في أحد مسارح العمليات حضر مجندو الدفاع الشعبي إلى عمهم الصول.. المجاهدون جاءهم خروف هدية واحتاروا في كيفية نحره.. أخيراً استعانوا بالسيد المساعد.. بعد أن أنهى الضابط العجوز مهمته كان جزاؤه من الخروف المذبوح الرأس والجلد.. كلما هممت بالحديث عن تجربة الدفاع الشعبي في السودان قفزت في ذهني تلك الحكاية. الذاكرة تحملني لبرنامج ساحات الفداء.. الصبي الصغير أنور عبدالرحمن الشهير بعصفور الجنة يتقافز أمام الكاميرا.. أنور أنفق كل شيء في تجربة الدفاع الشعبي حتى الجامعة لم يكملها.. انتهى عصفور الجنة إلى حبيس في سجن كوبر.. عصفور الجنة يقضي حكماً طويلاً بعد إدانته في المحاولة التخريبية التي كشفتها السلطات السودانية قبل سنوات.. محمد آدم بخيت بعد سجل قتالي حافل انتهى به المطاف نائبا لرئيس حركة العدل والمساواة.. أمير المجاهدين كمال بشاشة اعتزل الإنقاذ وهاجر إلى ماليزيا. منسق الدفاع الشعبي عبدالله الجيلي كشف عن نيته إرسال لواء من الدفاع الشعبي إلى النيل الأزرق حتى لا تتكرر تجربة جنوب كردفان.. منسق الإعلام بالدفاع الشعبي وصف ما حدث في جنوب كردفان بهجمة صليبية شرسة. في وجهة غير بعيدة وصف مولانا أحمد هرون والي جنوب كردفان الحديث عن هيكلة جيش الحركة الشعبية بشمال السودان بإعلان حرب.. ثم مضى الوالي أحمد هرون محللاً الأوضاع متهما الحركة الشعبية بشمال السودان أنها تحاول إعادة سيناريو دارفور من جنوب كردفان. الدفاع الشعبي في السودان قدم خدمة جليلة في الحفاظ على دولة السودان.. وأنفق السودان نحو ثمانية عشر ألف شهيد من خيرة شباب الوطن.. ولكن كانت هنالك سلبيات في الاعتماد على مجموعات مدنية في القيام بأعمال عسكرية.. المؤسسات العسكرية دائما تحاول إعادة صياغة الأفراد المنتمين لها.. يصبح ولاؤهم الأول والأخير للجيش.. هذا ما فشلت فيه تجربة الدفاع الشعبي لأنها كانت تمارس العسكرية في فضول الوقت وعند الملمات. مثلا في دارفور كان يتم استنفار جماعي لقبيلة كاملة.. النتيجة أن القبيلة الأخرى التي تربطها علاقات عداء مع القبيلة التي لبت النداء تصبح تحت مرمى النار مباشرة.. الناظر من بعيد يحسب أن الحكومة تحارب قبيلة بعينها.. الحقيقة أن الاستراتيجيات قصيرة النظر كانت تنتج مثل هذه المآسي. ظلت قوات الدفاع الشعبي في نظر المعارضة مليشيا حكومية.. تستعين بها الحكومة وقت المحن.. أما المجتمع الدولي فينظر لها باعتبارها قوات أصولية تكبح بها الإنقاذ الأعداء بلا رحمة.. بهذا الفهم يحاول قادة قطاع الشمال الاحتفاظ بمليشايتهم العسكرية. مبررهم أن للحكومة جيشاً غير رسميّ في انتظار التعليمات. استغربت وفي هذا الوقت تحديداً لماذا تلوّح الحكومة بجيشها الشعبي.. المناخ العام لا يسمح بالشعارات العاطفية.. الإعلام يركز في ليبيا على كتائب القذافي.. وفي سوريا على شريحة البعث.. ولمصر من الحصة بلطجية.. في مثل هذا الوقت يجب إبراز المؤسسات العسكرية المجمع عليها وطنياً. يجب أن تقر الحكومة أن الدفاع الشعبي كان فقها اضطرارياً.. وأن البديل لهذه القوات الشعبية الطوعية يجب أن يكون مؤسسة عسكرية احترافية تمثل الدولة السودانية بكل تنوعها وتعددها .