كانا عاشقين يضمخان المكان حولهما ولهاً، يستفزان العزلة بتلاصق حميم، يقارعان الصمت بضجيج العيون، يتجولان ويديهما متشابكتين لا تفترقان، يظلان سوية حتى وقت متأخر يوصلها حتى منزلها ويظلان لساعات يتجولان عبر الشوارع والأزقة حوله خوفاً من الوداع، ما أن تنفلت يدها من يده حتى تمسك بصوته عبر الهاتف لتظل تتابعه حتى منزله وحتى ينام، ذات يوم ضاقا من ذلك الليل الذى يفصلهما فقررا الزواج. وكلما تناقشا كان يحتار كيف انها تتحدث بصوت غير مألوف، بدأت إيماءاتها تختلف، بدأ ما تقوله نفسه يختلف، ظل يشعر أن هذه المرأة الجديدة تشبه أحداً يعرفه، وبعد زواجهما بايام لبيا دعوة أسرتها لتناول العشاء، كانا صامتين طوال الطريق، وكانت يدها تمسك بطرف ثوبها كى لاينزلق، وكان مشغولاً فى مناقشة احداث المباراة الماضية مع سائق التاكسى، نزلا بسرعة كلاً من باب ودخلا البيت وأمها تستقبلهما تنبه لأن المرأة الجديدة التى تحولت لها حبيبته هى أمها!… اتصلت بي إحدى صديقاتي المقربات باكية من الشقة الفندقية التى تقضى فيها شهر عسلها ألحت على كي أحضر إليها، تحرجت من زوجها وحاولت الاعتذار، لكن نشيجها لم يتوقف حتى رضخت ووافقت، استقبلتنى بعيون محمرة ومتورمة وما أن رأتني حتى ارتمت في حضني تبكى بملء الفم، بعد محاولاتي لتهدئتها فوجئت بها تقول إنها محبطة، وإن زوجها تغير منذ اليوم الأول، وإنه لم يعد ذلك الشغوف بها، وإنه فاجأها بفظاظات لم تستعد لها فى أولى أيام حياتها معه. خرجت لزوجها الساخط وجدته بالبهو ينفث دخان قلقه بادرني قبل أن اسأله بقائمة من الشكاوى حول تغيرها المفاجئ والحاحها على أشياء فى طقوس الزواج تعرف عدم قدرته على تلبيتها وإحباطه الكبير من الكثير من سلوكها وأختتم حديثه بقوله: ما بقيت حاسى بى فرق بينها وبين أمى!.. كانت إحدى الكوادر الخطابية لحزبها، ذهبت إليها في الكوافير الذي تستعد فيه لليلة عرسها، كانت متوترة ويديها ترتجف، تجاهلت ممازحاتي من قلقها غير المبرر، ظلننا نحن صديقاتها نحوم حولها وظلت تتذمر بلا توقف فالثوب تجعد من هنا، والمكياج أكثف مما يجب، والقفاز ضيق، و…..ظللنا هكذا حتى حضر زوجها برفقة أحد أصدقائه للذهاب لالتقاط الصور أولاً، وبعد أن انتقدت بشدة تزيين العربة تحركنا تجاه الاستديو لتبدأ حنقها من الانتظار ومن سوء تصرف زوجها فى عدم الحجز مسبقاً ومكياجها الذى لن يحتمل حر المكان و…و…. دخلنا لالتقاط الصور وبعد مشادات كثيرة حول كل شيء جلست لتلتقط الصور كانت عيناها تشيح عن زوجها حتى يضطر المصور لتنبيهها وقفت انا أرقبها، تبسمت بتكلف للعدسةً ضحك زوجها بسخرية وقال لي “اشتريت لي نقة جديدة بدل نقة أمي القديمة”.. ان الموقف النفسى الذى يحول الشابات لسلوك أمهاتهن بمجرد الزواج هو موقف له تفسيره العلمى فوفقاً للكاتبة نانسى فرايدى فى كتابها ” أمى مرآتى : بحث الأبنة عن هوية” والذى تقول فيه فى فصل:الزواج والعودة الى التعايش، اننا عندما نتزوج لانعرف كيف نكون، نود ان نجمل زواجنا من هذا الرجل الذى نحبه كما كنا نجمل انفسنا عندما كنا عازبات،وفى اليوم الذى يقول فيه الزوج غاضبا انك لاتختلفين عن أمك بشىء نشعر بجرح عميق لايسببه اى شىء آخر…” فى تجربة الزواج كل شىء يذكرنا بالأم ، عندما نرتب البيت وعندما نقف امام البوتجاز أو نشترى الملابس التى تناسب شخصيتنا الجديدة كمتزوجات فان الأم تكون أول من يخطر ببالنا وخياراتها وطرائقها تفرض نفسها علينا حتى لو بدونا مختلفين او على النقيض منها،… فتحبيذ المجتمع لمواصلة وتكرار نموذج الأم فى حياتنا يزيد من رغبة النساء بان يكن كأمهاتهن فى المؤسسة الجديدة. ان محافظة النساء على فردانيتهن فى الزواج أمر بالغ التعقيد ويحتاج الى جهد واع مضن لأن الرجل يصمم سلوكه داخل العلاقة بشكل يجعل من المرأة معتمدة عليه، وقد لايدرك عمق هذا السلوك لانه فى نهاية الامر يتضايق منه فعندما يقول الرجل “أعتمدى على ” يشعر بالفخر لكونه قادراً على منح زوجته شعور الأمان، ولكن بعد فترة قصيرة يصير مخنوقاً بهذه المسئولية الثقيلة فيبحث عن علاقة اقل تطلبا ومسئولية لتبدأ الخيانات ومسلسل التخبط فى الاكاذيب