عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيمن “الصياد"…اسم على مسمى!!
نشر في حريات يوم 01 - 09 - 2011

المكان كلية الطب…طنطا، مصر!! طالب الطب أيمن “الصياد” يعلق صحيفة حائطية بمسمى الناصرية، صنع منها ركنا للنقاش، ويقف بجوارها طول اليوم..يجذب الطلبة إليه للنقاش!! وهكذا بهذه الحيلة كان يكشف الاتجاه السياسي لطلبة الجامعة!! يحي شرباص الشيوعي الصلد، أحد أصدقائي، كان يضع عادة كرسيا في قلب ملعب الباسكيت، يقف عليه ثم يخطب الطلبة في العميل السادات!! كان يحي دوما نزيل لاظوغلي في ضيافة مباحث أمن الدولة. وحين نفتقده نعرف أنه مسجون، وفي أيام الامتحانات يحضرون يحي شرباص من السجن بمعية شرطي مربطا بالسلاسل زيادة في امتهانه وكعبرة للطلبة المصريين، يمتحن ثم يأخذونه للسجن!! أتخيل الآن أنهم أفادوه أكثر مما أضروه..لأنه أكمل كلية الطب من السجن، مذاكرة إجبارية!!
وفي أحد الأيام أتتنا رسالة شفهية من يحي السجين عبر زميل أفرج عنه توا، فحواها: خذوا حذركم..أيمن “الصياد” عميل لمباحث أمن الدولة..وهاجت الكلية وأنفضح أيمن وأختفى بعدها تماما!! وحين خرج يحي من السجن قص علينا القصة: عند أستجوابه بلاظوغلي، فتح له الضابط جهاز تسجيل بصوته وأسمعه مقاطع من كلامه..فأخذت أضرب “قورتي” فين فين فين يا يحي قلت الكلام ده!! طلع أن أيمن مرة أخدني للغدا لتكملة نقاش في نادى طنطا وغداني “أسكالوب” في الهواء الطلق، وكان معاه هاند باك صغير فيه مسجل!! قبل خروج يحي، أختفى أيمن!!
وطبقا للقول: ربما ضارة نافعة!! ترك أيمن طنطا وسجل نفسه بكلية الإعلام التلفزيوني بالقاهرة، ليعد نفسه لمسرح اكبر من مسرح طنطا، لقد تم تأهيله أمنيا ليكون خبيرا في الإعلام التلفزيوني على مسرح دول الخليج العربية هذه المرة، فسهل له زبانية الحزب الوطني وأمنه كأن يصبح مراسلا لمجلة “مجلتي” السعودية وهو طالب بكلية الإعلام، ثم أنفتحت أبواب مؤسسة الإهرام وغيرها له..وأخترق أيمن حتى مؤسسة محمد حسنين هيكل، وبالطبع وصل نشاطه حتى قناة الجزيرة!! ولا نشك أنه لعب عميلا مزدوجا يزكي لأهل الخليج الصحفيين “المراسلين” المصريين ثم يمد جهاز مباحث أمن الدولة المصري بمعلومات ثرية عن عالم الصحافة السفلي!!
