس هناك أثر لما أدعاه محمد عمارة بما يسمى (هيئة العشرة)، أنظر كتاب محمد عمارة: الخلافة ونشأة الاَحزاب الاِسلامية. هذه الهيئة ليس لها وجود في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها، ولا استطاع مدعيها[iii] أن يأتي بشاهد تاريخي واحد على وجودها في أيام النبي (ص)، ولا يستطيع أن يأتي بأثر واحد يؤيدها من حياة أبي بكر كلها وحياة عمر كلها، وحتى اختيار عمر للستة المعروفين لشورى الخلافة. وأضعف من هذه الدعوى ما جاء في محاولته البرهنة عليها من أشياء متكلفة، وأخرى لا واقع لها، وأخرى تفيد نفيها بدلا من إثباتها. ومن أنكر وأغرب ما استدل به محمد عمارة، وهو يراه أقوى أدلة الاِثبات لهيئته المزعومة، ثلاثة أشياء، هي:
الاَول: قوله: يتحدث سعيد بن جبير عن هذه الحقيقة الهامة فيقول: (وكان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وابي عبيدة وسعيد بن زيد، كانوا أمام رسول الله في القتال ووراءه في الصلاة). ثم يستنتج محمد عمارة من هذا القول أن هؤلاء العشرة لم يكونوا فقط وزراء الرسول ومجلس شوراه، وانما كانوا يديمون الوقوف خلفه مباشرة في الصلاة، كما يلتزمون الوقوف أمامه عند الحرب والقتال[iv]. إننا بغض النظر عن صحة نسبة مثل هذا القول إلى سعيد بن جبير، أو عدمها، لو سألنا الباحث أن يكشف لنا حربا واحدة فقط من حروب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقف فيها هؤلاء العشرة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت القتال، لعاد بعد بحث طويل في خيبة أمل بإستثناء الإمام علي.
الثاني: قوله: هؤلاء العشرة فيهم أول ثمانية دخلوا في دين الاِسلام، فهم أولون في الاِسلام، ومهاجرون[v]. وهذا كلام مع ما فيه من تهافت فهو دعوى غير صحيحة أيضاً..فهل كان سبق الثمانية إلى الاِسلام هو الذي رفع الاثنين الآخرين؟! ثم أين هذا السبق، وكلهم ما خلا علي مسبوق؟! إنهم، غير الإمام علي عليه السلام، مسبوقون إلى الاِسلام، سبقتهم خديجة، وجعفر بن أبي طالب، وخالد بن سعيد بن العاص، وأخوه عثمان، وسبقهم زيد بن حارثة، وسبقهم أبو ذر الغفاري خامس الاِسلام، وسبقهم آخرون[vi].
الثالث: وهو أكثرها نكارة، ما نقله محمد عمارة عن المستشرق فان فلوتن، بعد أن قدم لموضوعه بسؤال مثير، فقال: (ولكن هل خرجت الشورى على عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظم، إلى نطاق التنظيم المحكوم بمؤسسة من المؤسسات؟). فلما لم يجد (محمد عمارة) لهذا التساؤل الهام جوابا من التاريخ، تعلق بالخطأ الذي وقع فيه فان فلوتن لسوء فهمه لمفردات العربية، فحين قرأ عن أصحاب الصفة وهم المقيمون في المسجد على صفة كبيرة فيه، والبالغ عددهم سبعين رجلا، ظن فلوتن أن الصفة تعني (الصفوة)! فظن أن صفوة الصحابة كانوا سبعين رجلا لا يفارقون المسجد كمؤسسة استشارية تتخذ من المسجد مقرا لها، ولم يفهم فان فلوتن أن أصحاب الصفة هؤلاء هم أضعف المسلمين حالا، لا يملكون مأوى لهم فاتخذوا المسجد مأوى!! وليس هذا بمستغرب من مستشرق لا يتقن العربية، ولا تعنيه فداحة الخطأ العلمي بقدر ما يعنيه الادلاء برأيه..لكن المستغرب أن يأتي باحث كمحمد عمارة فيعتمد هذا الخطأ العلمي مصدرا لتثبيت قضية هامة كهذه، قائلاً: (نعم، فهناك ما يشير إلى وجود مجلس للشورى في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضوا) ويصرح أن مصدره فان فلوتن[vii]..