والخداع. ان أى شى يفصلنا عن الزوج هو منافس لنا ، فلكم هى كثيرة المشاكل التى تقع بسبب غيرة الزوجة من عمل زوجها واهتمامه به، تشعر النساء بان انتماء ازواجهن للعمل اكثر رسوخاً والتزاماً وبسهولة يمكن ان يكون العمل هو أولويتهم ، عكس النساء الاتى مهما كانت وظائفهن اوطبيعة عملهن يجدن انهن قلقات على علاقتهن ومستاأت للوقت القليل المتاح لهن مع ازواجهن وفى بيوتهن، مرد ذلك يرجع الى اننا –كنساء- قد وضعنا الزوج عاطفياً بنفس موقفنا من الأم ، بل اننا نحول كل مشاعرنا تجاه الأم الى أمنا الجديدة البديلة “الزوج”. والأزمة تنبع من أن الزوج نفسه يرغب بان تكون زوجته مثل أمه ، فيحدث تناقض عالى فى المتطلبات ينتج عنه أزمات مزمنة فى العلاقة. الرغبة بأن نكون محط رعاية شخص ما ليست شيئاً سلبياً على الأطلاق ، والرجال والنساء ينشدون الى بعضهم البعض لاننا جميعاً نحتاج الى علاقة وثيقة حميمة، وفى علاقة كهذه يرضى كل طرف الآخر بسرور او على الاقل بكلفة نفسية ضيئلة، ولكن عندما تعنى عبارة”اعتنى بى” ان تقوم بكل شىء انابة عنى حتى التفكير فى مستقبلى وخياراتى فهذا يعنى نسف الفردية والاستقلالية، ويعكس رغبة بان تكون المرأة طفلة تستمتع بكل شىء معد من قبل أمها الجديدة – الزوج- ، وفى ذلك لاتعترض حتى على ضربه وتأديبها فهى طفلة بنظر نفسها ومن الطبيعى ان تعتنى بها امها وتؤدبها ، وهذا بالأضافة الى الصورة الضعيفة التى تقدم للمرأة عن نفسها ما يدفع بكثير من النساء لقبول تسلط ازواجهن دون ابدأ اى تذمر ، أخبرتنى أحدى النساء -وهى ناجحة مهنياً- انها لاتستطيع الخروج بملابس لم تعجب او ترضى زوجتها والتقطت بعفوية السبب اذ قالت لى ” بقى زى أمى زمان لازم اعمل ليها معاينة حتى امرق..”.. وتعرض الكاتبة تجربة زوجة تقول: قبل الزواج كنت أستمد قوتى من ذاتى. ولكن بعد الزواج ابتدأت أفكر بنفسى على اننى زوجته بلا هوية أخرى، وهكذا لاأشعر بالحياة الحقيقية الا عندما نكون معاً، وعندما يكون فى البيت لاأتوقف عن الحديث معه وأطلب منه دوماً ان يكون معى ، بعد شهور صرخ بوجهى ونحن نتشاجر بسبب تذمرى لانشغاله عنى بعمله اذهبى وابحثى لنفسك عن شىء تفعلينه..” وتقول الكاتبة: ان النساء اللواتى يحكم سلوكهن التعلق بالأم غالباً مايكن غير واعيات بذلك بل أحياناً يكن كارهات لأمهاتهن وعلى خلاف معهن ، ولكن لايغير ذلك ممن طبيعة سلوكهن داخل زواجهن ، فمثلاً النساء اللاتى كن محرومات عاطفياً من رعاية واهتمام أمهاتهن يتطلبن من الزوج أهتماماً كبيراً غير واعى ويكن متلقيات وغير معطيات ، فحتى فى الممارسة الجنسية يتخذن موقف الطفل الذى ينتظر من أمه ان تناغيه وتتدلله ويلعبن بذلك دور بارد وسلبى فى كل الممارسة فليس هدفهن الوصول الى المتعة الجسدية ولكن افتقاد تدليل ورعاية الأم..” ان معرفة الذات أمر شاق وغير متاح للجميع ، ولكل تفرده وتميز تجربته ولكن ما طرحته الكاتبة من تحليل يتوافق وكثير من النساء ويجعلنا ننظر لعلاقاتنا بزاوية جديدة وتفهم مختلف فالتشبث الطفولى بالزوج وابداء الرغبة فى الالتصاق الدائم به يجعل الزوج يشعر بضيق وتقييد بالغ داخل العلاقة، وليس الحل فى عدم الاهتمام به ايضا ، وهو حل تطبقه نساء كثيرات ،اذ تنصح الصديقات بعضهن فى السودان بأن “يفتحن” للحبيب المتردد وسيأتى راكعاً ، ان المطروح الأن فى العلاقات العاطفية شائه وغير معزز للتواصل الانسانى، اذ يجب ان نعرف رغبات بعضنا أفضل وبعمق مختلف، اذ ان “نقة” الزوجات ستفهم أفضل ان قرأانا الرغبة فى تواصل غير منقطع خلفها فالطفلات الملحاحات يسترعين اهتمام الأم حتى بإثارة المشاكل ،كما ان الرجال سيتفهمون الغيرة العدوانية لانها غيرة تجاه الأم أول منبع عاطفى فى حياتنا وهكذا..،فحتى لا تتحول النساء لطفلات لدى أمهات جدد لايملكن طاقة الام النفسية فى الرعاية والاهتمام فيهجرون العلاقة عند اول تحدى، وكى لانؤبد النساء فى صورة أمهاتهن فيتسرب الملل من وجود الأم وليس الفتاة التى أحبها الرجل ليخرج الزوج للبحث عن زوجة ، و حتى لا يبحث الطرفين عن الحب والتواصل الصحى خارج أطار الزواج. هادية حسب الله [email protected]