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%8A%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AF
في فترتنا الطلابية بمصر، كان هنالك عشرات المئات من الطلبة الإسلاميين من لعب دور أيمن الصياد. لقد كان جهاز أمن النميري متحالفا مع مباحث أمن الدولة المصرية – والإسلاميون وطلبتهم تحالفوا مع نظام مايو. وبالطبع كان الطلاب السودانيون الديموقراطيون هم مادة الاضطهاد السياسي الرئيسية للجهازين – وليس هنالك أفضل من الشيوعي سابقا المايوي وقتها محمد سعيد معروف كأن يدير تلك المعركة ضد الشيوعيين يدعمه الطلبة الإسلاميون للدفاع عن نظام أمير المؤمنين جعفر النميري. محمد سعيد معروف كان ناظري بمدرسة بحري الثانوية الحكومية – مكثت فيها سنة واحدة، وكان لنا صحيفة حائطية بالمدرسة، أذكر أنه أستدعاني إلى مكتبه بسبب مقالة لي نسيتها!! وحين أنتقلت لمصر لدراسة الطب، بعث محمد سعيد معروف كقنصل ثقافي – فهو يعرفني جيدا وكنا نحتقره بأدب!! ومع فقرنا كطلاب، رفضنا عرضا مغريا من سفارة محمد سعيد معروف، فحواه: من يوقع على وريقة يتعهد العمل بالسلاح الطبي بعد تخرجه يحصل على راتب شهري 75 جنيها مصريا وهو طالب طب!! إغراء ما بعده إغراء!! كان مبلغا ضخما، رفضنا العرض وعملنا حملة لتوعية طلاب الطب كأن يرفضوا!! الشيء المدهش في جيلنا أن طلبة وخريجي كليات الطب هم الذين أسقطوا نظام جعفر النميري، لذا يلقى الأطباء اليوم الاضطهاد وسوء المعاملة ولولا الحاجة لهم لأبيدوا كما أبيدت نقابة عمال السكة الحديد بإلغاء مرفقهم بكامله، ولعل الترخيص للمستشفيات والمستوصفات الخاصة هو في هذا الاتجاه!! وأتذكر أن محمد سعيد معروف أيضا أخرج من قنصليته مجلة اسمها “الثقافي” – والإسم مشتق من الوظيفة أي الملحق الثقافي تطبعها له مؤسسة الإهرام، وترأس تحريرها بنفسه ولم يجد من يساعده من الطلبة إلا قليلا..بعضهم الآن صحفيون كبار!!
أحد التحليلات السياسية التي كنا نفهما وقتها كطلاب بمصر، أن الشريحة الطلابية شريحة متذبذبة، ولا تأخذ أفكار الطالب حالة الثبات في اتجاه ما إلا بعد أن يأخذ موقعه من علاقات الإنتاج. ولكن الإشكالية لم تكن في ظاهرة الذبذبة وحدها فحسب، وقد تحققت صحة الظاهرة حين هرول المناضلون للعمل في السعودية فور تخرجهم – القروووش، بل يوجد في العالم العربي إشكال خفي وأفدح ضررا!! الإشكالية، وفي تقديري هي إشكالية متجددة – هكذا فهمتها لاحقا أو متأخرا، أن جيلنا السابق سقط في خدعة إمبراطورية صدام حسين الإعلامية، وكانت مرتكزاتها في بعض العواصم: بغداد، بيروت، باريس، لندن، قبرص الخ ومن هذه العواصم تخرج الإصدارات الإيديولوجية من مجلات فاخرة تمجد الثمانية عشرة بطنا قرشيا وتجعلهم صنما عربيا للعبادة (مجموع البطون حوالي العشرين إذا أضفت بني هاشم وبني عبد المطلب)، ولا تعجب من لفظة صنم فالإيديولوجية ideology هي مشتقة من الجذر idol وتعني الصنم. وبعد أن غدر عرب قريش بصدام حسين ونظامه، ورثت دول الخليج مع سبق الإصرار والترصد إمبراطورية صدام الإعلامية بالكامل، فكانت هجرة الصحفيين القوميين أغرب هجرة في التاريخ المعاصر!! وإذا أعتبرنا الذبذبة حكرا للطلاب بالأصالة لكونهم خارج علاقات الإنتاج ولا جناح عليهم، يصبح تذبذب الصحفيين القوميين لا تفسير له سوى الانتهازية المهنية – وجزءًا أصيلا من الخدعة الإعلامية!!
أحد همومي في الكتابة، هي ألا تسقط الأجيال السودانية اللاحقة لنا في شباك الخدع الإقليمية عبر نصب شبكات الإمبراطوريات الإعلامية المصنوعة بخفية، لأنهم لا يسرقون فقط عقل الجيل بل أيضا أعمارهم- أي الشباب!! فعصرنا الإعلامي الحالي اليوم هو عصر ابن تيمية – يلعب المخادعون على وتره.