ماذا يعني تأله الكنيسة – في حال الغرب المسيحي، أو تأله الدولة – في حال الدولة الإسلامية؟ ببساطة شديدة: يعني أن تأتي أنت بما لم يأتي به أو يشرعه الله تعالى، أو تحزف أنت أو تسقط ما أتى به الله تعالى من تشريعات – وينطبق ذلك على شخص الدولة أو الكنيسة. فالمشرع هو الله لا غيره سبحانه وتعالى، ثم الرسول (ص) عن ربه عن جبريل عليه السلام. ولقد رفع الله تعالى رسوله (ص) درجات على كل الأنبياء: ورفعنا لك ذكرك، أي قرن أسمه تعالى بأسم الرسول (ص) في الشهادة والآذان الخ، ولا ينطق عن الهوى؛ وطاعة الرسول (ص) هي من طاعة الله سبحانه. إذن لا يوجد شخص في مقدوره أن يسقط العمل بآية في القرآن أو بعمل أو قول للرسول (ص)، أو أن يعطله، أو أن يشرع ما لم يشرعه الله ورسوله، هذه كلها من الممنوعات حتى ولو كان عمر بن الخطاب. وبما أن الشارع هو الإله الواحد الأحد حصرا، فماذا يعنى أن تشرع الدولة بما لم يأتى به الله من سلطان سوى أنها أصبحت شريكا لله؟ هذا هو المقصود لدينا بتأله الكنيسة الغربية أو الدولة الإسلامية. وتأله الدولة الإسلامية هو أكتشاف أصيل لكاتب هذه المقالة. ولنضع أصبعنا بالدقة على كيف ومتى تألهت تألهت الدولة الإسلامية.
أبو جعفر المنصور ومالك بن أنس 144ه:
وتحت هذا العنوان نثبت أيضا للقراء أن المذاهب هي من اختراع الحكام والسلاطين، وهذا العنوان يعكس العلاقة التبادلية ما بين الدولة ودائرة التراث والتفقه الحر والثقافة الإسلامية، تكبرها الدولة أم تضيقها، تفرجها أم تخنقها؟ وسبب التجاء أبي جعفر المنصور لمالك بن أنس هي شهرة الإمام جعفر بن محمد الصادق في المدينة المنورة؛ إذ عكف جده علي بن الحسين منذ مذبحة كربلاء 61ه للعلم والتعلم وأبتعد عن السياسة، فأسس المدرسة النبوية بالمدينة وهي التي أسست عمد الدين حيث أنشغل الأمويون عنهم بملذاتهم، وساهم في انتشار صيت هذه المدرسة النبوية ابنه محمد بن علي الملقب بالباقر، باقر علم النبيين، ووصلت ذروتها عند الإمام الصادق الذي ورث علم أبيه وجده عليهم جميعا أفضل الصلاة، فأصبحت هذه المدرسة النبوية قبلة المسلمين تشد لها الرحال – كان يتتلمذ على الإمام جعفر الصادق أربعة ألف عالم في وقت واحد – ومن تلامذته أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس نفسه صاحب هذه القصة؛ فخاف أبو جعفر المنصور أن يسحب المسلمون منه البيعة ويعطونها للإمام جعفر الصادق عليه السلام.
