التحرك الذي بدأته الخرطوم مع كل من، انجمينا ، بانقي وربما طرابلس لخلق تحالف عسكري – في ظاهره تأمين الحدود – ولكن في عمقه ضرب الثورات القادمة في المنطقة التي تموج في هذه الدول بما ذلك ليبيا التي شهدت ثورة الاطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي ( البشير الذي لا يحترم ادمية الانسان حتى في ممات القذافي قال كلاماَ منفراً لا يحترم الموتى ) ، وستشهد ليبيا ثورة اخرى في وقت قريب ، حيث تعصف الخلافات بين حلفاء الامس من الثوار ، والمواجهات المسلحة اصبحت اللغة الوحيدة بينهم ، ورغم ان هناك خلاف جوهري بين طرابلس وانجمينا ، الا ان المصائب تجمعن المصابينا ، ويبدو ان الخرطوم تلعب على هذا الخلاف والتناقض لتعزيز تحالف الاضداد ، حتى تمسك هي بكل الخيوط ، ولو الى حين ، لكنها الان جمعت هذه الاطراف لعقد تحالف عسكري جديد ، ربما يكون شبيهاً للتحالفات التي كان يصنعها العقيد القذافي في فترات مختلفة من حكمه ومع دول مختلفة ، مثل الوحدة الليبية – السودانية والمصرية في بداية السبعينيات ، والتحالف مع تشاد وافريقيا الوسطى ومالي ، لكن جميع هذه التحالفات لم تعصمه ، واخرها تحالفه مع انجمينا قبيل سقوط حكمه ، تدفع الان ثمنه حكومة ادريس ديبي . وبعد ان فشلت الخرطوم في الاطاحة بنظام ادريس ديبي في فبراير من العام 2008 ، جسرت علاقاتها مع الرجل وقدمت كل ما يمكن تقديمه بدءاً من ضرب قوات المعارضة التشادية التي كانت تحتفظ بها في فيافي دارفور الى تسليم قادتها الى انجمينا ، ولا يعرف لهم مصير ، وردت تشاد التحية باحسن منها ، حيث تتهمها دوائر كثيرة بانهاء وراء اغتيال الدكتور خليل ابراهيم ، وبخطوتها تلك فانها وضعت نفسها امام فوهة بندقية القبيلة ، رغم ان ديبي لجأ الى ملاذ التصاهر مع قبيلة اخرى لها صراعاتها في دارفور مع حركة العدل والمساواة ، لكنه ايضا راى ان يضع بيضه في سلة البشير بتحالف عسكري يؤمن للرجلين حدودها ، كما ان البشير بذلك يضمن قوة عسكرية تعرف الصحراء الغربية لمواجهة ما يمكن ان يهدد الخرطوم ، الى جانب ان البشير يريد ان يستخدم تلك القوات في اي حرب قادمة مع جنوب السودان . الملفت هنا ان حلم الخرطوم والتي تواجه ثورة مسلحة شرسة من الجبهة الثورية السودانية بانها تسعى الى ” ان تكون تجربة القوات المشتركة السودانية التشادية والافريقية الوسطى نواة للجيش الافريقي الموحد اسوة بقوات حلف شمال الاطلسي ( الناتو ) ” ، وهي ذات الاحلام كانت تراود القذافي خلال فترة حكمه بانشاء الولاياتالمتحدة الافريقية ، وقد صرح قائد القوات المشتركة السودانية التشادية العقيد فتح الرحمن عبد الله سليمان وهو من القوات المسلحة السودانية ( انظر موقع قناة الشروق في الخامس من مارس 2012 ) ، ويا للمصادفة فان قائل الحلم الاخير هو ايضاً برتبة عقيد ! واللافت ايضاً ان الغرض من التحالف بحسب ما صرح به ذات العقيد ، انهاء نشاط الحركات المسلحة في الحدود ، وهذا يعني ان القوات التشادية تتدخل في شؤون السودان الداخلية عسكرياً ، رغم ان هذا البروتوكول لم يصادق عليه البرلمان ، كما ان الخرطوم تسعى ومنذ وقت ليس بالقصير انهاء مهمة البعثة المشتركة للامم المتحدة والاتحاد الافريقي ( يوناميد ) ، حيث نوه العقيد فتح الرحمن الى ” ان القوات المشتركة ( السودانية التشادية ) نجحت في التواصل المباشر مع المجتمعات على الحدود الامر الذي فشلت فيه القوات الاممية ” ( المصدر السابق ) ، ولعل هذا ما يفسر التوتر بين الخرطوم وبعثة اليوناميد ، رغم ان الشكوك التي تحوم حول رئيس البعثة ابراهيم قمباري الذي يعمل تحت امرة رئاسة الجمهورية في الخرطوم ، وكذبه الفاضح حول الاوضاع في دارفور بانها مستقرة وآمنة، لكن عمليات الخطف والقتل لجنود البعثة – ولانهم افارقة فيسهل قتلهم ولا بواكي لهم في حين ان الغربيين في المنظمات الدولية الذين يتم خطفهم يعودون سالمين – ولم يسأل السيد ابراهيم قمباري يوماً في اي من تقاريره التي يردد فيها بان الاوضاع مستقرة والتعاون مع الحكومة في قمته ، من الذي يقوم بعمليات الخطف والقتل حيث لا وجود للحركات المسلحة بحسب مزاعم قمباري ؟ قد لا تخوض دولتا السودان وجنوب السودان حرباً مباشرة في القريب المنظور ، رغم الارهاصات هنا وهناك والاعتداءات المتكررة من قبل الحكومة السودانية على دولة الجنوب الحديثة بالقصف الجوي واحتلال الاراضي تشير الى ذلك ، ولكن الخرطوم تعمل على ترتيبات مع دول الاقليم ، من تشاد وليبيا الى افريقيا الوسطى التي يوجد بها جيش الرب الارهابي ، واستراتيجية النظام السوداني تقوم على ان الحدود مع تشاد تقلل من فعالية المعارضة المسلحة بوجود قوات تشادية تعمل جنباً الى جنب مع القوات السودانية ، وفي السابق كانت المعارضة التشادية تعمل مع القوات السودانية ايضاً في دارفور حيث يذكر المواطنون في شمال دارفور وفي منطقة الصياح الاستهداف المباشر من قبل قوات المعارضة التشادية لهم ، وفي الجانب الاخر فان افريقيا الوسطى التي لديها حدود ايضاً مع دولة جنوب السودان ، يوجد ايضا جيش الرب الارهابي الذي ما زال يتغذى من ثدي الخرطوم ، فان الاخيرة ستعمل على مواصلة الدعم وزعزعة الاستقرار في تلك الناحية باقليمي غرب الاستوائية وغرب بحر الغزال ، وبمشاركة قوات افريقيا الوسطى وجيش الرب ومليشيات الجنجويد ، ويهدف السودان من ذلك فرض امر واقع في مواصلة احتلال اراضي تقع في دولة الجنوب مثل كفياكانجي ، حفرة النحاس ، تمساحة وجميعها في غرب بحر الغزال .