بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقلم : رفيف صيداوي ..”وجوه من زمن النهضة” – ابراهيم العريس يوقظ النهضويين العرب
نشر في حريات يوم 15 - 08 - 2011


رفيف صيداوي …
«وجوه من زمن النهضة»، كتاب جديد للكاتب والصحافي اللبناني إبراهيم العريس، صدر حديثاً عن مؤسّسة الفكر العربي، وهو السادس في سلسلة كتب «معارف» التي تصدرها المؤسّسة شهرياً.
يشكّل هذا الكتاب إضافةً، وذلك لتعريفه بفكر النهضة العربيّة الممتدّة من أواسط القرن التاسع عشر وحتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين، ولا سيما تعريفه بالاتجاهات الفكرية المتنوّرة التي سادت الحياة الثقافية العربية في تلك الفترة الزمنية الواعدة من تاريخنا العربي الحديث. ولعلّه في هذا السياق يتميّز في منهجيّته التي تناولت حيوات وأفكاراً ومواقف ورؤى لعدد من المفكرين العرب الأكثر تنوّراً، وصهرها من ثمّ في مزيج مبدع، يُدخل القارئ، على اختلاف مستوياته التعليميّة والثقافيّة، في صلب هذه الشخصية وإطارها البيئي والثقافي والاجتماعي والسياسي، وذلك من ضمن جدلية الخاص والعام، والفردي والمجتمعي، والذاتي والعمومي.
هذه القراءات في وجوه شخصيات نهضوية فذّة، بدءاً بالطهطاوي، والأفغاني، والكواكبي، ومروراً بعلي مبارك، ورشيد رضا، وخير الدين التونسي، وجرجي زيدان، وشكيب أرسلان، وأمين الريحاني، وجبران خليل جبران، ومحمد كرد علي، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم، وفاطمة اليوسف، وانتهاءً بيحيى حقي ونجيب محفوظ، هذه القراءات ارتدت قالب السهل الممتنع، سواء من حيث الأسلوب أم المضمون، خصوصاً أن المقارنة والنقد والتحليل والملاحظة وغيرها من أدوات المنهج العلمي الاستقرائي توارت خلف الأسلوب البسيط، غير الزاخر بالتعابير والمصطلحات الأكاديميّة أو العلميّة الصارمة؛ فجاء الكتاب عبارة عن خلاصة ما جاء به الفكر النهضوي العربي. ومن أبرزها: العقلانية، الذي شدّد الكتاب على عناصرها أو مكامنها التي جعلت من هذه الشخصية أو تلك شخصيّة مضيئة في حياتنا الثقافية العربيّة. إذ إن الفكر النهضوي العقلاني، وبانتمائه إلى تراثه الديني والثقافي وانفتاحه على دين الآخر وثقافته، وبمضمونه الإصلاحي التنويري ضدّ مظاهر الفساد والتقوقع والجهل، هو الفكر الذي استخلصه الكتاب معرّفاً القارئ بأبعاده وحدوده لدى شخصيات النهضة التي شملها. من ذلك، «تخليص الإبريز…» للطهطاوي ورحلته الباريسية، التي شكّلت نقطة تحوّل، ليس فقط في حياة هذا الرجل ووعيه، بل كذلك في الفكر العربي الحديث بأسره. فهو كتاب يختلف جذرياً عن كلّ كتب الرحلات والانطباعات التي نعرفها، سواء أكانت كتباً وضعها غربيون عن زياراتهم إلى الشرق، أم كتباً وضعها شرقيون عن زيارتهم إلى الغرب، لأن الطهطاوي في «تخليص الإبريز» – وكما ورد في الكتاب – كان يقيم على الدوام نوعاً من المقارنة بين ما يراه «هنا» ويعرفه «هناك»، لكن محكومة دائماً بمبدأ عقلي لا مراء فيه، «مبدأ عقلي قد يصل أحياناً إلى حدود التلفيق والتوفيق، حين نرى الشيخ وهو يتمنّى لو اجتمع في هذا المجال أو في تلك الظاهرة «أحسن ما عندنا» و «أحسن ما عندهم»… عندها ربما نصل الى أفضل العوالم الممكنة! وشخصية الطهطاوي، المهيمنة على الكتاب، لا تتعامل مع هذه الأمور على أنها «يوتوبيا» عسيرة المنال، بل على أنها جزء من الممكن».