طلب أبو جعفر المنصور مالك بن أنس لمقابلته، وفي هذه المقابلة 144ه تم أول عهد كتابة الحديث النبوي في تاريخ المسلمين عندما طلب المنصور من مالك كتابة كتاب سماه الموطأ – معظم أحاديثه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ وكان مالك بعد هذه الزيارة أول مفتى رسمي للدولة بالمعني الذي نفهمه اليوم، لا يفتى أحد غيره، وقال أبو جعفر المنصور الدوانيقي: لا يفتى أحد ومالك في المدينة! وهذا الأحد ليس سوى الإمام جعفر الصادق، عليه السلام، ومدرسة آل البيت. لاحظ قول المنصور: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط عند قراءتك للنص التالي، وإليكم الرواية:
هذه الرواية التي يرويها ابن قتيبة المؤرخ الكبير في كتابه تاريخ الخلفاء منقولة عن مالك نفسه، فلابد من هذه الملاحظة وأخذها بعين الاعتبار. قال مالك: لما صرت بمنى أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلي الآذن من عنده فأدخلني، فقلت للآذن: إذا انتهيت بي إلى القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبة إلى أخرى، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة والأجزرة المرفوعة، حتى قال لي الآذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الآذن وتأخر عني. فمشيت حتى انتهيت إلى القبة التي هو فيها، فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثيابا قصدة لا تشبه ثياب مثله تواضعا لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم على رأسه بسيف صليت. فلما دنوت منه، رحب بي وقرب، ثم قال: ها هنا إلي فأوميت للجلوس فقال: ها هنا، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه ولصقت ركبتي بركبتيه. ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني ضرب مالك بالسياط في المدينة المنورة من والي المنصور). قال مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال وصليت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نزهته عن الأمر بذلك والرضا به، ثم قال: يا أبا عبد الله، لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني أخالك أمانا لهم من عذاب الله وسطوته ولقد دفع الله بك عنهم وقعة عظيمة، فإنهم ما علمت أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها، قاتلهم الله أنى يؤفكون. وقد أمرت أن يؤتى بعدو الله (يقصد واليه في المدينة الذي جلد مالك) من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه، ولابد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه. فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم منك. قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك. قال مالك: ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روي واعيا لما سمع. ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة (رضي الله عنهم)، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا سواها. فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله.
قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة بظهر القبة التي كنا فيها، فلما نظر إلي الصبي فزع ثم تقهقر فلم يتقدم، فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم؟ فقلت: لا! فقال: والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحدا غيرك قط، فلذلك تقهقر. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عينا ذهبا، وكسوة عظيمة، وأمر لابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقا، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها على منكبي وكذلك يفعلون بمن كسوه وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة على الناس فيحملها ثم يسلمها إلى غلامه. فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها بمنكبي كراهة احتمالها، تبرؤا من ذلك. فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله ... انتهى
ولقد توهم الأستاذ محمد عثمان الخليفة العلمانية (بأحد المعنيين، الدنيوية أو العقلانية اي إعمال العقل) حين أوقف عمر حد السرقة – بينما فات عليه لا أحد كائنا من كان يستطيع أيقاف حد من حدود الله، ولا الرسول (ص) نفسه – فهذا ممنوع، ولكن الأصح هو التعذير، أي درء الحدود بالشبهات – وهذا قول النبي (ص). بينما لا يصح لعمر أن يوقف عطاء المؤلفة قلوبهم، ولا يحق له. وننبه هنا، قد يتخيل للكثيرين من الدعاة ورجال الدين أنه يحق لعمر بن الخطاب أو للخلفاء عموما أن يشرعوا أو يعطلوا أو يبدلوا ما يشاءون من شرع الله، وهذا عين الطيش والجهل بإلإسلام. ولكننا سنفسر هذه النقطة عندما نشرح ماذا يعني الإجتهاد إعتمادا على النص في مقالة ثانية.
