لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي والتوهان في طريق معالم الإحياء الإسلامي (3-X) صعود الإسلاميين وإنفاق السعودية 74 مليار دولارا 1974-2000م

بادئ ذي بدء أشير إلى أحد المعلقين لمقالي السابق. كتب بفصاحة تعليقا على قولي "ما مقالتي هذه إلا...الخ"، هكذا: ("وما مقالتي هذه إلا حجرا صغيرا في مجرى النهر"... بس وصلت مشكور). لم ينتبه المعلق الذي يخجل من ذكر اسمه أن الحجر ولو كان صغيرا حين تقذفه في النهر يصنع تيارا في شكل دوائر تنطلق من مركز واحد، وكلنا يعلم إذا قذف كل فرد من أفراد الشعب حجرا صغير صارت الحجارة جبلا ربما تُغيِّر من مجرى النهر، وقد يفيض فيملأ جانبي الوادي. بينما قطعة الفلين خفيفة العقل، تطفوا إلى ما لانهاية كيفما يسحبها التيار!!
صعود الإسلاميين:
عندما تحدث الطبيب غازي عن "الانتخابات" تفادى استعمال لفظة "الحرية" و "الديمقراطية" مطلقا، ومال إلى استخدام تعبير "صعود الإسلاميين" وأيضا "صعود التيار الإسلامي" ولم يأتي بلفظتي الحرية والديمقراطية إلا في آخر بحثه كنصيحة عابرة تاريخية من مشفق، مختتما ورقته بنصيحة هكذا "وأخيرا، حري بالحركات الإسلامية.."، وشبح فشل التجربة السودانية ماثل في كلماته، يرمز ولا يصرح. لو كان الطبيب غازي يمتلك الشجاعة لصرح بفشل التجربة الإسلامية الذي هو ليس جزءا منها فحسب، بل هو أحد مشاكلها. فلقد أعترف الدكتور بهاء حنفي وحيش بشجاعة الحلفاويين وشفافيتهم وكان صادقا بلا مواربة حين قال: "لو استقبلت ما مضى من أيامي لما وقعت على مذكرة العشرة!!". ولكن هي طبيعة غازي صلاح الدين العتباني الذي يفضل اللون الرمادي ولا يفضل اللفظ المباشر. الأهم في تقديرنا إنه لم يتطرق إلى مفهوم الدولة – خاصة مع فساد الدولة القائمة الذي هو ركن مؤسس فيها، وكأن يعيد السؤال: "ما هي الدولة". ففي مقالنا السابق عن الدكتور حسن مكي طرحنا سؤال الدكتور العروي وقد كرره محمد جابر الأنصاري: "هل يمكن بناء ديمقراطية راسخة قبل ترسيخ دولة (مكتملة النمو)؟
كان حري بالطبيب غازي أن يتمحور في ورقته حول مفاهيم عبد الله العروي الثلاثة، ولو فعل لأفاد الساحة السياسية والإسلاميين. تدور هذه المفاهيم حول الأسئلة المشروعة والهامة كما طرحها المفكر الدكتور عبد الله العروي في ثلاثة كتب، وهذه المفهومات هي: مفهوم الحرية، ومفهوم الدولة ومفهوم الإيديولوجية، مثل: هل يمكن أن تقوم ديمقراطية حقيقية في دولة غير مكتملة البنيان؟ أو في "سلطنة" كدول الخليج؟ فالعروي يفرق في مفهوماته ما بين "الدولة" الحديثة و"السلطنة" التي لم يتجاوزها العرب والمسلمين قط. قال أحد المحللين لفكر الدكتور العروي مكررا بعض مقولاته الهامة: فمن وجهة نظر العروي فإن كل حرية خارج الدولة هي طوبى مخادعة، وما أكثر الطوباويات وأن الدولة بلا حرية ضعيفة متداعية. كانت وجهة نظر العروي أن المفكرين العرب لا يهتمون بالدولة القائمة أي الدولة القطرية المضحى بها على مذبح عروبة شمولية وطوباوية ولا يرون فائدة في البحث عن السؤال: «ما الدولة»؟
وبالاستلاف، هكذا يمكن تصور سقوط الإسلاميين في نفس الخطيئة التي سقط فيها القوميون حين "لن يهتموا بالدولة القائمة على مذبح شعارات اسلاموية شمولية وطوباوية"، وفي هذه الأيام يحلم الإسلاميون بتوحيد مصر وليبيا والسودان إسلاميا – وأرجوا ألا يكون من أجل تلك "الخلافة الإسلامية" البائدة. الشيء الغريب سيقوم بهذه المهمة المشير طنطاوي حين يزور إذا زار هذه البلاد الثلاثة!! هكذا بدأت الأخبار بتلميحات، ولا أدري هل يصدق خبر الزيارة أم لا.
