بقلم: الدكتورة سعاد موسى، عميدة كلية علم النفس – جامعة الأحفاد. تقديم وتعليق: شوقي إبراهيم عثمان مكونات الشخصية: الشخصية عبارة عن مكون له سلوك وظيفي وليس لها وجود تشريحي، فلو قمنا بتشريح الإنسان لوجدنا أن الكبد أو الكلى أجهزة موجود ولها وظيفة، أم الشخصية فليس لها وجود تشريحي ولكن لها وظيفة واضحة، فتعريف العلماء للشخصية أنها مجموعة من الصفات والسمات التي يرتبط بها الشخص وتميزه عن الآخرين، فما الذي يميز الإنسان السوداني عن المصري، واللبناني الخ؟؟ ولذلك فالشخصية ليس لها تركيب تشريحي ولكن لها وظيفة. فكيف تتكون هذه الشخصية؟ لأن تركيبها اعتراضي، فالناس تعتقد أن الشخصية تتكون من عدد من الأجزاء (يسري فيها الوجود الجسدي)، فشكل الإنسان (طويل القامة، أو نحيف أو أبيض أو أسود) يسهم في تكوين شخصيته. الجزء الآخر هو اهتمام الإنسان بنفسه، وتقديره لذاته ومفاهيمه واتجاهاته ومعارفه وقدراته ومهاراته العقلية المختلفة. وهنالك مكون آخر من مكونات الشخصية هو المكون الاجتماعي، فكيف يتعامل هذا الجسد (الإنسان) مع المجتمع من حوله، مع أمه وأبيه وأهله. هذه كلها مجموعات تسهم في تكوين الفرد، بالإضافة للمكون الروحي وعلاقة الإنسان بالخالق والقوى العليا، وهي قوى أكبر من قدرة الإنسان وتسيطر عليه. فالمكونات هي أربعة: (المكون الجسدي، والعقلي، والاجتماعي والروحي). سلالة قوية جينيا: السودان بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات، وإنسان السودان هو نتيجة لهذا التعدد، وهو خليط من الأجناس المختلفة المتلاحقة، ولذلك فهو إنسان قوي البنية خالي من الأمراض. فالسودانيون يمتازون بهذه الخاصية، وعلى الرغم من تدهور الوضع السياسي، والاقتصادي والنواحي الغذائية والأمراض المنتشرة بينهم فإن السلالات السودانية هي سلالات قوية، ولهذا فمن صفات السودانيين الشجاعة والإقدام وعدم الخوف، ويقدمون المساعدة للآخرين، ولهم القدرة الجسدية على ذلك. ضعف المكون النفسي: في الجانب الاجتماعي عرف السودانيون بالسماحة والطيبة والتعاون والشهامة، وهي صفات في أحايين كثيرة غير منطقية (كأن يطلب من شخص متعب إنجاز عمل معين أو محدد، فيقوم بإنجازه خوفا من إحراج الآخر)، بعض الناس قد لا يرون ضيرا في هذا السلوك، ولكنه يكون خصما على الشخص، خصما على وقته وجهده، وهذا الشكل الاجتماعي يجعل من السودانيين يتساهلون في حقوقهم، فتسمع مفردات (ربنا كريم) و (معليش). الشخصية السودانية لا تفكر بصورة تحليلية (وهذا يعتبر أضعف مكون فيها)، لذلك فالتغييرات في الشخصية تكون بطيئة جدا، حيث تغيب المراجعة ونقد الذات، والسوداني نمطي، ويستطيع أن يضحي ويساعد ويؤثر لكنه في ذات الوقت قد يعجز عن مساعدة نفسه، وهذه مسألة فيها خلل كبير، فصفات كالكرم ارتبطت قديما بالسوداني لأن وضعه آنذاك كان ميسرا حيث كانت الحياة بسيطة وسهلة. لكن الوضع تغير الآن وصارت الحياة معقدة، ولذلك ظهرت بعض الصفات كعدم القدرة على التحمل والصبر الطويل، وأصبحوا لا يطيقون صبرا على المشاريع والخطط التي تستغرق وقتا طويلا للإنجاز – فيمكن للسوداني أن ينشئ مصنع للمياه الغازية مثلا حيث ينتج الكمية الأولى بمواصفات فائقة الروعة، لكن سرعان ما تقل وتتدهور. ولذلك فنادرا ما تجد سودانيا يعمل عملا توارثه عن أبيه وأن يورثه لأبنائه. إن المكون النفسي