كذلك لم أرى اسوأ مما كتب محمد عمارة حين وضع الأمر بين قطبين بتعريفه للعلمانية بقوله: هي التفريق بين ما هو ديني وما هو دنيوي..الخ ولا أرى في قوله سوى التهافت. لقد ذكرنا سابقا لو طبق الدين الإسلامي منذ البداية وإلى يومنا هذا بشكل صحيح لما كان هذا التهافت نحو العلمانية – لأن الدين الإسلامي علماني. ولكننا نضيف هنا ما يؤيد وجهة نظرنا: أولا أن الدين الإسلامي بحر عظيم والقرآن خاطب العقل، فضلا عن الشورى التي أفردنا لها سابقا فهو عقلاني بالمعني الفلسفي العلمي، وأستخدم كل أساليب المناظرة والحوار، وحتى التحدى. فخذ قوله تعالى بعد أن حث الله تعالى الإنسان أن يتأمل آياته بعقله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..) فصلت، 53، وذكر الله أنه أي الأنسان يكدح لمعرفة ربه (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) الإنشقاق، 6، على المستوى الفردي القصير، أو على مستوى الإنسانية في مراحلها المتدرجة. ولكن هنالك وحدة الكون، فالجميع يسبح لله تعالى: (تسبح له السموات السبعة والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا) الإسراء، 44.
إذا كانت الذرة تسبح بحمد الله وهي وحدة المادة المصنوعة، حيوية أو غير حيوية، في كل أشكالها وتراكيبها الفيزيائية، إذن فالإنسان في نظر الله هو مخلوق للعبادة، وقد سخر له هذا الكون ليس فقط ليتأمله فيقترب إلى خالقه الله سبحانه وتعالى بعد أن علمه الأسماء كلها، بل أيضا سخر له هذا الكون لخدمته بعد معرفة سننه. ولقد حث الله الإنسان على العلم والتعلم والتفكر والتفكير في سنن الله، وشرح له نقاط قوته وضعفه، ويكفي الرسالة الإسلامية شرفا أن أول كلمة في القرآن هي: أقرأ. ولقد قال الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي: أن الله أنزل العلم للإنسان لكي يصعد به إليه مرة أخرى، وعبر هذه الرحلة يدرك الإنسان خالقه.
وعلى ضوء كل ذلك نجزم أن مفردة العلمانية (دنيوي) secular في مبدأها في الغرب هي بلحاظ سلطة الشعب الدنيوية، ثم أخذت منحى أو فهما علميا حين صادرت الكنيسة التفكير العلمي – مثلا قصة جاليليو وكروية الأرض، وتلونت بالإلحاد على يد القلة من الفلاسفة الغربيين. ورغم ذلك، نعذر الغربيين فهم وإن كانوا لا يملكون من الدين مثلما يملك المسلمون، فهم لا محالة في كدحهم ملاقون ربهم الحقيقي – يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه، ولم يقل سبحانه وتعالى: يا أيها المؤمنون أو المسلمون. فما عذر المسلمين أنهم تخلفوا منذ ألف سنة ونيف؟ بعضهم يعزي ذلك إلى ذلك الخليفة المبغض لآل البيت معاقر الخمر المتوكل العباسي الذي سحق المعتزلة، وسلم الراية للحنابلة وفي تقديرهم كانت ضربة قاضية للعقل العربي أو لعقل المسلم. ماذا كانت النتيجة؟ ليس للمسلمين وإلى اليوم نظرية في الدولة ولا في الإجتماع ولا في السياسة. يعملون بفتوى أحمد ابن حنبل سرا على مدار ألف ونيف من السنين (والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه..) وهي فتوى طويلة جامعة يعملون بها وإلى اليوم.
ما قصدناه بالمجموع هو أنه يستحيل تقسيم وعي الإنسان بلحاظ المعرفة والترقي إلى وعي ديني ووعي دنيوي (علمانية)، فهذا التقسيم عبيط، ولا أساس له، ولا معنى له لا عقلا ولا شرعا. ونرى في تاريخ المسلمين أن جعفر الصادق عليه السلام هو مؤسس علم الكيمياء، وهو من أملاءه وسلم أسسه لأبي حيان التوحيدي، وكان يدفع له الأموال لحثه في طلب علم الكيمياء. وعندما تتحدث عن بقية العلوم، وبقية علماء المسلمين من كل أصقاع الأرض كيف ساهموا في العلوم الطبيعية أو العقلية بجهدهم الفردي مثل البيروني، وابن الهيثم وغيرهم كثير وما لاقوه من أذى أو قتل من قبل السلاطين، ستفهم أن مصادرة الحريات والاستبداد هما اللذان آخرا المسلمين السنة عبر إعتقال الدولة للدين (الجمهورية الإيرانية الإسلامية قضية أخرى، رغم أنها دولة دينية لكنها لم تعتقل الدين، ولا يمكن مقارنتها بالعالم السني – فخذ إيران في ظرف أثنين وعشرين عاما رفعت قمرا إصطناعيا وتقدمت علميا بما لا يقاس بالدول السنية).
