ندوة الشيوعي    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصور خالد : دعاة الفتنة (لهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) (الخمج) صناعة مألوفة في أحزابنا التقليدية
نشر في حريات يوم 01 - 12 - 2010


حوار الراي العام (4) ..
حاوره: كمال حسن بخيت .
الحوار السياسي.. او الحديث الاجتماعي مع الدكتور منصور خالد المفكر والعالم الموسوعي والمعرفي المدهش وابن البلد المتواضع.. الحديث مع هذا الرجل المتعدد المواهب يحلو كلما طال الحديث ولا يمل الانسان الحديث معه. ومعرفة الدكتور منصور خالد.. ميزة في حد ذاتها.. تتفق معه أو تختلف، فالامر سيان عنده يتناقش معك دون تزمت او ضيق صدر.
تعود علاقتي بالدكتور منصور خالد في سبعينات القرن الماضي.. وتوطدت الى أن غادرت السودان مجبراً لا بطلاً، وكان يراسلني عندما اخترت بغداد موقعاً نضاليا وكانت رسائله كلها تدعوني إلى الصمود في الغربة والاستفادة من ارض النهر الجارف بغداد. وعندما اقام في لندن كان اول من تنبأ لي بسقوط نظام نميري وبالتاريخ، وكنت اول من قرأ كتابه الأول الذي كان عنوانه (السودان داخل الكرة البلورية).. الذي كان يحمل النسخة الاصلية وذاهب الى الكويت حيث كانت تربطه علاقة قوية مع امير الكويت الحالي الذي كان وقتها وزيراً للخارجية.
اجريت عدة حوارات مع الرجل.. وكان اخطرها الذي نشر في صحيفة (الايام) عام 1974م.. وتحدث حديثاً اغضب بعض نخب مايو.. واحدث الحوار زلزالاً عنيفاً داخل الاتحاد الاشتراكي.. هذا أمر يذكره كثيرون وكثيرات.
الحوار مع د. منصور متعة.. والحديث معه متعة ومعرفته متعة كثيرة. هذه الحلقة الثالثة مع هذا الرجل النبيل.
…..
* نسأل عما هي قناعات د. منصور التي دفعت به أصلا لمؤازرة الحركة.. وهل صحيح أنك كنت تصفي حسابا مع النظام المايوي الذي عددت مساوئه في مؤلفاتك؟
القضية ليست قضية مؤازرة بل هي قضية رؤية. والقول بأنني اردت تصفية حساب مع نظام مايو فيه تلبيس على القارئ والسامع. فرغم مقالاتي الناقدة لذلك النظام كنت وما زلت اقول انني كنت جزءًا من ذلك النظام. ومن يقول أنني كتبت أعدد مساوئ نظام مايو لم يقرأ ما كتبت وإنما تلمس بين السطور ما كان يريد مني ان أقول، أو يفترض انني قد قلت. كتبت عن مثالب ومناقب نظام مايو، ومناقبه اكثر بكثير من مثالبه. مع ذلك إستقر في ذهني بعد إلغاء إتفاقية أديس أبابا التي حققت سلاماً لم ينعم به السودان خلال سبعة عشر عاماً، وافلحت في إستدامة ذلك السلام لعشر سنوات، ان نقض الإتفاقية على يد نفس الحاكم الذي ملك الشجاعة لتحقيقها يؤكد ان أزمة السودان تكمن في الخرطوم، اي في الإسلوب الذي تدار به السياسة في تلك المدينة من جانب أنظمة الحكم المتعاقبة، مدنية كانت أم عسكرية. فالمشكل كما حَدَث قرنق، هو كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان. ذلك تعبير أخذ يردده كثيرون دون نسبته لقائله.