عقدة الإسلاميين الكؤدة:
بدأ الطبيب غازي بحثه عن صعود الإسلاميين بتذكيرنا إن صعود الإسلاميين عبر الانتخابات لم يكن جديدا عليهم، وخلص على حسب قوله..إلى أنه لا فضل هناك للربيع العربي، فهم أي الإسلاميون ديمقراطيون طبقا لزعمه حتى النخاع. هكذا أصابنا الوهم.
ما لم يذكره الدكتور غازي وربما لا يدركه حقا، أن الإسلاميين الحركيين ليسوا ديمقراطيين بالضرورة الحتمية أي by default or by necessity. كذلك لا تفهم القوى الديمقراطية الحديثة السنية (الحركيين واللاحركيين) لماذا هؤلاء "الإسلاميون الحركيين" ليسوا ديمقراطيين بالضرورة الحتمية والتاريخية.
لقد نما الإسلاميون الحركيين وتصعدوا داخل "رحم ديمقراطي ليبرالي" في كل البلدان العربية كلا على حسب شروط نمو الحركة السياسية الوطنية والشعبية فيه، فماذا فعلوا بهذا الرحم الذي حضنهم؟
فمثلا اليمن وحتى عام 1961م كان السائد فيه ملكية متخلفة ولم تكن فيه أحزاب مطلقا إلا تلك التي كانت تكافح سرا ضد البريطانيين – القوميون والشيوعيون. مقارنة باليمن تعتبر ظاهرة الأحزاب في مصر قديمة وتعود جذور الديمقراطية الليبرالية فيها إلى مطلع القرن العشرين..ودواليك!! فماذا كان حكم الإسلاميين الحركيين على الديمقراطية والنظام الانتخابي في كل بلد عربي بذر فيه آل سعود بذرتهم التكفيرية؟ لقد كفروا كلا منهما. ومن طرائف الانتخابات في مصر حين حاضر لطفي السيد في إحدى القرى المصرية عام 1919م على إنه "ديمقراطي"..فأتى مرشح آخر منافس وأفسد عليه حين قال لنفس الفلاحين بخفية أن "ديمقراطي" تعني شيوعي!! فحجبوا عن لطفي السيد أصواتهم وسقط في الدائرة الانتخابية.
