استقال وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس يوم الجمعة 14 اكتوبر 2011 من منصبه على خلفية الكشف عن علاقته الوثيقة برجل أعمال له مصالح تتصل بشؤون الدفاع. وقد أقر فوكس في خطاب استقالته إلى رئيس الحكومة بالخطأ والخلط بين المصالح الشخصية والحكومية, وقال في خطاب الاستقالة “أنا آسف جدا لما حدث”. وطبقا لرويترز, فقد تآكلت مصداقية فوكس بعدما تسببت سلسلة من القصص الإخبارية بشأن صديقه المقرب آدم فيريتي الذي كان رفيقه في السكن والتقى به مرارا وكان يعرف نفسه على غير الحقيقة بأنه مستشاره. كما أشارت تحقيقات إلى أن فيريتي (34 عاما) قام ب18 رحلة خارجية مع فوكس رغم أنه لا يتمتع بأي صفة حكومية أو رسمية, حسبما أشارت إليه تقارير يجري بشأنها تحقيق ينتظر أن تعلن الحكومة البريطانية نتائجه خلال أيام. وقد أعرب رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون عن أسفه لاستقالة فوكس, وأشاد بدوره في الحملة العسكرية بأفغانستان وليبيا, وقال إن له دورا في الحد من عمليات القتل التي ارتكبها العقيد معمر القذافي )) . طبعاً ليس من المنطق والعقل والمساواة إجراء مقارنة- أي مقارنة بين ليام فوكس وزير وزارة الدفاع البريطانية المستقيل والوزير عبدالرحيم محمد حسين وزير دفاع عمر البشير لسنوات عدة – لكن مثل هكذا المقارنات ضرورية جدا عسى وعلّ أن تعلم أصحاب الضمائر الصدئة والميتة ما هي المسؤولية ، وتذكرهم بتقديم استقالاتهم من مناصبهم الوظيفية الإدارية في حالات فشلهم ، حرصا على مصالح العباد وشئونهم !؟ . في العالم المتقدم كبريطانيا أو أمريكا مثلاً- المسئولية هي : A duty or obligation to satisfactorily perform or complete a task (assigned by someone, or created by one's own promise or circumstances) that one must fulfill, and which has a consequent penalty for failure. فيما يتعلق بإستقالة السيد/ليام فوكس من منصبه كوزير لوزارة الدفاع البريطانية- فقد جاءت إستقالة الوزير ليست لضغوط خارجية أو تقصير ما في عمله كمسئول عن شئون الدفاع البريطانية ، بل على خلفية الكشف عن علاقته الوثيقة برجل أعمال بريطاني له مصالح تتصل بشؤون الدفاع — ورجل الأعمال هو آدم فيريتي الذي كان رفيق ليام فوكس في السكن وإلتقى به مراراً وكان يعرف نفسه على غير الحقيقة بأنه مستشاره – هذا هو كل الموضوع ( يعني الرجل ما قصر في عمله كوزير للدفاع زهاء السنتين ، حيث نجح في حرب أفغانستان والحملة العسكرية على ليبيا التي اطاحت بالعقيد الليبي معمر القدافي ) ، فكل الموضوع أنه كان عليه أن لا يخلط بين المصالح الشخصية والحكومية , بإعتبار أن المسؤولية أمرها عظيم ، وأمانة تحاسب عليها أمام الشعب والرأي العام ، فبمجرد أن عرف أنه أخطأ قدم استقالته فورا لديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني . لكن أين الفريق/ عبدالرحيم محمد حسين وزير دفاع عمر البشير من موقف وشجاعة وأمانة ليام فوكس ” الكافر ” ؟ كان عبدالرحيم محمد حسين وزيراً للداخلية السودانية عند حدوث فضيحة العمارات التي سقطت وراح ضحيتها أرواح سودانية بريئة من نساء وأطفال ، ليصدر الجنرال عمر البشير قراراً جمهورياً بعد الفضيحة المجلجلة بترقية الوزير عبدالرحيم محمد حسين إلى رتبة ” فريق ” وتعيينه وزيراً للدفاع – تخيلوا معي هذا الفلم يا جماعة !! . بعد تولي عبدالرحيم محمد حسين وزارة الدفاع حدثت كوارث عسكرية وأمنية في البلاد ، أهمها غزوة ام درمان في عملية الذراع الطويل التي نفذها شباب وقوات حركة العدل والمساواة السودانية في أبريل عام 2008 ، وفي يناير من عام 2009 نفذت طائرات اسرائيلية عدة ضربات عسكرية في عمق الأراضي السودانية ضد حركة حماس الفلسطينية التي كانت تهرب