* الأحزاب السياسية السودانية -وتحديدا الشمالية- غائبة ام مغيبة عن الفعل السياسي والمشاركة فيما يجري بالبلاد من أحداث؟ وكيف تقيم دورها خلال مشاركتكم في المعارضة والآن.. وأنت شاهد عصر عليها وتستطيع أن تثبت سلبياتها وإيجابياتها؟ وكيف يمكن أن تسهم هذه الأحزاب في التحول الديمقراطي الذي أكدت عليه اتفاقية السلام؟
لا يستطيع أحد ان يُغَيب أحدا عن الفعل السياسي لأن الفعل السياسي إرادة. من يتوقف عنه لا يفعل ذلك إلا أن أعوزته الإرادة، أو قدر ودبر وأنتهى به التقدير والتدبير إلى ان يُلجِم احصنته إلى حين، أو قدر أيضاً وأستقر به الرأي على المشي في سكة السلامة فهي كما يقال «للحول قريب»، حتى وأن مضت عليه احوال. ليس هذا هو المقام الذي أقيم فيه عمل الأحزاب السياسية في المعارضة وفيه السلبي والإيجابي. هذا النوع من التحليل لا يتأتى في حديث صحفي عابر وإنما في بحث متأن. هذا هو ما افعل الآن.
سؤالك الاهم هو موضوع التحول الديموقراطي. في حديث سابق معك قلت أن التحول الديموقراطي هو الركن الثالث لإستدامة السلام، كان ذلك في الشمال أو الجنوب. فهيمنة حزب واحد على الحكم في الشمال او الجنوب دون وجود كوابح دستورية لن يستديم سلاماً. هذه الكوابح متوفرة نظرياً في نصوص الإتفاقية والدستور ولكن تُفتقد عملياً عند الممارسة. وقبل أن تطالب الصحافة الأحزاب بالعمل على تحقيق التحول الديموقراطي اليس الأوفق أن تعمل الصحافة – وهي السلطة الرابعة في المنظومة الديموقراطية – على كشف الخروقات، وإبانة التجاوزات، والحث الدائم لمن يلزم إستحثاثه لكيما تُحترم وثيقة الحقوق. أتمنى ان يكلف أساتذة الصحافة والإعلام بعض طلاب الدراسات العليا لإجراء رصد وتحليل لمقالات الصحافة في السنوات الخمس الماضية حول قضايا التحول الديموقراطي ومواقفها منها: مواقفها من القوانين التي تحد من الحريات، وردود فعلها على تعامل السلطة مع الأفراد والمؤسسات التي سعت لممارسة حقوقها الدستورية.
* التجمع الوطني تفرق شمله لأن الحركة نفضت يدها عنه .. ماذا تقول في هذا الصدد؟.. وقولك يمكن أن يكون القول الفصل بالرجوع إلى الفكر والثقافة والتاريخ السياسي وحمل لواء المعارضة والقراءة للواقع السياسي السوداني؟
أرى هنا أيضاً شيئاً من التلبيس. التجمع الديموقراطي لم يتفرق شمله لأن الحركة نفضت يدها عنه، وإنما لأنه إستنفد أغراضه كتنظيم معارض يحارب حكومة قائمة حرباً سياسية وعسكرية ودبلوماسية. وفي اللحظة التي وقعت فيها الحركة إتفاق سلام مع الحكومة من بين بنوده الهامة المشاركة في الحكم، وفي الوقت الذي وقع فيه التجمع في القاهرة إتفاق سلام شارك بموجبه في وضع الدستور ثم في البرلمان، يصبح الحديث عن نفض اليد عن التجمع حديثاً بلامعنى. مع ذلك تظل الأحزاب هي وحدها القوة الأكثر فاعلية في تحقيق التحول الديموقراطي على النحو الذي جاء في الإتفاقية. وفي هذه الحالة ليس من حق كائن من كان أن يعترض على أي عمل سياسي سلمي لتوسيع هامش الديموقراطية بالصورة التي نصت عليها الإتفاقية، أو يستنكر ما تقوم به الحركة أو الأحزاب المنضوية في الحكومة الوطنية لإنفاذ ما قالت به الإتفاقية و الدستور حول تلك الديموقراطية، او تستنكر الصحافة مثل هذا العمل وتحسبه خروجاً عن المسئولية التضامنية الا أن كان المرد منها هو التآمر على الدستور.
