ستة وخمسون عاماً مضت على ما حدث في عنبر مزارعي جودة قرب مدينة كوستي… جموع من المزارعين بلغ عددهم 194 اسلمت الروح الى بارئها تشكو الغبن والظلم… تلك احداث مزارعي جودة التي وقفت عندها صحيفة الايام في عدديها الصادرين في يومي الاربعاء والخميس 19 – 20 فبراير عام2003.. بملف ضافي ودقيق اعده وجمعه وقدمه النقابي الاخ حسن العبيد مدني.. وكم كانت وقفة جادة ومفيدة لا سيما في ايامنا هذه.. بالامس وقفت على الشاعرصلاح احمد ابراهيم في تصوير احداث عنبر جودة في قصيدة (عشرون دستة) واواصل اليوم مع قلم الاستاذ بشير محمد سعيد في تصوير ذاك الحدث. جاء في الملف الذي اعده الاخ حسن العبيد الآتي: - الايام الجمعة 1956/2/24العدد 725. بشير محمد سعيد يروي حقائق مأساة كوستي. - يطلبون الماء والهواء فيسخر منهم البوليس.! - القاضي يطلق سراح نصف المتهمين ويرحلون الى قراهم. - المحامون يسيرون في موكب لمجلس الوزراء ويطالبون باستقالة الحكومة. - ثلاثة من السجناء يصفون المأساة «للأيام». اطلق القاضي عبدالرحمن النور امس سراح 312 من معتقلي مشروع جودة وبقي بالسجن 236 ما زال التحقيق جاريا معهم وبدأ قمندان البوليس التحقيق مع رجال البوليس المسؤولين عن المأساة تحت اشراف القاضي ومدير البوليس ووصل ضابط المباحث زيادة ساتي للتحقيق في كل القضية وسيفرغ غدا، وقد تحدث بشير محمد سعيد الى اولئك الذين نجوا من الموت فكتب يصف مأساتهم المريعة فقال: = بدأ صباح اليوم (امس) التحقيق في الاسباب التي ادت الى مقتل 189 رجلا من مزارعي مشروع جودة الذين القي القبض عليهم على اثر الصدام الذي وقع يوم الاحد وقد تأكد بصفة غير رسمية ان هؤلاء الرجال ماتوا بالاختناق ودفن كل عشرة منهم في مقبرة واحدة ولم تقم لهم المراسم التي تقام عادة للموتى..! وعلمت ان هؤلاء الضحايا ومائة آخرين القي عليهم القبض مساء الثلاثاء بمنطقة جودة ونقلوا الى كوستي ونزلوا في معسكرات جديدة تعدها السلطات هنا لفرقة الجيش التي تقرر انشاؤها بكوستي. قبورالأحياء!: وادخل هذا العدد الضخم من المعتقلين في حجرة مساحتها 120 مترا مربعا بمعدل اقل من نصف متر مربع للشخص الواحد وكانت جميع النوافذ محكمة الاغلاق وقد حاولوا في باديء الامر الخلاص من هذا الحال واستعانوا بالحرس الذي كان خارج العنبر ولكن دون جدوى فحاولوا تكسير النوافذ وتحطيم الابواب فعجزوا وقد وجد الدليل في ايدي الموتى واقدامهم المجروحة الدامية، وقد زاد في الاشكال ان العنبر كان مظلما خانقا مما جعلهم يتخبطون في النهاية دون هدى..! ٭ ميتة شنيعة..!: وقد مات بعضهم وهو يجلس القرفصاء ومنكبا على وجهه او متعلقا بتلابيب رفيقه وعلمت ان على رأس الذين اشرفوا على ادخالهم السجن ضابط البوليس وضابط السجن وعجبت، فقد حوى هذا المعسكرعددا كبيرا من الحجرات كان يمكن ان يوزعوا فيها..! وتمكنت من الحديث مع ثلاثة من الذين رغم نجاتهم من الموت بأعجوبة فان الخطر ما زال محدقا بهم…! تحدثت اليهم في المستشفى حيث حاول الاطباء انقاذهم.. وكان محدثي الاول هو محمد جديد «مسيري» «لقاط» وكان يتحدث في مشقة وعسر حتى كنت اشفق عليه فأتم ما بدأ فيوميء بالموافقة..قال ان البوليس جاء بهم الى ذلك السجن ولم يسمح لهم الا بكوب ماء … وكان هو قدظل بلا طعام اربعة ايام كاملة..! ولم يسمح لهم البوليس بأي طعام..!! ثم قال بإنهم كانوا يرقدون فوق بعضهم البعض..!! ثم قال بإنه فقد وعيه بعد قليل ولم يصح إلا في المستشفى صباح امس.. موتوا مرة واحدة…!: وكان محدثي الثاني هو حسين محمد برقاوي «لقاط» من حلة مجمجم وكان مجهدا كزميله ولكنه قال في اعياء انهم كانوا يصيحون ادونا موية..! موية يا مسلمين… !! ويجيئهم الرد من خلف الاسوار: موتوا مرة واحدة..!!! وقال إن العرق ظل يتصبب من اجسادهم حتى فاض به بلاط العنبر واكد هذه الرواية احد الممرضين الذين اشرفوا على نقل الجثث ومضى الذي نجا من الموت قائلا: انهم بعد الاستغاثة حاولوا كسر النوافذ ولكنهم فشلوا وكانوا في محاولة يسمعون نفس الرد.. (موتوا مرة واحدة)…!!!! أما الممرض فقد اضاف انهم لم يستطيعوا التمييز بين الموتى والأحياء الا بعد لأي..! وكان محدثي الثالث هو محمدين برقاوي مزارع وقد جاء حديثه مشابها لزميله الا انه اضاف انه عندما ساء الامر وبلغ اليأس مداه، اصيب بعض زملائه الذين استشهدوا بموجة هستيرية «جنون» وكان الواحد منهم يقفز على اجساد الآخرين او جثثهم ثم يقع صريعا صارخا صرخة الموت..!! وقال محمدين هذا في أسى ولوعة انه لم يستطع ان يقدم اي عون لرفاقه الذين ماتوا فقد كان اضعف من ان يفعل شيئاً حتى وقع مغشياً عليه الى ان صحا في المستشفى…!! هذا مع تحياتي وشكري…