للشخصية السودانية ضعيف، فكثيرا ما نسمع عن طيبتهم وعاطفتهم ولكننا لا نكاد نشعر بها في تعاملهم مع أطفالهم مثلا، أو في إظهار هذا الحب وهذه العاطفة الجياشة فلا تستطيع أن تميز أي نوع من العاطفة يحملونها لك. هذه المسميات ينبغي أن لا نعتمد عليها كثيرا، ويفترض أن تكون لنا صفات واضحة، كأن نكون طيبين في حدود ما تقتضيه الطيبة، وكرماء فيما يقتضيه الكرم، وشجعان في حدود ما تقتضيه هذه الشجاعة، وأن نكون أشرار في الأوضاع التي تتطلب ذلك. فالإنسان الذي له القدرة على التشكل حسب الظروف المحيطة به هو الشخص السوي والمعافى والذي له قدرة أفضل في التعامل مع الأشياء، والشخصية السودانية تأخذ اتجاهات مختلفة في التعامل مع الأمور عندما تزداد عليها الضغوط، حيث نجد أن هنالك شخص قد يهرب من فشله الأسري بنجاحه في عمله فيبدو ظاهريا ناجحا، وهناك آخر صاحب نفس ضعيفة في مكوناته ينحى للإدمان، أو ينحي للمرض (كثرة الشكوى عند النساء). من أهم السلبيات لدى السوداني أنه لا يتقبل النقد ويحب ويميل إلى الشخصية التي تمدحه حتى وإن عرف أنه ليس كذلك، لكن تجد أن شعوره العام يتسم بالراحة النفسية والانبساط. واحدة من المسائل المهمة المتعلقة بالشخصية السودانية أن المسؤولية في المجتمع ليست فردية، لذلك فالسودانيون دائما ما يرمون الفشل على شماعة ضعف الإمكانيات والظروف الضاغطة، ونتيجة لعدم تربية الشخصية على تحمل المسئولية، ارتبطت بها صفة الكسل، لذلك لا تحرص الشخصية السودانية على تقسيم العمل باختصاصات واضحة، فتتجنب المحاسبة. أما عن عدم وجود روح المبادرة فلأن تقديرهم لذاتهم منخفض، ولذلك يعرف السودانيون بالتواضع، وهذا التواضع ناجم عن الإحساس بالذات منخفض، وهذا ناتج من جراء التنشئة التي يكون فيها مبدأ العقاب عند الخطأ طاغيا، حيث لا يقدم المرء على أمر حتى يقدم عليه الآخرون. لذلك يخاف السوداني من المبادرة والتجربة وأن يوصف بأنه قليل المعرفة، على عكس الأوروبي الذي يعترف دائما أنه يتعلم، على الرغم أن للسودانيين مهارات ومقدرات عالية إن وجدوا ظروف أفضل، ودونك السودانيين الذين هاجروا إلى دول الخليج وأسهموا في بناء هذه الدول والارتقاء بها. كذلك من السلبيات التي تتسم الشخصية السودانية بها أنها غير واضحة في التعبير عن المشاعر، سواء أكانت فرح أو حزن، بمعنى أكثر وضوحا أنها لا تعكس ما يعتمل داخلها. ينبغي للسودانيين أن يعترفوا بعيوب شخصياتهم، هل هذا الكرم كرم حقيقي أم كرم رياء، وهل الطيبة هي طيبة حقيقية أم عدم مبادرة. كل هذه الصفات ينبغي أن نعرف هل هي تعبير حقيقي عن منبعها وأصلها أم لا. وعن العنف!! السودانيون مسالمون وليسوا عنيفين، والعنف يحتاج لأرضية ليقوم عليها، ويحتاج لفرد جريء ومبادر وسريع الغضب وهي صفات غير موجودة البتة عند السوداني، لكن هذا لا يمنع وجودها مستقبلا، فبمرور الزمن وبوضعه في ظروف معينة يمكن أن يكون السوداني عنيفا، وكل هذه الصفات يمكن اكتسابها بالتدريج وعلى حسب الظروف المحيطة، ويمكن اكتسابها بسرعة عند الأطفال. التربية ما بين المدرسة والبيت!! تغيير الشخصية وارد لأن هذه الصفات ليست وراثية أو بيولوجية وإنما بيئية. كثير من الصفات تم اكتسابها وتوارثها بيئيا، حيث ساهمت طريقة التربية والأساليب التعليمية في ذلك، فالمدارس المناط بها مساعدة الأسرة في تربية الأبناء