* تكونت جبهة للمعارضة وصفت بالعريضة في لندن بديلا عن التجمع الديمقراطي ماذا تقول عنها؟
قرأت نبأ هذا التجمع في الصحف كما قرأت ما ورد حوله منسوباً للأستاذ علي محمود حسنين، وعنده أقف. على محمود قبل أن يكون سياسياً هو قانوني ضليع، كما هو وطني يكاد يكون صوفياً في وطنيته. هو أيضاً حزبي لا يعرف المداراة ويبدو أنه، لا يحب «الخمج»، والخمج صناعة مألوفة في أحزابنا التقليدية. ما يريده هذا النوع من الرجال هو أن تُحترم حقوقه الدستورية ليعبر عن رأيه، ولن يكون ذلك خارج إطار القانون من جانب رجل إمتزجت مبادئ العدل والإنصاف بدمه. كما لا أظن انه يريد لنفسه أن يكون مع العاكفين على الخسران، ولا يعكف على الخسران إلا صامت عما يراه حقاً وهو قادر على التبيان. في وقت نتحدث فيه عن جمع الشمل، وعن توسيع هامش الحريات، وعن جعل وحدة السودان جاذبة ينبغي علينا أن نرتفع إلى مستوى المسئولية ولن يكون ذلك إلا عندما تتبع القول بالفعل.
* كلمة أخيرة
أراك قد حملتني على الحديث فيما لا عُلقة له بمشكل الحاضر، لهذا أعود بك إلى الموضوع الذي لا ينبغي أن يشغلنا موضوع سواه: كيف يمكن لنا أن نجعل الهبوط في مرفأ الإنفصال ? إن صار هو مرفأنا الوحيد ? هبوطاً سلساً. الهبوط السلس لن يتحقق بالعَوة أي الجلبة التي تختلط فيها الأصوات. ولن يتحقق بإنكار الواقع والشواهد عليه كثر. كما تحول دونه بلبلة الأفكار التي لا يُسرع إليها إلا دعاة الفتنة وعن هؤلاء يقول الكتاب الكريم: «لهم عذاب النار ولهم عذاب الحريق». ولكن حمداً لله أن في الساحة رجالاً لم يتركوا المجال لتحالف الخائبين من اي قبيل كانوا. هم رجال ونساء ادركوا المخاطر فسعوا لتلافيها. تلك فرصة ازجى فيها بعض الشكر لمن لا يرتجون جزاءً ولا شكوراً وظلوا يدأبون ليلاً ونهاراً للبحث عما يحول التحديات إلى فرص. ففي اللغة الصينية ليست هناك كلمة تقابل كلمة ازمة بل شارتين (والصينية لغة شارات لا حروف). الشارة الأولى تعني مشكلة والثانية تعني فرصة. تقديرنا عظيم للمنظمة الوطنية لدعم الوحدة الطوعية التي تبحث عن الفرص بدلاً من نكأ الجراح، وتنبه الناس إلى الجوامع بدلاً من حثهم على توسيع الخروق، وتعترف بكل العوامل التاريخية التي قادت إلى الوضع الذي نحن عليه، لا رغبة في محاكمة التاريخ بل لإستلهام العبر منه وبوجه خاص الشكر للأستاذ محجوب محمد صالح الذي جند نفسه وصحيفته لبسط الحقائق على الناس وللدكتور الطيب زين العابدين وهو رغم العمر مهر أرن، وعند الرهان تعرف السوابق.
