كان يمكن أن نقول “للمؤتمر الوطني” “التسوي كريت في القرض تلقا في جلدا” لو صحت اتهامات الحزب حول خروقات في عملية تسجيل الناخبين لاستفتاء جنوب السودان قال إنّ الحركة الشعبية ارتكبتها، على حد زعم الوطني؛ صاحب السجل الكبير في “الانتهاكات” “والخروقات” منذ انتخابات الجامعات والمدارس الثانوية، وحتى أعلى مستوى انتخابي، ولو رجعنا لأمثلة من المخالفات مثل ” رفض التسجيل”، أو ” تسجيل آخرين لا يحق لهم”، أو استغلال المفوضية المعنية بالعملية، أو ممارسة الترهيب والترغيب لعادت بنا الذاكرة إلى أيام الانتخابات الماضية، وما ظلّت الأحزاب ترفد به المفوضية من “خروقات وانتهاكات جعلت الانتخابات فاقدة للمصدقية، وأدنى مستويات الشفافية والنزاهة. إلا أنّ الأممالمتحدة نفت ما ذكره المؤتمر الوطني، فقد أكد رئيس لجنة الأممالمتحدة لمراقبة الاستفتاء بنجامين ماكابا، إنّ لجنته لم تسجل أي مخالفات في اجراءات التسجيل في كافة المراكز التي زارتها اللجنة في شمال وجنوب السودان. وقال خلال مؤتمر صحفي في الخرطوم أنّ اللجنة رصدت حالات تحرش لعدد من الناخبين في مراكز التسجيل خارج السودان.. ولست هنا بصدد نفي أو تأكيد “الخروقات”، إلا أنني بصدد التعليق على العزوف الجنوبي الكبير “من المشاركة في عملية التسجيل، وله ما يبرره، فقد كان المسؤولون الكبار في الدولة يهددون الجنوبيين بمنعهم حتى من ” حقنة ” ولو أنّ كل السودانيين يشترون الحقنة، وانتهى زمن “مجانية الدواء” مع سياسة “الخصخصة”، وسيطرة ” القطط السمان على السوق، فما عاد هناك ثمة أمل في حقنة، أو حبة للعلاج، مثلما هو حاصل في التعليم وبقية الخدمات، لكن هذه التهديدات أخذها الجنوبيون السودانيون مأخذ الجد، وحزم الآلاف لحقائبهم في موسم الهجرة إلى الجنوب، في أكبر عمليات العودة الطوعية التي سبق أن فشلت في أيامها الأولى، برغم المخاطر، وضعف استعداد حكومة الجنوب لاستقبال جيوش الوافدين، وهو أمر يدعو للحزن على مصير كل الوطن. ومن لم يخطط للاتجاه جنوباً؛ آثر السلامة، وفضل عدم الزج باسمه في صراع “الوحدة والانفصال”، واكتفى بالتفرج على “لعبة” مثل بقية المتفرجين ، وهم كثر، كما أنّ تهديدات “العنصريين”، والفاشيين الجدد، وصحافتهم الصفراء لعبت هي الآخرى دوراً سالباً، وأتى بنتائج ” عكسية”، فبدلاً من أن يؤدي “الترهيب” لإقناع الجنوبيين، أدى إلى “العزوف”، و”التعنت” وفي الذكرى كذلك ” تزوير” الانتخابات الماضية. وخلاصة الأمر يعكس الواقع ” انهيار جسر الثقة الواهن ما بين الشمال والجنوب، وما بين السودانيين والمؤتمر الوطني، وتجلى ذلك في خلو مراكز الاقتراع من الناخبين، وهو مشهد يؤكد بؤس ادعاءات المؤتمر الوطني، والتي تقول إنّ الحركة الشعبية عطلت عملية التسجيل، ولو قالوا إنّها حرضت على عدم التسجيل لكان الأمر معقولاً، لأنّ المراكز خاوية على عروشها، ولا يوجد من يتم تعطيله. إنّ المؤتمر الوطني في حاجة لإعادة النظر في كل وسائله، وخطابه، وسياساته قبل أن يصبح كل الوطن خاوياً على عروشه.