قلت لمحدثي… انا اتابع بفرح غامر جميع الملفات الثقافية بالصحف السياسية.. قال لي غريبة ما لك ومال الملفات الثقافية؟. بل ما هي علاقة السياسة بالثقافة والادب والابداع والفن؟ ابديت له بالغ استنكاري واستغرابي.. ودخلت معه في مناقشة حادة اتمنى ان تتسع. والمناقشة كان اساسها ان السياسة في تعريفها الجوهري ليس انها لعبة قذرة وانما هي فن ادارة حياة الناس بما يرضيهم ويحفظ انسانيتهم.. وبذا فإن السياسي الذي يفتقر الى روح الابداع والفن بالضرورة يكون سياسيا فاشلا.. وفن ادارة حياة الناس يبدأ بالاحساس بهم او بعبارة اخرى الوعي بالاخرين هو مفتاح نجاح السياسي والمبدع والفنان. المبدع والاديب لا يصنع تاريخه الخاص بمعزل عن الظروف الموضوعية وقوانين الحياة.. من هنا فالبشر كلهم لا يصنعون تاريخهم الخاص الا تحت شروط معينة وفرضيات واقع ورثوه ولم يخلقوه، وبالضرورة لا يمكن ايجاد صيغة للعمل بالتجريد النظري وحده او بمعزل عن الظروف الموضوعية المحيطة بالبشر الذين لا يمكن صنع شيء بدونهم مهما كان الامر. ولذلك عندما تمر المجتمعات بظروف جديدة وغير عادية تضعها امام منعطفات تاريخية حاسمة تقف طلائع المبدعين وتمر بحالة تأمل تام امام الواقع الجديد ومحاولة هضمه والتعبير عنه لتحقيق التطلعات المشروعة للانسان. وامام المبدعين والادباء بالذات تتجسد او يجب ان تتجسد الخطوط العامة للعمل كطليعة فكرية تسهم مع الطلائع النضالية للعمل من أجل الغد الافضل. ولنختزل المسافات ولنقفز فوق كل اطنان الكلمات واكداس الكتب والنظريات التي تتحدث عن الادب والادباء بالطرق التقليدية العتيقة، والتي تلوك في استرخاء ممل نظريات «الادب للادب» او «الفن للفن» وحرية الاديب او المبدع المطلقة ومجافاة السياسة للادب.. و.. الخ، ما يدور في الاوساط والمجتمعات التي تعالج قضايا الحياة في تجزئة تخل بمسيرة الحياة نفسها. وتبقى حقيقة واحدة لا يمكن اغفالها وهي ان الاديب او المبدع وحده القادر على العطاء المؤثر في الآخرين يفعل ذلك عبر القصيدة والقصة والرواية والمقالة.. هو وحده الذي يستطيع ان يرى في الظلام ما لا يستطيع ان يراه غيره في النور. فبتطور الحياة واتقاد الوجدان الجماهيري اصبح التعبير الادبي والفني من انجح وسائل التغيير، فالمبدع هو نساج بارع لحياة وحياة الآخرين وليس مطرزا على نسيج الحياة. هذا هو سر اهتمامي ومتابعتي للملفات الثقافية فهي بداية لبلورة المداخل الثقافية والمعرفية والابداعية لتغيير الحياة الى الافضل.. فكل المتغيرات الكبرى في تاريخ البشرية بشرت ونادت بها اصوات ابداعية.. صدحت بالشعر وخطت القصة والرواية واللوحة.. والنغمة. نظر محدثي طويلا في الفضاء وقال لي في عدم اهتمام: انك تحرثين في البحر.. والاغاني الهابطة تملأ الآفاق. قلت له ولو فإن الثورة الثقافية والفكرية تغير كل هذا.. بشريطة ان تنطلق بحرية في التعبير والمعالجة. هذا مع تحياتي وشكري