مع باقان.. في إعترافات ما قبل الإنفصال (3-3) الجنوبيون موعودون بفرحة الدولة الجديدة
حوار: فتح الرحمن شبارقة / تصوير: شالكا
باقان أموم أوكيج، (51) سنة، تنطبق عليه دائماً مقولة رجل الحركة الشعبية القوي. وتصدق عليه تماماً عبارة «سياسي من العيار الثقيل».. فباقان، ظل يمسك بأعقد الخيوط التنظيمية داخل الحركة، والسياسية خارجها، ويديرهما بطريقة لم تترك منطقة وسطى في تقييمه. فالناس إزاءه – على الارجح- فريقان لا مجال للحياد بينهما.. إما يحبونه بشدة، ويرون فيه مثالاً واعياً لوزير السلام، أو يكرهونه كذلك، ويرون فيه محض وزير حرب. إلتقيت باقان بعد ترتيب مسبق في مقر إقامته ببرج الفاتح بالخرطوم في الأيام الفائتة، أقترحت عليه أن نبتعد في هذا الحوار قليلاً عن القضايا الخلافية الماسخة بين الشريكين، ونقترب فيه من قضايا ذات طابع خاص وتاريخي لم يتحدث فيها من قبل، فكان هذا الحوار الذي إمتد لنحو ساعتين من الزمان، كاد يقول فيهما كل شئ قبل الإنفصال، وأحتفظ فيهما بإبتسامة ودودة أغرتني بطرح أسئلة إتهامية مباشرة وأخرى نصف جادة حسبما نرى في مضابط الحوار:
…..
* هل سيتوج باقان أموم مسيرته السياسية بإنفصال الجنوب؟
- من قال لك جاء الوقت للتتويج!
* طيب ما هو التحدي الآخر الذي ينتظرك؟.. هل يمكن ان يكون هذا التحدي هو الوحدة بعد الإنفصال مثلاً؟
- مثلما قلت لك في البداية أنا سعيد لأنني أنتمي لمشروع يهدف لتغيير حياة الإنسان في هذه الأرض للأفضل، وكشخص منتمي لهذا المشروع جهدي هو أن أسهم بقدر المستطاع وبالقليل الذي أقدر عليه في إتجاه تحقيق الحلم بتحسين أوضاع الإنسان.
وواضح إنو ما حيجي يوم وأقول توجت عملي وإنما سأعمل حتى آخر يوم في حياتي.
* بعد الإنفصال.. هل يمكن ان تقيم سوداناً جديداً مصغراً في الجنوب؟
- بكل تأكيد.
* ما هي تحديات هذا المشروع في الجنوب؟
- هي نفس التحديات لبناء نفس المشروع في حيز أكبر.
* إذا كان الأشخاص يؤتمنون على الأفكار، من تراه مؤتمناً على فكرة السودان الجديد في الشمال بعد الانفصال؟
- كل من يؤمن بالفكرة من الموجودين الآن أو الذين سيولدون، سيكونون مؤتمنين على فكرة السودان الجديد.
* ألا ترى ان الانفصال هو نعي بالضرورة لمشروع السودان الجديد؟
- لا.. أبداً أبداً، فمشروع السودان الجديد ذاته يحتضن الإنفصال، والإنفصال لا يشكل عقبة أمامه.
* كيف؟
- الإنفصال يعني إن هذا المشروع سيتم تنفيذه في حيز صغير، ثانياً مشروع السودان الجديد يسعى لوحدة أكبر من السودان، وأصلاً كان سيقود لتذويب دولة السودان الحالية في إطار أكبر، وكل هذه العمليات ستتم، وسيلتقي مشروع السودان الجديد في دولة الجنوب مع الدولة في الشمال وفي مصر ويوغندا وأثيوبيا وأريتريا وسيكون هناك قرن أفريقي أو قارة أفريقية جديدة.