أسلحة إيرانية عبر الحدود الشرقية للسودان إلى قطاع غزة ، وفي بداية العام 2011 نفذت طائرات اسرائيلية أخرى عملية نوعية ضد عميل من حركة حماس كان في داخل سيارة تقله في مدينة بورتسودان وقتلته بدم بارد منتهكةً بذلك السيادة الإقليمية لدولة السودان — وفي كل هذه الحالات لم يقدم وزير الدفاع السوداني توضيحا للرأي العام السوداني عنها ، ولم يقدم استقالته أيضا جراء هذا القصور الأمني ، بل استمر في منصبه وكأن شيئاً لم يحدث – وفي الخامس من يونيو 2011 اندلعت مواجهات عسكرية في ولاية جبال النوبة/جنوب كردفان بين الجيش الشعبي وقوات عمر البشير بقيادة عبدالرحيم حسين ، وفي هذه المواجهات استطاع ثوار جبال النوبة اسقاط عدد من طائرات السلاح الجو التابع لمليشيات حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، وكان من بين الطائرات المسقطة في جبال النوبة أحدث طائرة يملكها نظام البشير والتي أسقطتها مدفعية الجيش الشعبي وعلى متنها طيارين سودانيين في اغسطس الماضي ، وقِيل أن عبدالرحيم حسين عندما علم بخبر سقوط هذه الطائرة بدأ يبكي بصوت عالي حتى اعتقد من كانوا حضوراً أنه جن أو كاد أن يجن . تصوروا مسئولاً يصله خبر هزيمة قواته في المعركة أو خبر اسقاط العدو عددا من طائراته ويبدأ في البكاء كالطفل عندما ترفض والدته اعطاءه قطعة حلوة !! — بكاء عبدالرحيم حسين هنا دليل عل أنه رجل غير جدير بتحمل المسئولية التي تم تكليفه بها — فالمسؤولية ليست فقط مكتب مكندش ، أو قرارات مذيلة بتوقيع هذا المسؤول أو ذاك ، بل هي واجب أخلاقي وقانوني أيضاً يحتم على صاحبها التحلي بالحكمة والرصانة ومعالجة الأمور بعقلانية وحنكة بعيداً عن الإنفعال والعاطفة وسوء التقدير , سيما وأن الإنفعال يحرف العقل عن جادة الصواب وينزلق به إلى ما لا يليق فيفقده احترامه عند الآخرين . كانت المسئولية تقتضي من وزير دفاع عمر البشير تقديم استقالته من منصبه على خلفية الكوارث الأمنية التي حدثت في عهده ، لكنه بدلاً عن ذلك ، فضل ارضاء عمر البشير والإستمرار في منصبه غير مكترثاً بالإختراقات الأمنية للسودان . كان عليه عدم إغلاق الأبواب وصم الأذن عن نداءات الناس وإشاحة النظر عن ما يدور في السودان لسنوات عدة — وكان عليه تقديم استقالته تطبيقاً لقوله وتعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) ، وقول ” ص ” عليه والسلم ( أنه لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) . المسؤولية أمانة في أعناق من يحملونها .. فهي صعبة يتطلب أداءها إلى الشجاعة والصدق والأخلاق القويم .. وهي تحتاج أيضا لمن هو أهل لها من أهل الكفاءة والصلاح والاستقامة ( الإنسان المناسب في المكان المناسب ) — فالسؤال هو : أين السيد عبدالرحيم محمد حسين الذي انتهك في عهده السيادة الإقليمية للسودان لأكثر من مرة من ليام فوكس الوزير الكافر الذي استقال من منصبه لمجرد خلطه بين المصلحة الخاصة والعامة !؟ . ذكرت في بداية مقالي أنه ليس من المساواة إجراء مقارنة بين عبدالرحيم محمد حسين وليام فوكس ، فالثاني قدر المسئولية التي حملها ، وعندما شعر أنه أخطأ بخلط العام بالخاص أثناء قيامه بعمله الرسمي قدم استقالته للرئيس الوزراء البريطاني حرصا على المصلحة العامة — أما عبدالرحيم محمد حسين فوقع في عهده فظائع وكوارث أمنية وعسكرية ، لكنه لم يقدم استقالته لقصوره في أداء عمله بالصورة المطلوبة ، بل عمر البشير الذي عينه في منصبه هذا طلب منه الاستمرار فيه ، رغم الاخفاقات الكثيرة ، لأنه خادمه المطيع وطفله المدلل ولا يهمه المصلحة العامة — لكن متى يعتبر مسؤولي دول العالم الثالث – وخاصة في السودان مسؤولياتهم كأمانة في رقابهم ويستقلون من مناصبهم في حالات الإخفاق والفشل ؟ . والسلام عليكم