ولكن أحد أخطر الشبكات الإعلامية وأكبرها هي الإمبراطورية الإعلامية الأموية وعمرها أربعة عشرة قرنا، ترضعك هذه الشبكة الأكاذيب الأموية مع حليب الرضاعة، ومع بداية السابعة يتم تحصينك ببعض اللقاحات الجينية DNA Vaccines. اليوم كنت أبحث في حديثين نبويين هم من المشاهير، حديث معاذ ابن جبل حين أرسله النبي (ًص) إلى اليمن وسأله كيف تقضي، وحديث الآحاد لعمرو بن العاص: إذا حكم الحاكم وأجتهد فأصاب فله أجران، وإذا..الخ. أجزم معظم علماء السنة والشيعة أنهما حديثان موضوعان لتشييد ملك معاوية على أعمدة القياس الظني ولتبرير أخطائه وموبقاته – بل أجزم “الدكتور” محمد بن حزم الظاهري على أنهما من مناكير اللقاحات!! بالله، كيف يلقحوننا بهما في المدرسة الابتدائية؟؟ كيف يصح ذلك؟؟ وهذا السؤال أيضا موجه للذين على شفا حفرة من القبر ويدعون أنهم مخلصون للدرب، وفي أحسن الحالات مخلصون للفكرة المركزية وللمبادئ العامة وللاتجاه الأساسي..ويدعون أن القاسم المشترك الأعظم الذي يبقى هو العاطفة السياسية. مخلصون للدرب وللفكرة وللاتجاه الأساسي.هذه نشك فيها، أما أن تبقى تلك العاطفة السياسية ربما نعم، طالما تدفع ولاية الخرطوم للمخلصين السياسيين سابقا بتوقيت جرينتش وليس بتوقيت الخرطوم خمسمائة جنيه (بالجديد) في مقالة ركيكة بمجلة ولائية شهرية تسمى: الخرطوم الجديدة!!
تلك الفورة الإسلامية السودانية القديمة هبطت الآن ليس لأن الإنقاذ أنقسمت إلى نصفين أو غرقت في مستنقع الفساد لا سمح الله، لا..لأسباب أخرى!! بل هبطت الفورة الإسلامية بسبب الثورة الإيرانية التي بفضلها فُتِحَت الكتب والمصادر والبحوث الإسلامية على مصراعيها، وبالطبع بفضل ثورة المعلومات والأنترنيت. ليس هنالك مصدر إسلامي أو بحوث إسلامية ترغبها أنت ولا تجدها في الأنترنيت!!
عبر هاتين الثورتين أرتجف حرس الإيديولوجية الأموية في نجد، أضطروا بلع أكاذيبهم الأولى بكفر الشيعة والخميني وحقد القومية الفارسية – لأن التشيع لآل البيت أزداد في العالم السني بدلا من أن ينقص!! فلجاوا إلى شعارات كاذبة أخرى مثل سب الصحابة الخ. ولكن الأهم أهتزت عبر هاتين الثورتين عناوين ومفاصل كثيرة في الأيديولوجية، مثل تضخيم السلف لحروب الردة، وحادثة الإفك وقد تبين وسط الركام والأتربة التاريخية أنها في مارية القبطية وليست في السيدة عائشة، ووضح ضعف رواية مصاحبة أبي بكر للنبي (ص) في الغار – بل تأكدت، ولم تكن للنبي (ص) من البنات سوى فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد انهارت كذبة كفر أبي طالب وآباء النبي (ص) والكثير الكثير – هذا هي الأسباب التي أدت إلى هبوط الفورة الإسلامية – لقد تقلصت الثقة في النفوس وتقلص ذلك الغرور الأجوف للذات – لقد كانت صدمة نفسية!!