* طموح تصدير المشروع، يشابه نموذج د. الترابي الذي تراجع أخيراً؟
- بكل تأكيد هذا المشروع غير محدد بالسودان، هو مشروع إنساني في المقام الأول وجوهره أن كل اعضاء المجتمع البشري متساوون بصرف النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو الدينية وبصرف النظر عن إختلاف ألوانهم والمناخ الذي يعيشون فيه، وبصرف النظر عن وجودهم في الدولة. فهو مشروع قائم على القواسم المشتركة وهو إنسانيتنا في المقام الأول.
* بالنظر للواقع في الجنوب ألا ترى أن هذه الفكرة مثالية وغير قابلة للنزول من ذهن صفوة من قيادات الحركة إلى واقع الجنوب الذي يعج بالخلافات؟
- وهذا الواقع هو جزء من السودان القديم، ونحن نسعى في أن نبني مجتمعاً جديداً على مفاهيم التي نتحدث عنها، وبالتالي هو مشروع مستقبلي ولكن قابلاً للتنفيذ الآن.
* الوحدة بعد الإنفصال، هل تراها ممكنة؟
- بكل تأكيد هي ممكنة، وربما أقصر الطرق لتحقيق الوحدة هو الإنفصال، فإذا تم إنفصال بين الشمال والجنوب وأقمنا علاقات تعاون طيبة وأحدثنا نقلة نوعية في التفكير وفي شكل العلاقات، وتحولنا من التفكير المأزوم لتفكيك الأزمة وإدارة الصراع لتفكير خلاق يسعى لاكتشاف المصالح وإحترامها.. الانفصال سيقود لطي صفحة الإحتراب والإقتتال في إطار دولة مفلسة من حيث التفكير ومن حيث المشروع، وسيقود لطي صفحة الصراع القادم لسبب عدم القبول بالمساواة وعدم الإعتراف بإنسانيتنا المشتركة، والانفصال سيقود لفتح صفحة جديدة والقبول بواقع المساواة والسيادة في الجنوب والسيادة في الشمال وسنلتفت لكسر الإطار الموحد الذي يتم فيه الآن الصراع وبكسره ينتهي الصراع ويتحول التفكير إلى تفكير خلاق للبحث عن القواسم والمصالح المشتركة وسيتم بلورة هذه المصالح وتتولد طموحات وتطلعات مشتركة بين الشمال والجنوب، والسعي لتحقيق تلك المصالح المشتركة وتبادل المنافع يقود لإقامة علاقات معافاة وبالتالي يحصل الإنجذاب من جديد في إتجاه السعي لتطوير تلك العلاقات لتأتي بثمار يستفيد منها الشمال والجنوب، وبالتالي هذا قد يكون الطريق الأقصر للوحدة.
* ألا ترى أن ما ذهبت إليه تحليل رومانسي ربما ولا يتسق مع الواقع الذي ينذر بحرب حدودية بعد الإنفصال؟
- الحرب الحدودية ستنشأ فقط إذا كانت هناك مطامع من الشمال لاحتلال أراضٍ جنوبية أو العكس. ولكن أنا لا أرى إمكانية لذلك لأننا إتفقنا ان نقبل بإعتماد الحدود بين الشمال والجنوب كما رسمها الاستعمار الإنجليزي في الأول من يناير 1956م وهي حدود واضحة وتم وضع تصور لترسيمها وإحتمال الحرب غير وارد برأيي، وإذا قام سيكون فقط لأن هناك محاولة لإستمرار التفكير القديم.
