مع دفء العشيرة، والإحساس الجميل بطعم “العيد وسط الأهل للفرح طعم آخر، حيث كسر الفنان المبدع أبو عركي البخيت رتابة كثير من سهرات الأعياد في تلفزيونات المؤتمر الوطني، المشحونة بأسئلة” بلهاء” مثل شاكلة ” كيف تقضون العيد مع الأسرة، أو احك لنا تفاصيل الخروف، والذبيح، والشية”، وكأن من يتقدم بالسؤال قادم لتوه إلى السودان لأول مرّة في حياته، أو أنّ المشاهدين المفترضين لبرنامجه هم جمهور “أوبرا وينفري”، أو أقل تقدير ” رزان مغربي”، فهم لا يعرفون “الشيّة”، ولا يجتهدون في توفير ثمن الخروف ولو “بالدين”!. المهم سهرة اليوم الأول اخترقت حالة “الرتابة”، وطارت بنا في فضاءات رحبة، والغريب أن ذلك تم عبر شاشة التلفزيون الرسمي، والذي نجح نجاحاً كبيرا في طرد معظم المشاهدين بسبب “ثقالة الدم” و”بؤس الحال” منذ أزمة الأحجبة الإكترونية المهووسة، وللأمانة فقد سجل التلفزيون هذه المرة ” هدفاً أحلى من ” هدف بشّة الأول أو الثاني في مرمى المريخ”، وكان الهدف “ملعوب بذكاء”، ومرسوم بجرأة، أضافت للتفزيون بعضاً من المشاهدين، “يعني ما كان في داعي للولوة دي باسم المشروع الحضاري، ومحاربة المبدعين”، وبالفعل كان عركي عند الميعاد، “وواحشني” هي المدخل، و”سهرنا الليل وكملنا هي مسك الختام”، وغنّى عركي مثلما يغني كل مرة، ” وحكى لنا عن حبيبته ” ومن ضفايرا ملقتانا”، وتلك التي مثل ندى الشروق الذي يغني لزراع أرضنا”، و”بستنشقك”، فأدخل في دواخلنا ” فرحاً ناعماً” بطريقة عركي الفنان، فهو فنان متفرد العبارة، وموفق في الاختيارات، ويساعده على ذلك ثقافته الشعرية والموسيقية العالية، وحسه المرهف، وفكره الثاقب، وانحيازه لقضايا الحرية والإنسان والخبز والحليب. وعركي مدرسة من مدارس الغناء السوداني، وهو امتداد لجيل العمالقة خليل فرح وإبراهيم الكاشف ومحمد وردي وعثمان حسين وإبراهيم عوض، ومحمد الأمين، فهو يقدم “الجديد” ويتحاشى “الرتيب”، ويرفض “المكرور”، وهو ما يميز مدرسته الغنائية. شكراً يا تلفزيون، لأنك استحققت “الشكر”، وجعلت لطعم سهرات العيد في تلك الليلة “طعم فرح “، وعاد العيد بأمر فيه تجديد، ونطمح في مزيد من “الجرأة”، ولو في مجال “الابداع”، لأن المجالات الأخرى هي مجالات ممنوع” الاقتراب منها والتصوير”، وهي مناطق “مغلقة”. وخلاصة القول، عاد فارس الأغنية السودانية عركي البخيت لمحبيه بعد أكثر من عشرين عاماً من الحرمان والغياب، لكنه عاد مثل الفرسان النبلاء أقوى شكيمة، وأكثر حضوراً، وتألقاً، وتأنقاً، يرسل الكلمات قويةً لكنها تتسرب لشغاف القلب مثلما يتسرب الضوء شفيفا، ويحس الكلمات ويعيش نبضها، ويرسلها لنا مثل عصافير وديعة تحلق في الفضاءات تنشد الحرية والجمال. الهلال يعبر عبر معبر رفح” الفلسطيني”. يا جماعة ناس المريخ ديل بقوا زي جدودنا زمان، وعايشين على التاريخ، والذكريات، ولم يتبق لهم سوى ،أن يجلسوا فوق كرسي القماش، كحال موظف انتهت خدمته، وبقي يعيش على الذكريات، فهم لا يفرحون سوى لهزيمة الهلال من الفرق الأجنبية، وننصحهم بأن يصنعوا انتصاراتهم، ويفرحوا لها بدلاً عن الرقص على ألحان الآخرين، وليس غريباً أن يأتي رد الموج الأزرق “كاسحاً بانتصار بطعم العيد، لكن كان أيضاً هدف الشاب سعيد السعودي جميلاً، ويتسحق التهنئة، فهو لاعب مثابر، وبأمانة كنت قد أشفقت عليه أولاً قبل ثلاث سنوات حينما تسلل عبره رماة الهلال في