فيصل عباس …… كثيراً ما يطرح عليك بعض البسطاء من أبناء هذا الوطن العريض من الذين ملوا الوقوف على آثار إخفاقات الساسة السودانيين في الأزمنة السحيقة من فترات ديمقراطية وعسكرية عن من الذي سيرث العرش و يدير شئون هذه البلاد في حال زوال هذه الطغمة الحاكمة وزعيمها الذي شهد بجهله الأصدقاء قبل الأعداء , مشككين بذلك في قدرات بعض الأسماء التي تميزت في هذا الصعيد ممن كانوا على رأس الدولة أو في رئاسة الوزراء أو كانوا قد تولوا تدبير الشئون في الوزارات أو مجالس الحكم . فذلك يعد من احد ضروب الفهم البسيط والجهل المركب الذي يدلل على محدودية وضيق الأفق لمن يتداولون ويؤمنون بمثل هذه الأفكار التي برع المحسوبين على هذا النظام في نشرها وترسيخها في عقول عامة الناس وذلك عبر وسائلهم المختلفة التي سخروها لخدمة أفكارهم الشيطانية التي لا تمت للدين أو للمنطق بصلة . فلنبتعد قليلاً عزيزي القارئ في هذه السانحة عن المقارنات ما بين هذا وهؤلاء رغم نزاهة وبراءة السابقين و رغم إيماني القاطع بأننا نحكم حالياً من قبل اشهر المجرمين الذين عرفهم تاريخ العالم الثالث . سادتي يجب علينا إن نعلم أن حواء السودان قد أنجبت الكثيرين من الشرفاء ممن في مقدورهم أن يديروا العالم بأسره وليس السودان فحسب . فلنسال أنفسنا لبعض الوقت ماذا كان يمثل أب جاعورة أو الدكتاتور جعفر نميري عندما صعدا إلى سدة الحكم . فقد كانوا مجرد ضباط برتب متواضعة في القوات المسلحة السودانية , وخاصة أب جاعورة الذي لم يدخل إلا معركة واحدة في منطقة ميونق التي غثتا بالحديث عنها في حملته الانتخابية الأخيرة , أي معركة واحدة فقط في حرب الجنوب الطويلة ,و بخطة حربية لم يفكر فيها بنفسه , بل وضعت له من قبل احد زملاءه . وبنفس القدر كان هناك من هو أميز وأقوى من هؤلاء ولكنهم آثروا البقاء كعسكريين وتركوا على اثر ذلك السياسة لأهلها ولم يؤمنوا بفكرة الصيد في الماء العكر أو قل فقه اللصوص الذي يطلق اسم الثورات على الانقلابات العسكرية ولفظ ثوار على من خانوا زملاءهم في المهنة وتمردوا على قياداتهم . هذا في المؤسسة العسكرية فقط , بغض النظر عن المجالات الأخرى في حقول العلوم الإنسانية والتطبيقية التي سطعت فيها نجوم علماء السودان. أضف إلى ذلك العلوم الدينية والفقهية , فهل من احد يستطيع أن يحصي ما كتب علماء الدين السودانيين داخل السودان وخارجه باستثناء الكتب الصفراء وباستثناء ما جاء به أعضاء مجلس الإفتاء الشرعي الذين تحولوا من علماء دين إلى خياطين لتفصيل الفتاوى وفقاً لمزاج أب جاعورة وطغمته؟ فلنفكر قيلاً عزيزي القارئ, ليس كمثقفين فحسب بل كمواطنين بسطاء من اجل معرفة عدد السودانيين الشرفاء الذين وضعوا وخططوا السياسات لأنجح الدول التي ظلت تمتد لها مؤخراً ( قرعات )طغمتنا الحاكمة بأياديها التي استمرأت التسول وفقدت التعرف على ابسط معاني الحياء. كم من السودانيين قد برعوا في الجامعات الأجنبية وقدموا أفضل الدراسات وأميز التطبيقات في كافة الأصعدة و التي كان من بينها مجال العلوم السياسية والاقتصادية التي جاء أب جاعورة ليضيف إليها الأفكار العنصرية وفكر الإبادات الجماعية و الاثنية وأساليب التهرب من القوانين الدولية . كم من السودانيين قاموا بوضع النظريات والأسس التي قامت عليها الكثير من انجح وأميز المؤسسات , بل هناك الكثير من السودانيين ممن تتلمذ على يدهم أفضل وانجح القادة والحكام في هذا العالم . دعك عزيزي القارئ عن هذا وذاك , فلنبحث فقط في شوارع الخرطوم اليوم أو في أزقتها و أطرافها , فسوف نجد من الفقراء ممن لا يجدون ثمن (واحد طلب فول سادة) , من في مقدورهم أن يحكم خمس دول مثل السودان (قبل انفصال الجنوب) في آن واحد وبمنتهى البساطة و الحكمة والديمقراطية دون خصومات سياسية أو اعتقالات أو تقسيم البلاد أو تبديد لثرواتها أو تدخل في شئون الغير أو إشعال الحروب أو تمزيق النسيج الاجتماعي . ولكن أمثال هؤلاء لم يجدوا فرصة حتى للتعبير عن مجرد رأيهم في بعض الأمور وانشغلوا فضلاً عن ذلك بالبحث عن ما يسد الرمق من (فول أو بوش أو غير ذلك) . وقد رأيت بأم عيني من هؤلاء من يكتفي بابتسامة ساخرة عندما يرى في التلفاز أو في احد الميادين السيد أب جاعورة وهو يصرخ ويرغي ويزبد بألفاظ يستحي من تداولها شماسة بلادي الشرفاء , ليأتي من خلفه بعض المطبلين الذين تمت برمجتهم ليهتفوا بأشرف ما يمكن أن يقوله الإنسان وهم الأبعد من ذلك . أما الآن فقد أدركنا ما هي الدوافع التي كانت تكمن وراء نظرية الفصل التعسفي و التشريد باسم الصالح العام و التصفيات والاعتقالات والتعذيب في بيوت الأشباح بل والتكفير و الطرد من ملة الإسلام منذ أن صعد هؤلاء الأبالسة إلى سدة الحكم . وقد تطور ذلك إلى أن وصل إلى مرحلة الإبادات الجماعية في الهامش والأطراف , و رغماً عن ذلك ورغماً عن انف الطغمة الحاكمة ما زالت حواء السودان تلد الساخرين والضاحكين من جهل السيد أب جاعورة الذي لم نجد له بديلاً ليحكم السودان بعده . فيصل عباس [email protected]