تقلص دورها كثيرا، وأصبحت الأسرة شريكا للمدرسة في تربية الأبناء، رغم أن دور المدرسة مهم للغاية بحكم إنها أكثر تنظيما، ولها برامج متخصصة، ومشرفين مدربين، ولأننا لا نضمن أن تكون كل الأسر في مستوى تعليمي واحد. إن من أهم جوانب التربية أن يعلم الطفل الذي يعاقب أن العقاب للفعل وليس (لذات) الشخص أو لإيذائه، وأن يعرف السبب الذي عوقب من أجله والسلوك البديل الذي ينبغي أن يسلكه، ومعظم إشكاليات الشخصية تنتج عن انعدام الحوار والأسرة والطفل، حيث تتم تربية الأطفال بالأوامر والنواهي دون أن يكون هنالك حوار أو نقاش. بعض الصفات السودانية لا أصل لها، وهي سلوكيات معينة أصبحت عادة بمرور الزمن، ويجب أن نعيد ترتيب هذه الصفات التي نملكها بحيث يكون لديها البعد المعرفي والروحي والمعنوي لتكون راسخة أكثر، ويقوم عليها الشخص لأنها نابعة من دواخله لا مملاة عليه من الخارج. تنتهي هنا مقالة الدكتورة سعاد!! من جانبنا لا نرغب سوى التعليق على الفقرة التالية من مقالتها: (واحدة من المسائل المهمة المتعلقة بالشخصية السودانية أن المسؤولية في المجتمع ليست فردية، لذلك فالسودانيون دائما ما يرمون الفشل على شماعة ضعف الإمكانيات والظروف الضاغطة، ونتيجة لعدم تربية الشخصية على تحمل المسئولية، ارتبطت بها صفة الكسل، لذلك لا تحرص الشخصية السودانية على تقسيم العمل باختصاصات واضحة، فتتجنب المحاسبة. أما عن عدم وجود روح المبادرة فلأن تقديرهم لذاتهم منخفض، ولذلك يعرف السودانيون بالتواضع، وهذا التواضع ناجم عن الإحساس بالذات منخفض، وهذا ناتج من جراء التنشئة التي يكون فيها مبدأ العقاب عند الخطأ طاغيا، حيث لا يقدم المرء على أمر حتى يقدم عليه الآخرون. لذلك يخاف السوداني من المبادرة والتربة وأن يوصف بأنه قليل المعرفة، على عكس الأوروبي الذي يعترف دائما أنه يتعلم..). لم تستطع الدكتورة تفسير لماذا المسئولية لدى الشخصية السودانية في المجتمع ليست فردية!! وبالرغم من أهمية قولها التالي: “نتيجة عدم التربية على تحمل المسئولية الاجتماعية”، نقول، وحتى التربية الاجتماعية والقيمية والسلوكية إن وجدت قد تكون عديمة الأثر في بنيات اجتماعية social formations محددة وقاطعة. هذه البنيات الاجتماعية هي ما نود شرحه، فالبنية الاجتماعية مثلها ومثل أي بنية أخرى لها مكوناتها، ومكونات البنية الاجتماعية الفرد الاجتماعي، ولكن الأهم للبنية قانونها الداخلي. ومثال للبنيات الأخرى لمقاربة الفهم، تعتبر اللغة بنية بذاتها وكذلك الرياضيات بنية، وكلاهما له قانونه الداخلي؛ في اللغة تعتبر الصوتيات phonemes وعلم النحو syntax وغيرها هي القوانين الداخلية للغة ما بصفة اللغة بنية محددة، وتحدد هذه القوانين كيفية ترميز الصوت بحروف، وكيف تتحدد الكلمات بترتيب الحروف بشكل معين، ثم كيف تشكل الجملة بواسطة علم النحو الخ ولتقريب المطلوب، نشير إلى أن البنيات الاجتماعية في المدن تختلف عنها في الريف أو الأرياف. وتتمحور دراسة علم النفس الاجتماعي حول علاقة الفرد بالمجموع والمجموع بالفرد بحيث يشكل المجموع بنية اجتماعية محددة. تنمو في المدن فردية individuality الشخص الاجتماعي بدرجة عالية – خاصة المدن الكبيرة وأشارت الدكتورة سعاد إليها بالأوروبي- وبمعزل عن المجموع وبشكل مستقل، وعكس شخص المدينة لا يستطيع شخص الريف إلا العيش