هذا التكفير للديمقراطية أو للبرلمان من قبل الإسلاميين يرجع لأسباب سياسية بحتة وليست لأسباب شرعية أو دواعي دينية، ولم يكن إلا بتحريض من آل سعود!! ورغم كل محاولات الإسلاميين الحركيين الفكرية في تسفيه الديمقراطية بأدوات دينية أي بنصوص قرآنية أو حديثية لكنها جميعها محاولات مفتعلة وهشة لا تصمد أمام النقد. لم يفهم الإسلاميون الحركيين أن تكفير الديمقراطية مرجعه سعودي بحكم تناقض المصالح. فليس في مصلحة آل سعود أن تقوم ديمقراطية أو حكم يستند على الشورى الجامعة في بلادهم أو في البلاد العربية. هذا التناقض قائم إلى اليوم..ولكن هل يستطيع آل سعود وقف التقدم الهائل في العالم والتحول المذهل الذي أصاب وعي الشعوب عبر ثورة المعلوماتية؟ أو سد نور الشمس بغربال؟
لذا في طوال التاريخ العربي المعاصر سفهت الحركات الإسلامية في العالم العربي الديمقراطية بغباء وطيش دون أن تفهم لماذا، بينما كان العالمون ببواطن الأمور أي القيادات المقربة لآل سعود يفهمون التسفيه لصالح نظرية "أهل الحل والعقد". لذا يقول بعضهم بشكل غامض أن الديمقراطية الغربية ليست شبيهة بالديمقراطية الإسلامية – ويعنون ضمنيا لا تصريحا نظرية "أهل الحل والعقد". وبالتعمق في مغزى عبارة "أهل الحل والعقد" تجدهم يقصدون أن "الشعب" أو مجموعه ليس بمستطاعه أو ليس بقادر أن يعرف حدود الشريعة، أو كأن يستنبط الأحكام الشرعية. فلفظة "الشعب" كمصطلح سياسي حديث يقابلها في كتب ومصادر التراث الإسلامي السني "العامة" أو "العوام" – وهي لفظة ذات دلالة سلبية وتعني الغوعاء والجهلة الخ. لذا يسخر علماء الشيعة من علماء السنة فيصفونهم بعلماء العوام – وهذه تغيظ سعد أحمد سعد بصحيفة الإنتباهة، وأمين صندوق دعم تطبيق الشريعة بهيئة علماء السودان. نقول له مفسرين، أن علماء الشيعة لم يخترعوا شيء والصقوه في علماء السنة، بل على الكاتب الغيور سعد احمد سعد أن يراجع المصادر السنية المعتبرة، فمثلا الطبري ت 310ه يشير في تاريخه الكبير إلى مناظرة محمد بن أبي بكر ومعاوية ويعتذر عن ذكرها، وكتب: عدم احتمال العامة لسماع ما فيهما!! وكذلك فعل ابن الأثير الجزري ت 630ه وأعتذر بالعذر نفسه، جاء بعدهما ابن كثير ت 774ه لم يذكرها في تاريخه وقال: (وفيه غلظة).
لقد وضحت الآن القضية قليلا لماذا الإسلاميون الحركيين ليسوا ديمقراطيين بالضرورة. عند مقارنة تواريخ الوفاة أعلاه نكتشف أن كتاب السيرة والتاريخ والمفسرون الخ من جيل لآخر، ومن قرن لآخر تعاهدوا التستر على الحقائق. هذه السُنَّة أي سُنَّة الكتمان عملوا بها قديما وإلى اليوم. لذا تتناقض هذه السُنََّة القديمة بالضرورة مع شعار الديمقراطية والحريات الليبرالية، وهنا لا نعني كما رغبوا تضليل عقول "العامة" حين فسروا الحريات الليبرالية بشرب الخمر حصرا الخ، بل نقصد تتناقض الحريات الليبرالية مع سُنَّة غلق كتب التراث. فالديمقراطية أو الليبرالية هي التي تتيح لأي مواطن متعلم ومتخصص فتح الكتب التراثية ودراساتها دراسة علمية – لذا الحرية الليبرالية هي من الممنوعات في القاموس السني العربي. وقد لا يسمح حتى للمتخصصين في التاريخ أو الشريعة دراسة كتب التراث دراسة علمية مستقلة عن الموروث.
لذا نقول بالفم المليان..إن كتب التراث السني ليس ممنوعا دراستها فحسب، بل هي أيضا مغلقة عن الجمهور السني بحيل وخدع كثيرة لا نذكرها خوفا من الإطالة، إحدى هذه الحيل إنها لا تطبع طبعات شعبية. ولكن لماذا هي مغلقة وماذا يعني قول الطبري: عدم احتمال العامة سماع ما فيهما!! ويقصد الرسالتين المتبادلتين. ما هو الشيء المخيف فيهما؟ لقد أعترف معاوية في رده على محمد بن أبي بكر أن الخلافة هي من حق الإمام علي، وقال له فيها أن (أبيك) أبا بكر وفاروقه (اللفظ لمعاوية) هما أول من اعتديا على حق أبن أبي طالب وخلعا منه الخلافة!!