وعموما، كانت الإشكالية التي لم يدركها الإسلاميون السودانيون قبل ثلاثة عقود أو أربعة هي نسبية الثقافة الدينية، وقد أنطبق على الإسلاميين وقتها قول تلميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام هشام ابن الحكم (ت 174ه): “أول شغب الرجل تعلقه بالألفاظ!!”…ونقول..أي التعلق بها بشكل أجوف!! وبسبب نقص المصادر وقلة الإطلاع والفهم تقمص وقتها الإسلاميون دور الخلافة الراشدة (!) والملوك واستغرقوا أنفسهم في عناوين الإيديولوجية الأموية دون التعمق فيها – هذه الأيديولوجية الأموية أسسها عمر ابن الخطاب، وهذه النقطة لا يدركها جل أو معظم جمهور المسلمين السنة!! وطبقا للتعبد بالألفاظ، حكموا مثلا على المفكر الراحل الشهيد محمود محمد طه بالردة فاغتالوه حقا بجهل، ولم يقتله سوى تعلقهم وتعبدهم بالألفاظ التاريخية التي أفرزتها حروب الردة ولم تكن في أغلبها حقا سوى رفض بعض القبائل خلافة أبي بكر الذي قرر قتالهم!! ولتبرير خلافة أبي بكر وقتال مخالفيه، ألف السلف مقولات مثل أن المرتد يقتل وزقت في السنة النبوية إلى حد الشغب – لم يفهم الإسلاميون كذلك أن السنة النبوية ليست هي بالضرورة الشريعة!! ما يسمى بالشريعة اصطلاحا فقهيا هي محصلة السنة النبوية بعد حشوها بفتاوى وشروحات وحواشي فقهاء الخلاقة والسلاطين – كذلك لم يقبل الإسلاميون المتعطشين للسلطة كأن ينافسهم الحزب الجمهوري على السلطة – فالمنشور الجمهوري “هذا أو الطوفان” الذي أعدم بسببه الشهيد محمود محمد طه، يعتبر اليوم من التنبؤات الملهمة لما سيحدث في السودان، ومتقدما جدا على ما نقرأه ويكتبه السلفيون والسروريون وأشباههم الأخوان المسلمين من سفاسف عن قضية الجنوب.
وكما يطلقون على الشيعة وابلا من الأكاذيب والافتراءات، أطلقوا على الشهيد محمود محمد طه الكثير من الكذبات والافتراءات الواضحة مثل تركه للصلاة وأن الشيطان يجلس على يمينه..الخ!!
كذلك يقول لي حدسي السياسي أن اغتيال الشهيد محمود محمد طه تم بإيعاز خفي من قبل النظام السياسي لدول الخليج لتمهيد المسرح السوداني للسلفية القادمة على أجنحة التصدير، وبما أن الجمهوريين حاكوا الشيعة في دراسة التراث الإسلامي بشكل مفتوح والخروج على الأيديولوجية السلفية الأموية، لم يدرك الجمهوريون أن أحد الأسرار الخفية للسلفية أنها لا تقبل ولا تسمح بالبحوث الإسلامية خارج دائرتها السلفية!!