لقد شدّد الكتاب على أن ما قدّمه هؤلاء النهضويون كان درساً في اللجوء إلى العقل، لأن الله سبحانه وتعالى سيتجلى للإنسان العاقل إن هو استخدم عقله وسيلة وضاءة للوصول إلى الله. كما شدّد الكتاب على عروبة النهضويين. فكان الكواكبي، الذي اعتبر أن العرب رواد الإسلام وممثلوه الأكثر نقاء، يعلن أن الخلافة ينبغي أن تكون لهم، وأن تستعاد من العثمانيّين غير الجديرين بها. السلطنة وحدها قد تكون جديرة بهم. وعبر هذا الكلام الذي كان فريداً من نوعه في ذلك الحين، يظهر اهتمام الكواكبي بإعادة الاعتبار إلى الجنس العربي الذي كان فقد الأسبقية في الدولة الإسلامية منذ عهد الأمويّين، وبهذا المعنى عبّر «عن يقظة الوعي لدى العرب، لكن هذا لا يمكن أن يتمّ إلا عبر الإسلام: أي أن الكواكبي، في كلمات أخرى، لا يعبّر بصورة مباشرة عن مطلب عربي خالص بل عن مطلب إسلامي: إنه في سبيل إعادة الاعتبار إلى الإسلام في عظمته الأولى يقترح أن تعود الخلافة إلى الجنس الذي كان جعل للدولة الإسلامية تلك العظمة».
كما تتبع الكتاب الرؤية العصرية لهؤلاء النهضويّين، وتجلّى ذلك في «طبائع الاستبداد» للكواكبي الذي رأى في هذا الاستبداد أو الطغيان واحدة من المعضلات الأساسية التي تقف ضدّ نيل الإنسان حريته، وأن الحل الأمثل والأكثر اعتدالاً للتخلص منه ليس معارضته بالقوة، بل بالقدرة، وقبل ذلك تهيئة نظام بديل له، لئلا ينتهي الأمر بأن تنتفض أمة ضدّ المستبد، فيما هي لا تنتفض في الحقيقة ضدّ نظام الاسبتداد نفسه، بما يؤدّي إلى إحلال مستبد محلّ مستبد آخر. كما كمن الحلّ الوحيد في طريق التقدّم بالنسبة إلى الكواكبي، في الوعي الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من طريق العلم. لذا تساءل المؤلف قائلاً: «إن مثل هذا الكلام قد يبدو اليوم بديهياً، وربما تبسيطياً أيضاً. لكنه، ضمن إطاره الزماني والمكاني كان جديداً وثورياً تماماً، ولا سيما حين عرضه الكواكبي بوصفه آراء نظرية يمكن تطبيقها على الأوضاع العربية تحت ظل الحكم العثماني، ولكن يبقى هنا سؤال: هذه الأفكار الثورية الواعية، والتي كتبها الكواكبي حقاً، هل يمكن عزوها إليه؟ إن عدداً من الباحثين يرى تشابهاً كثيراً بين كتابات الكواكبي هذه وبين أفكار كانت متداولة، ولا سيما في الفكر الإيطالي في ذلك الحين. وهذا ما يضعنا مباشرة في صلب النظرية التي تقول إن علاقة الكواكبي بالإيطاليّين الاشتراكيّين كانت كبيرة وحاسمة. وهو أمر كان عباس محمود العقاد، في كتابه عن الكواكبي، قد نبّه إليه مشيراً إلى التطابق بين أفكار «طبائع الاستبداد» وأفكار جماعة «الكاربو ناري» الإيطالية، بل إن العقاد يرى أن الإيطاليّين هم الذين ساعدوا الكواكبي على مغادرة حلب، بعد محاولة اغتيال قنصل إيطاليا فيها(…) فهل تراه كان، في ذلك الوقت، يخوض مهمة معيّنة؟». ثم يستخلص المؤلف إن الفرضية ممكنة وقابلة للتصديق، إذ لا يعقل لرجل فعل ما فعل الكواكبي وكتب ما كتب، أن يكون وحيداً، مغامراً، ينتقل من تلقائه ومن دون سند. ويتابع أن هذا الكلام لا يعني أن الكواكبي «كان ينفّذ سياسة إيطالية أو يروّج لها في المنطقة، بل على العكس، فإذا صحّت النظرية، كان يحاول أن يستفيد من الدعم إلى الحدود القصوى، حتى يصل إلى غايته التي هي في نهاية الأمر غاية عربية… إسلامية تنويرية. وهذه الغاية نجدها متجلية في شكل واضح في «أم القرى»، إذ في هذا الكتاب يطلّ الكواكبي واعياً ورائداً وعربياً خالصاً من دون أي غموض».
«وجوه من زمن النهضة»، كتاب يداوي وإن كان يمتع ويؤلم في آن… تمتعنا إطلالته على الجوانب الشخصية للمفكرين وعلى ما يختزنونه من غنى مرتبط بنزعاتهم الفكرية المتنوّرة والإصلاحية والنهضوية، التي تستوعب العصر وتهضم الأصالة في آن، والتي تعلي من قيمة العقل أساساً.. ويؤلمنا الكتاب بإعادتنا إلى ماضٍ ساد فيه الأمل، فيما تسود الظلمة بعامة حياتنا العربية الراهنة، بوجوهها الثقافية وغير الثقافية… لكنه كتاب يداوي لأنه يصلنا بفكر نهضوي لا يزال أملنا الراهن وثروتنا الفكريّة بانتظار خلق فكرنا العربي من جديد… من دون أي تناقض بينه وبين الدين، أو بين العقل والإيمان، ولا سيما أن الإسلام كان أول دين سماوي يطرح العقل وسيلة لوصول الإنسان إلى ربه وإلى إنسانيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.