قد يعتقد بعض القراء أن هذه الأمثلة أعلاه هي فريدة في نوعها وزمنها، أو قليلة العدد، ولكننا نجزم له أن كل ما هو "معلن" والمسموح به من مفاصل التراث السني هو منحول ومركب تركيبا مصطنعا لتأسيس وتأصيل "الأيديولوجية الأموية" من جيل لآخر في مصلحة السلطة السياسية الحاكمة في كل عصر، لإقصاء أئمة وعلماء أهل البيت وشيعتهم. ويتركز عادة الهجوم السني سياسيا بأسلوب ديماجوجي طفولي على "جمهور الشيعة" دون علمائهم أو أئمتهم، ثم لا يجالس علماء السنة علماء الشيعة حتى لا يضطروا فتح "الكتب السنية" وينكشف المستور. هذا كله يعزى للخوف من أن ينحاز جمهور السنة لأئمة وعلماء أهل البيت!! ولكي لا يسقط القارئ في سوء الفهم، نقول له أن كل الحجج الشيعية موجودة في الكتب السنية، وهي كتب ومصادر عظيمة بلا شك وهي جزء لا ينفصل من التراث الإسلامي، ولكنها تحتاج إلى دراسة وبحوث، فضلا عن ندرة وجودها لأن آل سعود يتعمدون عبر السيطرة الإقليمية ألا تطبع عن عمد، كالسيطرة على دور النشر في لبنان الخ. وفي هذه الوضعية التاريخية الشائكة، لابد أن تكون هنالك واسطة ما بين الجمهور السني وكتب التراث الإسلامي السنية، وتتمثل عادة في شيوخ الدولة المصنوعين، وفي ماذا يقول أئمة المساجد وما لا يجوز قوله، والسيطرة على الدعاة والصحف والمدارس، وحديثا أصبح رجل الدين "التلفزيوني" هو المعبر و"المترجم" للتراث السني..!!
ولنضرب هنا بعض الأمثلة، حتى نثبت أن الحركات الإسلامية (المذهب السني) هي ليست ديمقراطية بالضرورة. أولها حادثة كتاب: أصول الحكم في الإسلام، للشيخ الأزهري المصري علي عبد الرازق. هذا الكتاب كتب في عام 1925م وبسببه ذبح شيوخ الأزهر وقتها صاحبه حين سحبوا منه "الشهادة العالمية"..أي سحبوا أهليته الأزهرية عقابا له، وقامت ضجة كبيرة حول الكتاب وصاحبه. هذا الكتاب لم يطبع منذ صدوره عام 1925م، ولكن بفضل الانترنيت يمكنك الآن الحصول عليه مجانا. وبلا شك دفع حكام الخليج مبلغا محترما من المال لمحمد عمارة – كما كانت تدفع السعودية للعقاد ولخالد محمد خالد الخ- لكي يؤلف كتابا يسفه كتاب الشيخ علي عبد الرازق، فسمى محمد عمارة كتابه أيضا أصول الحكم في الإسلام. محمد عمارة مدلس ومدعي كبير!!