إذن الأصل في الرسالة الإسلامية على يد خاتم الرسل (ص) هي الحرية كنقيض للإستبداد. قال النبي (ص): لقد أمرت أن أحكم على الناس بالظاهر، وعلى الله حكم السرائر. معني ذلك، أن كلمة لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، هي كلمات يصون المرء بها دمه. فهذه الكلمات حتى المنافقون في حياة النبي (ص) قالوها، ويعني ذلك، قد يحيا المرء ويموت وهو مسلم وقد صان دمه ولكنه قد لا يدرك هذا الدين في العمق في ظل الإستبداد، وقد لا يذوق حقيقة الإيمان الحقيقي – لذا الحرية والحرية الدينية هي الأصل دون إستلابات. وفقط في إطار هذه الحرية يصل الإنسان إلى خالقه عبر المراهقة النفسية والعقلية، وهما مطلوبان – وصفهما الله تعالى بوجل القلوب. لقد وصف الله تعالى المؤمنين (الإيمان الحق) في سورة الأنفال في خمسة صفات: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* اؤلئك المؤمنون حقا..) الأنفال، 2-4. قد لا يمتلك المسلم كل هذه الصفات الخمسة بالمجموع وقد يمتلك واحدة أو أثنتين الخ ولكن لكل درجة ورزق كريم على حسب درجته من تحصيله لهذه الصفات الخمسة.
لذا تصورنا ما بين الفرد والدولة هو كالتالي: عليك أن تتخيل الصورة والإطار، يمثل الإطار نواهي الله تعالى وحدوده، بينما المساحة التي بين الإطار أو داخل الإطار هي مساحة الحرية التي يجب أن يمتلكها المسلم، وفي هذه المساحة هو حر التفكير تماما، ولا دخل ولا سلطان للدولة ومؤسساتها على الفرد في هذه المساحة. ونفس هذا المثال ينطبق على تربية الطفل، إذا أنت صغرت من المساحة الداخلية في الإطار إلى الصفر ستخنق طفلك، ستراقب أفعاله وكل حركاته وسكناته، سيصبح غبيا بليدا، مرعوبا، فاقد الثقة بنفسه، قدريا فاقدا للمشيئة وللمبادرة الخ. ولماذا الإطار؟ يجب أن ندرك أن العقل البشري وحده ليس حكيما بما فيه الكفاية، فإذا تركنا له قضية الوجود والحياة بحرية كاملة أو مطلقة ربما قد يقودنا إلى كوارث – بل في الحق قادنا إلى العديد من الكوارث، فخذ مثلا قضية النظام النقدي الربوي عالميا هو المسئول عن هذه الحروب أو الفقر الذي يعم شعوب العالم، أو الإفساد الحادث في البيئة الخ.
هذا المثال أي مثال الصورة والإطار يجيب على كل أسئلة المتناطحين في قضية العلمانية والدستور الإسلامي أو الشريعة الإسلامية لما بعد إستفتاء السودانيين الجنوبيين للإنفصال – لم يعملوا للوحدة بل أخذوا يهيئون أنفسهم لما بعد الإنفصال. لقد بدأت بعض التحالفات الحزبية مناقشة هذه القضية النظرية: العلمانية مقابل الشريعة. فكما ضيع الإسلاميون أربعة عقود في قضية الشريعة الإسلامية والدستور الإسلامي فيما بينهم كذلك ربما يضيعون زمانهم وزماننا حول لفظة العلمانية والعلمانيين!! غير مدركين أن هذا المصطلح عبيط وغريب حشر في الساحة العربية الإسلامية حشرا لتمزيقها ولإقصاء المد والزخم الثوري الناصري في الخمسينيات والستينيات.