* كيف تنظر إلى طرح وزير الخارجية المصري للكونفدرالية بين الشمال والجنوب بعد الانفصال؟
- طبعاً الحركة طرحت الكونفدرالية في مفاوضات أبوجا كصيغة لحل الازمة السودانية لكن الانقاذ رفضت المقترح وقتها، فقمنا بطرحها مجدداً في الإيقاد وقدمنا حتى الصيغة القانونية لها فتمت مهاجمتها من الانقاذ والقوى السياسية الأخرى، وبالتالي تم تجاوز الكونفدرالية، والآن لا توجد في إتفاقية السلام الشامل أشكال للعلاقات بين الشمال والجنوب، والمهم الآن تنفيذ إتفاقية السلام، وإجراء الاستفتاء في مواعيده، وقبول وإحترام خيار شعب جنوب السودان إذا إختار الوحدة أو الإنفصال، وبعد ان يختار سيقرر إذا كان الخيار هو الانفصال، ستقوم دولة مستقلة في الجنوب جارة للدولة في الشمال وستقيم الدولتان علاقات، وبعد ذلك قد تدخل في تفاوض عندما يبلوروا مصالح مشتركة، وإذا اكتشفوا إن تلك القواسم والمصالح المشتركة تستدعى بناء هياكل لتحقيق تلك المصالح، فستقام تلك الهياكل، إذا كانت فيدرالية أو كونفدرالية لذا هذا الطرح سابق لأوانه.
* ألا تتخوفون في الجنوب من كونفدرالية بين شمال السودان ومصر؟
- لا أبداً لا نتخوف حتى وإن قرر شمال السودان ان يذوب في مصر ويكون جزءاً من الدولة المصرية كما كان مقترحاً في عام 1956م.
* ما هي مخاوفكم في الدولة الجديدة؟
- لا توجد مخاوف.. فالجنوبيون يريدون أن يقرروا مصيرهم وهم لا يتخوفون وانما يوعدون أنفسهم بفرح.
* يتحدث البعض عن فيتو لأبناء أبيي في الحركة لنقض كل ما يتم الاتفاق عليه؟
- هذا غير صحيح، فأبيي وأهلها من أكثر المهمشين تضرراً من الدولة السودانية.
* واضح أنكم ترهنون في الحركة أشواق ملايين الجنوبيين في ميلاد الدولة الجديدة برقعة جغرافية يتراوح سكانها بين (30-80) ألفاً فقط؟
- زي كأنك بتقترح للجنوبيين ان يحققوا أشواقهم بمساومة وبيع حق آخرين«؟!
* أنا لا أقترح، فقط أسأل وأتحاور معك؟
- ضحكنا.
* ما الذي تم التوصل إليه حتى الآن في مباحثات الشريكين حول الملف؟
- نحن الآن نعمل لبلورة إطار عام لشكل علاقات إستراتيجية بين الشمال والجنوب، وفي هذا الإطار العام نجد حلاً لكل القضايا العالقة سواء أكان أبيي أو ترسيم الحدود أو قبول نتيجة الاستفتاء، عدم العودة للحرب، قيام علاقات أخوية بين الشمال والجنوب.
* كيف تنظر إلى تعدد المنابر التفاوضية في موضوع أبيي في أديس وواشنطن والنمسا وجوبا وهنا في الخرطوم؟
- المجتمع الدولي كله مهتم بالقضية ويقدم مبادرات وجهداً لتجاوز الأزمة، والحاصل أن الوطني أخذ قضية أبيي ومجمل عملية تنفيذ الاتفاقية كرهينة، فهو يتعامل بعقلية القراصنة وغير واضح في شكل المطالب التي يطرحها كفدية للتحرير، وهي مطالب من الحركة ليس من الحركة أو الجنوب فحسب، بل من طرف ثالث هو الولايات المتحدة وآخرون وهذا هو التعقيد الكبير.
* هل ترى من الممكن إجراء الاستفتاء في الجنوب من غير أبيي؟
- نحن طبعاً مع إجراء إستفتاء متزامن في الجنوب وأبيي إلا إذا توصلنا إلى حل بتحويل أبيي إلى جنوب السودان بقرار رئاسي أو جمهوري كما تم ضم أبيي إلى كردفان بقرار مماثل.
* وهل ترى صدور مثل هذا القرار ممكناً؟
- نعم، ممكن.
