البعض اعتقد مما كتبت أمس، أننى أرفض أن يمارس الصوفيون حقوقهم السياسية، واستنكف نزولهم إلى ميدان التحرير، وكأنهم أقل من غيرهم، والحقيقة أن ما رصدته بالأمس كان متعلقا باللحظة والهدف، فالدعوة للمليونية الصوفية كان وراءها هدف «برجماتى» يتلخص فى تنظيم حشد مواز يجابه حشد السلفيين والتيارات الإسلامية. فكرة استدعاء الصوفيين نبتت فى الأساس، من الحاجة إلى عددهم، وليس من قناعة بحقهم فى ممارسة السياسة، لذلك جاءت الدعوة والتنظيم دون «عقل» يضبطها، أو رؤية لوضع الصوفيين ومستقبلهم فى العمل السياسى، خاصة مع إقدام بعض الطرق إلى الانضواء تحت راية حزب تحت التأسيس. لكن يبقى السؤال: هل دخول الطرق الصوفية بإطاراتها الحالية، أو فى سياق أحزاب ذات مرجعية دينية صوفية يمثل شكلا جديدا من أشكال الإسلام السياسى أم لا؟ الحقيقة أن رقعة الإسلام السياسى تتسع بهذا الشكل لتضم أطيافا متعددة، وهذا قد يكون فى صالح المجتمع ككل، مثلما يكون أى تنوع فى صالحه، وربما يقضى تدريجيا على الإفراط فى الاستخدام السياسى للنصوص الدينية، لأنه فى هذا الوقت لن يكون هناك طرف يحتكر هذه النصوص ويحسم بها جزءا من يقين المواطن، لكنك ربما تكون مساهما دون أن تدرى فى تحويل التنافس السياسى، إلى نزاع طائفى ومذهبى بين أكثر من فهم للشريعة الإسلامية، كل منهم يحاول أن يبنى مشروعا سياسيا على هذا الفهم، وخطورة ذلك أنك ربما تنقل الخلافات والاستهجانات المتبادلة بين الصوفيين والسلفيين مثلا، التى تصل أحيانا إلى حد «تكفير كل منهما للآخر» إلى منافسة سياسية تدخل هذه الحالة من التعريض بالإيمان فى قلبها وجوهرها. أنت عاجز على أن ترد السلفيين إلى مساجدهم، وتطلب منهم أن يمارسوا حقوقهم السياسية كأفراد، وليس ككتل منغلقة، تتمنى أن يكون مواطن سلفى عضوا فى حزب الوفد، وآخر عضوا فى حزب التجمع، وثالث فى حزب الكرامة، عن يقين بأن هذه الأحزاب المدنية وغيرها مهما كانت برامجها السياسية ورؤاها الاقتصادية والاجتماعية، ليست فى خصومة أبدا مع الدين كمكون ثقافى واجتماعى وتشريعى يخص المجتمع، وكإطار أخلاقى وعقيدى يخص الأفراد، لكنك أمام عجزك ذلك تستدعى الصوفيين ليمارسوا نفس الدور ويتحركوا كطرق وجماعات، فيما كان الأنسب للمجتمع، أن يتحولوا إلى رصيد اجتماعى وتصويتى للأحزاب كافة، وأن تتنافس هذه الأحزاب على هذه الكتلة دون احتكار، ودون صبغ الممارسة السياسية بصبغة دينية جديدة حتى لو كانت بهوى صوفى. الأخطر فى الأمر أنه إذا كان هناك مشروع إسلام سياسى تقليدى فقد استغرق وقتا طويلا فى الإنجاز والتجريب حتى وصلت بعض فصائله الرئيسية لدرجة الإيمان بالديمقراطية بشكل أو بآخر، فيما يضغط عليها المجتمع نحو مزيد من التحرر من حالة السمع والطاعة، وكذلك المشروعات الصوفية السياسية فى العالم وعلى رأسها تركيا تطورت فى سنوات، بينما فى مصر يجرى «سلق» مشروع وليد اللحظة وتحت ضغط الحاجة إلى الحشد لمواجهة العشم المقابل دينيا، دون فرصة كافية للنضوج، وهى معادلة صعبة ربما تنجح، لكن وارد جدا أن يفلت زمامها، لندخل مرحلة التناحر المذهبى إلى جانب السياسى، ناهيك أنه أيضا مشروع قائم على فكرة «المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله»، وهى ذات فكرة السمع والطاعة التى تكبح مبادرات الاجتهاد والإبداع عند غالبية الإسلاميين. الشروق