وبالأحرى، تلك المقولة الزائفة أن العلمانية تسعى لفصل الدين عن الدولة مقولة سطحية وليست علمية وتجافي حقائق الدين والشرع، فهل مثلا عندما يذهب رئيس الجمهورية من منزله إلى مكتبه أو الموظف الخ، يترك الدين في منزله؟ وهل ممنوع عليه أن يسلك أو يعبر عن نفسه دينيا في موقف من المواقف؟ هذا يستحيل، ولكن الأصح هي مقولتي: مقولة ألا تتأله الدولة أو مؤسساتها أو رموزها، كأن تسقط في أيديولوجية دينية منحولة، أو تراقب الدولة كفعل الخوارج كيف يفكر المواطن الفرد، أو كأن تصادر منه أو تضيق عليه الحريات وبشكل خاص الحرية الدينية بأسلوب الوصاية، أو تسيطر على المقروء من الكتب – مثل سيطرة السلفيين المتسعودين بعلم رئاسة الجمهورية على معرض الكتاب الدولي ببري بخدعة بينة االخ فخذ مثلا في الجامعات السعودية على حسب قول الشيخ الكويتي هاشم الرفاعي في كتابه القيم: نصيحة لعلماء نجد، وهو شافعي المذهب، يقول لعلماء نجد محذرا وموبخا: (تعملون عمل الخوارج، فإذا جاءكم أحد من المسلمين – وخاصة طلبة العلم – تبدأون في عقيدته أصحيحه عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا وكذا…وأين الله؟ و…؟ وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق فكانوا إذا جاءهم أو مر بهم المسلم الموحد امتحنوه فإذا خالفهم قتلوه – أما المشرك أو الكافر فيتلطفون به ويتلون الآية: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)، وكذلك قوله تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين* ما لكم كيف تحكمون)…)أ.ه..
أما القول في إعتقاد البعض أن العلمانية “مجموعة أفكار وممارسات واضحة” لذا أهملوا العلمنة بمعنى التطور، أو أنها “فكرة ثابتة لا متتالية آخذة في التحقق” من منظور الفلسفة الجدلية، نقول: جميع هذه المقولات تطرق على باب أهمية التطور، وعلى جدل الواقع وصيرورته إما أخذه بوعي مدروس وهادف أو بشكل سلبي passive. عموما، أجد هنا الإتكال الأوحد على مفردة العلمانية هو نوع من التكلف ولزوم ما لا يلزم، لأن كل ما يشتاق إليه المرء موجود في القرآن وسنة نبيه الصحيحة. ولكن الإشكالية التي لم يعيها المثقفون هي أن الدين الذي في أيدينا ملعوب فيه أمويا وعباسيا، فمن باب أولى ليس الإستغراق في مصطلح العلمانية بل في دراسة هذا الدين بشكل حقيقي وليس بشكل إعتباطي. والإعتباطية هي ما نراه في البحوث السطحية والزائفة التي يسلقونها في الجامعات أو الكليات الإسلامية على مستوى السودان أو العالم العربي. فمثلا خذ شخصا على وزن محمد سعيد رمضان البوطي له كتاب ألفه منذ السبعينيات في الحاكمية والدولة الإسلامية، وأدعى فيه أن حديث “كتاب الله وسنتي” أخرجه البخاري ومسلم، وحين نبهه علماء الشام في سوريا أن الشيخين البخاري ومسلم رفضا إخراج هذا الحديث، ولا وجود له حتى في بقية الصحاح، وأعترف البوطي بخطئه ذلك، لكنه في طبعاته التالية لم يصحح هذا الخطأ.