أما المثال الثاني فهو طريف، يتعلق بأبي هريرة، فالشيخ والعلامة الإسلامي محمود أبو رية، تخصص في تاريخ علم الحديث وقد مدحه عميد الأدب طه حسين، خرج العديد من الكنب مثل: أضواء على السنة المحمدية، وأحاديث أم المؤمنين عائشة، وابو هريرة شيخ المضيرة.. والأخير هو مقصدنا، فقبل سنة وقبل الثورة المصرية بقليل أفردت بعض الصحف المصرية مقالات حول كتاب: أبو هريرة شيخ المضيرة، لمحمود أبي رية، وبالرغم أن المقالات تحكي حقائق من المصادر السنية، لكن هذا لم يعجب رجال الأزهر، ثم لا يستطيعون أن ينكروها..ولا يستطيعون أن يمنعوها قانونيا عبر القضاء المصري، فلجئوا إلى محمد حسني مبارك لكي يوقف هذه الصحف عند حدها...لأن أبا هريرة له حصانة تاريخية..!!
عند هذه النقطة نصل إلى نهاية تفسير قولنا "عدم ديمقراطية الحركات الإسلامية بالضرورة"، ولقد ذكرنا سابقا التدخل السياسي السعودي للتحريض على تكفير الديمقراطية، يصبح هذان العاملان عقبة كؤدة لمستقبل الدول العربية، حين تصعد الإسلاميون لسدة الحكم.
وتواصلا مع الطبيب غازي، نعيد الكرة، أن تاريخ الحركات الإسلامية الحركية (وبالتحديد نقصد الأخوان المسلمين) طوال ثمانية عقود هو تاريخ مشاققة ومشاكسة للنظم الديمقراطية الليبرالية كائنا من كان من نظام عربي أو أفريقي أو أوروبي – لقد دخلوا مثلا البوسنية في محنتها عام 1991م فصنعوا فيها الكثير من المحن والفتن الدينية والسياسية التي لا تخطر على بال أي مسلم، فتم طرد جميعهم منها..وسحبت منهم لجنسيات عبر الزواج من بوسنيات!! وفي السودان شاغبوا الديمقراطية منذ 1964م حتى وأدوها في عام 1969م، وحين يقرأ الباحث الوثائق الرسمية للإدارات الأمريكية التي أفرج عنها ما بين النظام السعودي (الملك فيصل) وإدارة كينيدي وجونسون في الفترة 1960-1975م، يلاحظ في المراسلات السعودية الرسمية إنها ألقت بثقلها على محاربة الشيوعية بشكل مفرط أثار غرابة الإدارة الأمريكية نفسها، ولم تكن هذه الشيوعية سوى "جمال عبد الناصر"..!! ولا تسأل كم دفع الملك فيصل في تلك الفترة للصادق المهدي أو للشيخ الترابي لمحاربة الشيوعية وقتها في السودان ومن ثم لكي "يطردوا" عبر التصويت وإسقاط العضوية الإحدى عشرة عضوا في البرلمان – فحدثت تلك الأزمة الدستورية الخ وتعطلت العباد والبلاد!! المجرم الحقيقي هو الملك فيصل.
فإذن هي لعبة الأموال السعودية دائما وأبدا. وإذا افترضنا ازدياد العضوية المنتسبة للحركة الإسلامية السودانية منذ 1964م فالزيادة هي عبر الهياج اللفظي والخطاب السمعي الديماجوجي، وكما فهمنا في الفقرة السابقة لم تكن ولن تكون أبدا عبر فتح الكتب والمصادر والبحوث الجادة، وكما قالت الأستاذة هويدا صلاح الدين العتباني لم يصنع الشيخ الترابي سوى بالون إسلامي. ما أن أستلم الإسلاميون السلطة حتى تساقطوا مثل خرط القتاد. وهذه نتيجة منطقية للخواء الفكري والعقائدي.