داخل جماعة ومجموعات communities & groups. في الريف يكون ارتباط الشخص بالقبيلة أكبر، ثم جماعة القرية، ثم الحلة ثم العائلة بشكل قوي ومتداخل، ولا يستطيع أن ينفك من قوانينها الداخلية، وإذا احدث اضطرابا بتسفيه قيمها عبر التمرد مثلا يتم لفظه أو عقابه. هذا التحليل البنيوي هو الذي يفسر ضعف المكون النفسي للشخص السوداني، فالسوداني ما يزال ريفيا مقارنة بالمصري واللبناني؛ حتى ساكني الخرطوم والمدن الكبيرة يغلب عليهم الطابع الريفي. وهذا يفسر لماذا لا يستطيع الشخص السوداني أن يقول لا في المواقف الاجتماعية التي قد تتضرر فيها مصلحته أو قد يضيع وقته فيها، أو تنعدم فيه روح المبادرة، أو يهرب من المسئولية الفردية ويعلق مشاكله أو فشله على الغير، ثم ذلك الإحساس المنخفض للذات، حيث لا يقدم المرء على أمر حتى يقدم عليه الآخرون. وعند هذه النقطة تقول الدكتورة سعاد: وهذا ناتج من جراء التنشئة التي يكون فيها مبدأ العقاب عند الخطأ طاغيا!! لا نتفق معها تماما!! ولقد خلطت الدكتورة ما بين قانون البنية الاجتماعية وما بين التنشئة!! فقضية السلبيات كما شرحنا لا تتعلق بالتنشئة فقط بقدر ما تتعلق بقانون البنية (أي قيمها) الذي لا يسمح كأن يتمرد عليه أحد مكوناتها. كل هذه السلبيات من ضعف المكون النفسي، وضعف روح المبادرة الخ هي ناتجة لتضحية الشخص الريفي بطموحاته الفردية لصالح إرضاء المجموعة أو الجماعة أو العائلة الصغيرة أو الكبيرة أو القبيلة، وإلا يتم لفظه من قبل هذه المجموعات!! وفي هذا الصدد هنالك نقطة شيقة. فعندما يحدث التصادم ما بين الفرد وقيم المجموع أو المجموعة الخ تستفز طاقة الفرد العاطفية أو الانفعالية، وكأي من صور الطاقة يكون للطاقة العاطفية أو الانفعالية أيضا اتجاه، فنجد علماء النفس الاجتماعي والسلوكي يميزون ما بين اتجاهين لحركة الطاقة الانفعالية، فشخص المدن الكبيرة المعقدة مثلا القاهرة، لندن ونيويورك الخ تتجه طاقته الانفعالية نحو الخارج emotion بينما شخص الريف ومثاله الشخص السوداني بالمطلق تتجه طاقته الانفعالية نحو الداخل imotion. ففي الحالة الأولى يترجم شخص المدن الكبيرة التحدي والاستفزاز الانفعالي إلى عمل وانجاز فردي في شكل نجاح لسحق خصومه؛ أي تتجه طاقته الانفعالية نحو الخارج وتتحول إلى عمل وانجاز لا يخلو من التحدي الفردي. بينما شخص الريف، طمعا أو اضطرارا لإرضاء قيم الجماعة أو المجموعة التي يرتبط بها، ثم لإرضاء الأجاويد التي تتدخل عادة للصلح عند التصادم والأزمات، يعمد الشخص الريفي إلى كبت طاقته الانفعالية نحو الداخل، نكرر نحو الداخل، مضحيا بطموحاته الفردية أو إسقاطه عامل التحدي الذي من المفترض أن يدفعه لكي يحول طاقته الانفعالية إلى إنجاز. وبسبب كبت طاقته نحو الداخل، لذا الشخص السوداني عامة يحمل ما بين أضلعه الكثير من الأزمات conflicts التي لم تحل – وبالضرورة لا يكون الشخص السوداني سعيدا في حياته – فهو مستلب على الدوام!! نستنتج من ذلك كله: صفات الشخصية السودانية ما زالت ريفية، ودرجة التغير في الشخصية مرتبط بدرجة تطور الواقع الاقتصادي خاصة الصناعي، ونمو المدن الحضرية بشكل معقد. كلما تحولت المدن الكبيرة السودانية إلى المدنية المعقدة socio-economic formations، كلما اتجهت طاقة الشخص السوداني الانفعالية نحو الخارج. شوقي إبراهيم عثمان