فكيف تفسر ذلك؟ تفيد هذه الحادثة معنى محددا: وهي أن البوطي يتعمد أن تبقى الأيديولوجية الأموية هي السائدة[viii]. فحقيقة وأصل هذا الحديث هي: كتاب الله وعترتي. والفرق هنا كبير، لقد نبه النبي (ص) المسلمين أن العلم في كل أوجهه والتأويل زقه الله في ذرية محمد وأوصانا النبي (ص) أن نأخذ علومنا منهم إذا رغبنا في النجاة. ولكن الأيديولوجية الأموية السائدة والمدعومة من قبل الحكام تعمدت أقصاء أئمة وعلوم آل البيت، فحورت هذا الحديث النبوي. وليس هذا أول وآخر تحريف ولا مجال لسرد التحريفات. ولكن لكي نؤكد لعاشقي “مصطلح العلمانية” أمثال الدكتور كامل على أصالة ما نكتب هنا دعنا نسأل مستشار رئيس الجمهورية الشيخ أحمد علي الإمام في هذا الحديث هل أخرجته كتب الصحاح؟
ولا أستغرب أن يصل الغرب عبر العلمانية المتطرفة إلى المزيد من الحيرة والمأزق الروحي والإجتماعي، فاللهث خلف العقل على أنه سيد نفسه وسيد العلوم (الدنيوية) مع إغفال القضية الروحية والدينية تقود قطعا إلى باب مسدود. أما التصالح المزعوم ما بين القوميين العلمانيين على حسب قول الدكتور كامل والإسلاميين الإيمانيين فهذه ألاعيب سياسية تخرج من العباءة الخليجية، فإذا فهمت أن نفس هذه الجهات التي تخرج لنا في كل حقبة مسمياتها ومقولاتها وشعاراتها هي نفسها التي سممت الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت ترفع شعار وحدة إسلامية وليس وحدة عربية، وعجبا أهملت اليوم بل حاربت الوحدة الإسلامية وأأصبحت هي نفسها التي تقود النضال العربي – حتى أنهم أسسوا ما يسمى “مؤسسة الفكر العربي”، لا تتمالك نفسك من التبسم والترحم على عبد الناصر. وستضحك أكثر لو علمت أن أحد أمناء “مؤسسة الفكر العربي” من يسمى بعبد الرحمن حسن الشربتلي. التصالح ما بين الإسلامويين والقوميين ما بعد ناصر هدف إقصائي مطلوب من أنظمة الدول الخليجية لتحقيق التالي: أن القومية العربية سنية المذهب، بينما الشيعة والمتشيعين لآل البيت فرس أو هم من صناعة القومية الفارسية.
ما زلت أنا مصرا أنه لا حاجة لمفردة العلمانية، وأن القرآن فيه كل شيء، والأحاديث النبوية الصحيحة فيها كل شيء يحتاجه الإنسان، هذا شرطا تنقية الدين من الشوائب الأموية والعباسية. فالمسيرة الخيرة التي ينشدها جميع المخلصين لله ولرسوله (ص)، والتجدد والنشاط العقلي والعقلاني المتعمد والهادف والمقصود الذي يتمناه المفكرون السودانيون لتطوير الحياة وتعميرها، يسهل فرملته بكلمة واحدة: إن العلمانية ضرب من الإلحاد!! وهكذا يفعل حرس الأيديولوجية الأموية. أضف إلى ذلك، أن السكون والكسل الفكري مطلوبان لذاتهما، فماذا يعني الدوران حول السلف الصالح في دائرة مغلقة، أو قفل باب الإجتهاد من قبل الأتراك العثمانيين لأربعة قرون خلت، أو سلق البحوث الدينية في الكليات الإسلامية السودانية في أيامنا هذه، وأخيرا وليس آخر أن يقول الشيخ القرضاوي أن كتب التراث الإسلامي مغلقة بالضبة والمفتاح وقال حرفيا: “وليس لدي السنة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو (الشيعي). فنحن علماء السنة لم نسلحهم بأي ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفاً من إثارة الفتنة، وسعياً إلي وحدة الأمة”. فهل هنالك أكثر تعبيرا وصراحة من كلمات الشيخ القرضاوي هذه أن الدولة الإسلامية السنية قديما وحديثا أعتقلت الدين؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.