* يتوقع البعض ان يتحول الجنوب الذي بدأ منذ الآن في إحتضان مسلحين من دارفور، إلى دولة مشاغبة؟
- هذا غير صحيح، فالجنوبيون أكثر الناس إكتواء بالحروب، وإذا سمح لهم في نهاية المطاف، وبعد صراع طويل بتقرير مصيرهم، فإن خيارهم سيكون لمجتمع آمن ويستشعرون من الفرصة التاريخية في إعادة بناء حياتهم وستكون دولة تسعى لإقامة علاقات سلام وجيرة طيبة ليلتقوا لإعادة بناء حياتهم التي حطمتها الحرب، ولن يكون الجنوب دولة مشاغبة بأي حال من الأحوال.
* لماذا تحتفظون بمنى أركو مناوي؟
- لا أحد يحتفظ بمنى، فهو مواطن سوداني ذهب إلى جوبا، ولكل السودانيين حرية التنقل في السودان.
* أنت تتحدث عن منى وكأنه مواطن عادي أو تاجر شمالي ذهب ليبيع شيئاً في الجنوب، فللرجل وضعية سياسية وله مشكلة مع الحكومة يجعل مجرد بقائه في جوبا يرسل رسالة محددة؟
- لماذا يشكل وجود مني في جوبا هاجساً، فهو مواطن سوداني وله الحق في أن يذهب إلى جوبا، وهل يصح ان نمنع مني في المطار من دخول جوبا لأن لديه مشكلة مع الحكومة؟
* ولكن مني يحظى بضيافة حكومة الجنوب وكرمها المعهود المناوئ الوطني؟ والحكومة المركزية؟
- مني رجل في الدولة، ومن المهم ان يتم استقباله.
* كيف تنظر إلى مستقبل المؤتمر الوطني في الجنوب بعد الإنفصال؟
- وليه يا أخي، هذه مهمة المؤتمر الوطني وهم من ينظرون إلى مستقبلهم في الجنوب طبعًا حسيتمروا كحزب في الجنوب إذا قرروا ذلك وسيكون لهم الحق والعمل والوجود في جنوب السودان وإذا قرروا تصفية وجودهم في جنوب السودان فهذا من حقهم.
* وأضح انكم استخدمتم مؤخراً تكتيكات كان يستخدمها الوطني في استقطاب ومنح عضوية الاحزاب كما حدث في مجموعة أليسون مناني مقايا مؤخراً؟
- نحن لم نستفد من تكتيكات الوطني في إستمالة الآخرين، إنما الحاصل ان الوطني كحزب في ازمة حقيقية وبدأت مجموعات كبيرة تخرج منه والآن هنالك تيار جارف من العضوية خارج من المؤتمر الوطني ومتجهين للحركة الشعبية والأحزاب الأخرى.
* ألم تستقطبوهم، أو تغروهم بالمناصب في الوضع الجديد؟
- لم نستقطب شخصاً واحداً على الإطلاق فهم وصلوا إلى قرار فالوطني في أزمة.
* كيف تنظر إلى مستقبل قطاع الشمال في الحركة إذا كان الخيار إنفصالا؟
- إذا كان الخيار لشعب جنوب السودان هو الإنفصال ستقوم دولتان، وستجد الحركة الشعبية نفسها كحزب في الدولتين، وأتوقع ان نقوم بتطبيع أوضاعنا لنكون حزبين مستقلين في دولتين، ولكن سنحافظ على نفس المشروع والفكر والمنبر، وسنكون حزبين متعاونين، ومتوحدين في الفكر والرؤى، وسنكون مثل الحركة الإسلامية موجودة في السودان ولكنها رافد من الحركة الإسلامية العالمية والمصرية على نحو خاص.
* لكن مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان، قال في حوار مع (الرأي العام) ما معناه بعد الانفصال (لا وطني في الجنوب لا حركة في الشمال) بهذه المسميات؟
- هذا غير صحيح، لان هناك حركة إسلامية سودانية موجودة، وحركة إسلامية في مصر وأخرى في فلسطين، وكذلك حزب العمال في بريطانيا وحزب العمال في النرويج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.