ثلاثية أخرى في نهاية الدوري الممتاز، وحوله قودوين وكرنقو ومهند الطاهر إلى جسر عبور لشباك المريخ، لكنه صمد، وصبر، وها هو يتحول إلى سد عالي يدافع، ويهاجم، إلا أن كاريكا وبشة وباري ديمبا اختاروا معبراً آخر للمرور، وهو معبر ” رفح “الفلسطيني. فرحانة بيك كل النجوم يالسقيد سهرة أخرى جميلة قضيتها في رابع أيام العيد ببيت الفنون مع الفنان العائد بعد سنوات طويلة إلى أرض الوطن، المبدع علي السقيد، ويا سقيد مرحب بيك وحقاً “فرحانة بيك كل النجوم لا نام بريقها ولا انطفا”، والتحية عبرك لصديقي طارق الأمين الذي عوّدنا على استقبال العائدين، وفتح داره العامرة لهم ولمعجبيهم، ولأول مرة استمع لعدد كبير من الأغنيات للسقيد، والتي حرمنا منها بسبب غيابه الطويل، وحقاً فإننا موعودون مع السقيد بباقات أنيقة ملوّنة من الأعمال الكبيرة، والتي سوف تحدث ضجةً في الوسط الفني. أولاد الحاج يوسف! لم أجد تبريراً لاسم سهرة بثّتها قناة النيل الأزرق باسم “أولاد الحاج يوسف”، والتي كان ضيوفها عدد من الممثلين أبرزهم صالحين وعبد السلام جلود والشاعر الرقيق اسماعيل الأعيسر، والفنان زيدان ابراهيم، والأخير يحسب للعباسية أكثر من الحاج يوسف، لو أن الأمر” مكانيا”، وهذا يعني أن نستضيف مثلاً عصام محمد نور، ومحمد سلام، وعبد العزيز المبارك، أو عركي البخيت ونطلق على السهرة اسم “أولاد مدني”، لو كان الأمر كذلك، لكن لا جديد في الأمر، وربما يريد صاحب فكرة السهرة أن يقول لنا “الحاج يوسف ابداع”، إلا أنه بمثل هذه الطريقة يمكن أن نحول كل مدينة كبيرة في السودان إلى ابداع. لا يوجد مبرر لتسمية السهرة بهذا الاسم، إلا إذا ما جمعنا الترابي ونقد ونميري واسمينا السهرة “أولاد حنتوب”، ويصبح هذا الثلاثي هو أولاد حنتوب وحدهم. ايبوني يا إيبوني لا تزال قناة “ايبوني” تكرر نفسها، منذ زمن بعيد، وليتها أوقفت تكرار هذه المواد، واكتفت بمادة ترويجية تعكس أهداف القناة، وسياساتها، وخارطتها البرامجية، ولا تزال الفرصة مواتية أمام القناة لتكون ” متفردة” لأنّها مهيأة لاستيعاب واقع التنوع الثقافي والتعدد الديني في السودان، ولا تزال أمامها الفرصة لتقديم مادة تلفزيونية تشتمل على الجرأة والحرية، لأنّها هي التي في وسعها ذلك لأنّ جل قنواتنا عاشت في “جلباب ذلك التلفزيون”، سوى “الأبنوسية هذه”. تقنيات عالية لأول مرة!. لأول مرة استمتع بمشاهدة مباراة في ملاعب الكرة السودانية، وبقدر ما أنا سعيد بالنقلة التقنية المميزة التي صاحبت تلفزة مباراة هلال مريخ الأخيرة، بقدر ما أنا حزين على تأخرنا الطويل في هذا المجال وفي كرة القدم كذلك برغم أننا نعيش مع جدودنا زمان ” فزنا بكأس إفريقيا، وأسسنا الاتحاد الإفريقي، وكذلك فزنا بكأس مانديلا .!!. ستيلا ودينق وخروف “العشاء الأخير”. بمناسبة عيد الأضحى أحيي صديقتي وجارتي العزيزة استيلا قايتانو، التي نفتقد طلتها البهية، وحروفها خفيفة الظل، وعباراتها الساخرة، وكلماتها الأنيقة، وبالمناسبة يا استيلا كويس الناس ما بتذبح ” بقر ” للعيد” وبتضحي “خرفان”، لأنّو لو كان دخل البقر في منافسة العيد لازدادت مشكلتك ، ولتحول الموضوع إلى ” سخيلات”، وهنا أشكو لك صديقنا المشترك وجارنا الذي أسعدنا باحتكاره ” جرس أخير” دينق قوج؛ لأنّه لم يقدم لنا دعوةً في “خروفه الشهير”، مع أننا لا زلنا في انتظار “العشاء الأخير”. وكل عام والجميع بخير