قلنا من قبل، ونقول الآن، إن صراع مجلس الصحافة واتحاد الصحفيين حول جثة السجل الصحفي لا تهم الصحفيين في شئ، ولن تؤثر في أوضاعهم ومهنتهم سلبا أو إيجابا، ولن تضيف لهم شيئا، سواء بقي السجل مع الاتحاد أو عاد للمجلس. هذا السجل معيب وهو واحد من أسباب ابتلاءات هذه المهنة، وقد بدأ المجلس تخريب المهنة باللوائح والقيود التي وضعها للكتابة فاشترط على كل من يكتب أن يصبح صحفيا، وهو شرط غريب يتعارض مع أبسط مبادئ حرية التعبير العالمية والمحلية الواردة في دستور السودان، ثم استمر الاتحاد في نفس الضلال وجعل منه دكانا يجني منه الأموال، فضاعت مهنة الصحافة بينهما. تفصل كل مجالس ونقابات الدنيا بين من يريد كتابة رأي في صحيفة وبين من يريد احتراف العمل الصحفي، الأول يمارس حرية التعبير، لا قيد عليه في ذلك إلا القوانين العامة، ثم رضاء الصحيفة أن تنشر له عموده أو مقالاته. أما الثاني الذي يريد احتراف المهنة فمن الممكن أن تضع الأجسام النقابية أو المهنية بعض الشروط والقيود التي تبتغي الارتقاء بالمهنة وقبول المؤهلين للعمل الصحفي. لو حدث هذا من البداية لانحصرت عضوية الصحفين في الممارسين لمهنة بحسب التعريفات المتداولة لمفهوم الصحفي، وباستصحاب التطورات الاخيرة في التعريف. لكن ما حدث هو اختلاط حابل السجل بنابل عضوية الاتحاد، فانضم آلاف من الموظفين المحترمين في دواوين الدولة المختلفة وموظفي العلاقات العامة، المحترمين أيضا بلا شك، ومنتسبي القوات النظامية المختلفة، لسجل الصحافيين وعضوية الاتحاد، حتى قاربت العضوية خمسة آلاف عضو، بينما لا يتجاوز عدد الصحفيين الحقيقيين ألف وخمسمائة صحفي لا غير. القضية الحقيقية والمهمة هو كيف يمكن تصفية السجل الصحفي وإخراج غير الصحفيين منه، وكيف تبقى هذه المهنة لمنتسبيها الحقيقيين دون زيادة أو إضافات. وقد سألتني صحفية نشطة عن رأيي فقلت لها ما هو مكتوب هنا، وزدت :إن تحققت هذه التنقية فلا يهم بعدها إن كان السجل عند المجلس أو الاتحاد أو حتى شرطة المرور. ومؤسف جدا أن يعلن الاتحاد أنه انسحب من عضوية اللجنة التي تناقش قانون الصحافة الجديد نتيجة لإضافة مادة تسحب السجل من الاتحاد، بما يعني تقليل موارده المالية، وهذا ما يهمه. ما يهم قاعدة الصحفيين هو أن هذا القانون يعد بليل في غرف مغلقة، وهو بحسب ما ورد من تصريحات كثير من المسؤولين يستهدف مزيدا من التضييق على الصحافة والصحفيين وفرض مزيد من القيود. هذه هي المعركة التي سيخوضها الصحفيون حال إعلان هذه المسودة، سيتقاطرون ويتجمعون دفاعا عن المهنة وعن حرية التعبير، ورفضا للقيود وللرقابة بكل أشكالها. ما يهم الصحفيون هو كيف تؤدي الصحافة رسالتها نحو الشعب والوطن، كيف تصبح عين الجماهير على الحكومة، وكيف تمارس الرقابة الشعبية على كل الأجهزة العامة. فليتصارع الاتحاد مع المجلس كيفما وأينما شاء حول عائدات السجل الصحفي، هذه معركة وهمية لا تهم أحدا من الصحفيين ولا تخصهم، أنما ما يهم فهو كيف نضمن للصحافة حريتها واستقلاليتها وشرفها المهني والوطني.