لذا على الجمهوريين ألا يتوقفوا كثيرا عند الكباشي طه المكاشفي أو النيل أبو قرون وهما قطعا لم يتحولا إلى المذهب الشيعي، فهذه دعاية مثلها ومثل الدعاية التي أطلقوها أن الضحية الصحفي محمد طه محمد حمد رحمه الله شيعي، لقد أجزم الصحفي محمد طه قبل وفاته بقليل في حوار صحفي للصحفيين ضياء الدين بلال والطاهر حسن التوم أنه ليس شيعيا. ولقد أكد لي شقيقه معتصم شخصيا أنه ليس بشيعي، بل مدير التحرير عوض التوم قال لي ما نصه حرفيا: ما كان شيعي وأنو نحن حنكتب مقالات في الموضوع ده أنو ما شيعي!! ولكن عوض التوم لم يفعل، ونرجوه أن يفعل!! ونقول: لعل أسرة المرحوم فضلت أن تستمر دعاية كونه شيعي للتغطية على جريمة أكبر!! والجواب على السؤال التالي يوضح المستور: لماذا تم ذبحه بهذا الأسلوب البشع؟
أولا لقد قرأت المقالة التي تسيء لنساء دارفور قبل أسبوعين فقط وهي مقالة فعلا حقيرة، كتبها شخص يدعى آدم محمد أحمد من مناسيب الدفاع الشعبي، ولا ندري هل هذا الاسم وهمي أم حقيقي؟ عموما لا ندري، ولكن ما أتى في علمي عبر صحفيين أثق فيهم، أن مجموعة من أهل دارفور أقاموا دعوى قضائية ضد المرحوم وصحيفته، ويمكنني تخيل العديد من المواد الجنائية والشرعية التي كانت ستسقط على رأس صاحب الصحيفة والصحيفة نفسها، الشيء الغريب، والكلام للصحفيين، فايل الدعوى لهذه القضية فرملته وعطلته تماما جهات عليا!! هنا، حدث ما لم يُتوقَّع…قرر أبناء دارفور تنفيذ العدالة بأنفسهم. خطفوا المرحوم وعملوا له محاكمة شرعية وقرروا إعدامه ذبحا!! لو أخذت العدالة مجراها، ولو لم تفرمل جهات عليا فايل القضية لربما لم يقتل الصحفي محمد طه محمد أحمد. لذا نسأل من الذي لديه الدافع لكي يطلق على المرحوم بأنه شيعي – وذبح لأنه شيعي؟؟ السلفيون وحكومة السودان التي عطلت مجرى العدالة..لا غيرهما!!
عموما نقول للجمهوريين، بدلا من التركيز على شخصيتي المكاشفي والنيل عليهم التركيز على فضح السلفية الحشوية!! هاتان الشخصيتان وغيرهما قد يفشلون أن يفهموا طبيعة عصرهم. كثير من الأدباء، والمفكرين ومثلهم رجال الدين لا يفهمون أن أفكارهم ليست في الواقع أفكارهم، بل يمليها عليهم العصر – أي العقدية التاريخية التي ينمون داخلها، وتقع المسؤولية التاريخية على من يصنع التاريخ، وفي هذه الحالة نشير إلى تلك الإمبراطوريات الإعلامية الخليجية، ومنظمات الدعوة (السلفية) الإسلامية المصدرة من دول الخليج، والسيطرة على المقروء عبر السيطرة على دور النشر في لبنان الخ. مقالتي السابقة عن النيل أبي قرون ليست دفاعا عن شخصه أو معتقداته – وأجزم أنه ليس شيعيا بل صوفي يعتقد في نفسه قطبا من الأقطاب – بل دفاعا عن حق التفكير الحر، ولقد ابرزوا أوراق عمرها عشرة سنوات، القصد منها ليس النيل، بل التمهيد لمرحلة تالية لتقليص الحريات بشكل عام – يسمونها الجمهورية الثانية!!
كل هذه النقاط مجتمعة لا تعفي الرعيل الإسلامي التاريخي بقيادة الشيخ حسن الترابي من الإجابة على كثير من الأسئلة، مثل ما هو موقفه بالدقة من السلفية بل بصريح العبارة؟ وما رأيه في السلفية السرورية التي هي نسخة من القاعدة الجهادية التكفيرية؟ وما رأيه في قول تلميذ ابن باز محمد صالح ابن عثيمين: أن المذاهب السنية الأشعرية لا تدين بدين الأنبياء!! فهل بعد تكفير كل السودانيون هل نسمح بهذه السلفية الحشوية التكفيرية الغريبة عن السودانيين أن تمرح في السودان – أم يجب محاربتها ولفظها؟! وطالما ورطنا الشيخ الترابي كأن ينتهي اجتهاده الإسلامي بانقلابه على الديموقراطية، فماذا هو فاعل لكي يرد للشعب السوداني ديموقراطيته المسلوبة؟
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.