لا يمكن مقارنة الحركات الإسلامية في الجزائر، وتركيا، وفلسطين بالحركة الإسلامية السودانية، فلكل منها ظروفها الموضوعية وثقافتها وتطورها الخاص انعكاسا للمكون المحلي التاريخي الذي يختلف من دولة لأخرى. فمثلا المكون المغربي (شمال أفريقيا) له تاريخه الإسلامي المختلف عن المشرق العربي الذي ابتلعته الوهابية بالتدريج، بينما لم يدخل الأخوان المسلمين والسلفية شمال أفريقيا إلا في بداية التسعينيات. أما الحالة التركية فيهود الدونم يسيطرون على قيادة الجيش التركي منذ 1924م، بينما أردوغان كومباني ليسوا سوى اراجوزات للرأسمالية والاستثمارات الأمريكية الضخمة في تركيا!! ونجد حركة حماس قد انحازت للجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى وصمها سعود الفيصل على إنها عميلة لإيران. إذن من السخف اللاعلمي أن يطلي الطبيب غازي جميع الحركات الإسلامية بطلاء واحد.
يقول الطبيب غازي: (إن تتابع فوز الإسلاميين في فترة وجيزة بعد أحداث الربيع العربي صرف اهتمام المراقبين عن تدبر هذه التحولات من جذورها، خارج إطار الأحداث الأخيرة في البلاد العربية. إن الدراسة المتأنية لأسباب هذه التحولات يجعل من التقويم أكثر موضوعية والتنبؤ بما يحمله المستقبل أكثر دقة).
نقول له ليس كذلك، فالمراقبون المتخصصون يتابعون جيدا أسباب وجذور هذه التحولات في الإقليم العربي، بينما الشعوب العربية الفقيرة المستهدفة لا تدرك ذلك وأولهم الشعب المصري الذي فوجئ بفوز السلفيين وأترك الأخوان المسلمين جانبا، فحين تنفق السعودية فقط من عام 1974م وحتى 2000م حوالي أربعة وسبعين مليار دولارا لنشر المذهب الوهابي والسلفية في الإقليم العربي والعالم الإسلامي، وأكاد اجزم أكثر من ذلك أي حوالي مائة وخمسين مليار دولارا حتى هذا اليوم، فلا يستغرب المرء هذه الفورة الإسلامية التي كانت تبنى تحت الأرض بخفية – ويحق للسعودية أن تفتخر بإنجازاتها منذ 1920م ولو لمدة قصيرة فقط، لأن ما يحمله المستقبل من تنبؤات فهو لن يخرج من إطار هذه المقالة قط:
(إذ لا مستقبل للدول العربية التي يعتليها الأخوان المسلمون والسلفيون بشروطهم الموضوعية الحالية، وأقرب مثال هو فشل الإسلاميين في السودان، إذ يرفض الشعب السوداني في أيامنا هذه ثورة الإنقاذ جملة وتفصيلا حين يرى أنه تتم خديعته كل يوم، بل في هذه الساعة وفي كل ساعة. والأسباب عديدة، ذكرت بعضها تلك المذكرات المشكوك في أمرها إنها من صنع المؤتمر الوطني نفسه، بينما يأتي في المقدمة انقسام الإسلاميين وسقوطهم معا في العزلة عن الشعب السوداني، فدولة إسلامية تديرها قسرا أجهزة المخابرات لا تعتبر سيدي غازي دولة الشعب nation state، سيان إسلامية أو غير إسلامية، وهذه النقطة وحدها كفيلة كأن تُسقِط هذا النظام القائم، وأترك جانبا حين نُذكِّرك أن آخر انتخابات عامة تم تزويرها فسقطت مشروعية الإنقاذ تماما).
ولعلنا في الختام نسأل السؤال التالي: كيف تكون ردة فعل الإسلاميين في مصر وهم في أعلى السلطة إذا أصر الشعب المصري في نظام ديمقراطي ليبرالي حر فتح كل كتب التراث الإسلامي السني؟ هل سيتهمونه على إنه شيعي ورافضي؟ هل سيوافق الإسلاميون أن تفتح كتب التراث السنية أم يصرون على غلقها ويضيقون من حلقة الخناق على الحريات وعلى الشعب المصري بالتدريج...؟ هذه هي عقدة المنشار..أذا نجح فيها الإسلاميون..ستنجح تجربتهم القادمة..أما غير ذلك سيذهبون إلى مذبلة التاريخ.
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب ) و (محلل سياسي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.