الصديق أيها الأحباب سيرته عجيبة، كنيزك أضاء في خطفة وانزوى. في الثاني من أكتوبر الذي تفصلنا عنه أربعة أيام فقط يكون مضى على يوم رحيل الإمام الصديق عبد الرحمن المهدي نصف قرن. الشاهد، روت لي والدتي الحبيبة سارا الفاضل- رحمها الله- وهي حفيدة الإمام عبد الرحمن، انها خرجت في مظاهرات سنة 1956م للتنديد بالعدوان الثلاثي على مصر، وغضب الإمام عبد الرحمن لما علم بذلك وهم بإخراجها وكل بنات الأسرة من المدرسة، بالرغم من مناصرته لمصر يومها وحرصه على تعليم الفتيات، ولكنه استنكر فكرة خروجهن في مظاهرة. خطاب الصديق الذي اطلعت عليه راجعه في ذلك القرار وقال له لو أخرجناهن من المدرسة فسوف يفوتهن قطار التعليم وتبزهن بنات جيلهن، وهذا يفسر لماذا رجع الإمام عن قراره، ولكنه أنشأ لاحقا مدرسة المهدي الثانوية لتدرس فيها فتيات الأسرة وبنات الأنصار. كان الصديق ذا همة وحماسة وحزم وعزم ، وكذلك لطف كما يذكر من عرفه. خاطبه خاله محمد الخليفة شريف في أوائل الخمسينات قائلا (وصلني كتابك الذي مثلك أمامي بكل ما أعرفه فيك من حزم وظرف ولا أقول زادني إعجابا بك وتقديرا لك لأن هذه صفة لازمتك منذ نعومة أظفارك). شكّل هو وأحمد سليمان ومكي المنا وسبعة أعضاء آخرين لجنة الزعفران، وهي اللجنة المسئولة عن تسيير إضراب طلبة كلية غردون الشهير (نوفمبر 1931 – 31 يناير 1932م)، الإضراب الذي توسط الإمام عبد الرحمن لفضه. كان رئيسا لجمعية فلاحة البساتين في الخمسينات وترأسها بعده السيد محمد صالح شنقيطي. وكان رئيس مجلس أمناء دار المرشدات. ونائب رئيس نادي الفروسية. والحقيقة فإن رصدا دقيقا للمنظمات التي شارك فيها لم يتم بعد، إذ عثرت قبل أيام فقط في مكتبة الحبيب الإمام على ورق يفيد أنه كان عضوا بجمعية محاربة الخفاض الفرعوني التي نشطت في أربعينات القرن العشرين، وكانت تبشر بين الناس لممارسة نوع مخفف أسموه بالسنة، وقد أكدنا أنه ذاته وكل أنواع الخفاض من سنة فرعون، ولكنها العتبة الأولى نحو محاربة الخفاض، الذي سوف يدك بناؤه القميء ويتلاشى عن سمانا بإذن الله في العقود التالية. وكان معه في تلك اللجنة السادة إبراهيم أحمد، ود. علي بدري، ود. التجاني الماحي، ودرديري محمد إسماعيل مع المستر ج .س سكوت والقائمقام مرسي بك الله جابو والدكتور كلارك والمستر أوين. وقد أيد الإمام عبد الرحمن هذا الاتجاه وبالتالي أوقف الختان الفرعوني وسط أسرة المهدي والأنصار خاصة في الجزيرة أبا منذ تلكم الأيام. وكان مناصرا قويا للحريات والديمقراطية في السودان، وهذا ما سوف نثبته في مقالنا القادم بإذن الله.. ولكننا نختم اليوم بكلمات شاعرنا الحبيب العم عابدين، في مدحته الرائعة (حباب صديقنا): حباب صديقنا، البفرج ضيقنا، وارث مهدينا تعال يارفيقنا، نلم تفريقنا، نقوى فريقنا، الإله يهدينا نلازم إبريقنا، وننقذ لغريقنا، نسير فى طريقنا، ونماسك أيدينا صديقنا قمرنا، نجنيبوا ثمرنا، بوجوده عمرنا، فى الناس ما علينا نوهبلوا عمرنا، ونقوم بأمرنا، لسوء ما ضمرنا، داخرنك لينا رفعنا يدانا، رحمة الله ادانا، ومعك هدانا، وبيك يقوينا رب أهدى أعدانا، نلبى ندانا، ونصون مبدانا، ونورك يضوينا بمدحك لذنا، ومن فيضك اخذنا، اصلا ماعجزنا، معاك مسينا يا من بك فزنا، وللخيرات حزنا، ضمان تنقذنا، تب ما نشوف شينا بحبك بحنا، وكسبنا ربحنا، جنودك نحن، العليك رسينا هداك اصلحنا، لولاك كان رحنا، سعاد اصبحنا، وسعاد أمسينا صممنا وهشنا، وثابتين ما دشنا، متنا او عشنا، على ماضينا للموت فرشنا، ولأعدانا درشنا، تزيل موحشنا، ونكون راضينا مولاى درّبنا، ومسكنا دربنا، وعليك قربنا، وأهدى عاصينا ننيلوا اربنا، وحلونا شربنا، عابدين يطربنا، حوله اترصينا نواصل بإذن الله، وليبق ما بيننا