[email protected] تحتفل جنوب أفريقيا والعالم بأجمعه اليوم بعيد الميلاد الرابع والتسعين للقائد العظيم الإنسان نيلسون مانديلا . صباح هذا اليوم كانت عبارة ” عيد ميلاد سعيد ماديبا ” على ألسنة الجميع رجالاً ونساءاً .. شيباً وشباباً .. وعكس اليوم مشاعر الحب الفيّاضة التي يكنها الشعب الجنوب أفريقي لهذا الرجل العظيم . مانديلا أصبح أيقونة للحب والسلام .. أيقونة للنضال والتضحية .. أيقونة للتسامح والتصافح والعفو .. أيقونة للتجرد ونكران الذات .. أيقونة للتواضع والبساطة .. أيقونة للحكمة والصدق .. أيقونة للزهد والعفاف .. سجنّوه لمدة 27 عاماً ، لإيقاف تأثيره على حركة النضال وعلى توعيه شعبه بحقوقه .. سجّنوه وفي ظنهم أنهم بذلك سوف يحدون من تأثيره ومن صدحه بالحق الأبلج . خرج من السجن أبيضاً نقياً شفافاً كما كان .. نزع من النفس الأمّارة بكل سوء نزعة الإنتقام والتشفي . تصالح مع نفسه ومع من ألقوا بهم في السجن حبيساً .. وأقنع شعبه بالمصالحة ، هذه القيمة الكبيرة التي وضعت الأساس المتين لجنوب أفريقيا .. خرج من ضيق السجن ، إلى رحابة المُلك .. أميناً على خزائن الناس المادية والمعنوية .. لم تغره السلطة أو تغيره ، تركها طواعية ، وآثر أن يكون سلطاناً وملكاً خالداً في أفئدة شعبه . كان نظام الفصل العنصري يميّز بين الناس حسب ألوانهم ، فيمنح لكل صاحب لون درجات من الحظوة . تتفاوت بين أسمى درجات الإحترام والإنسانية والشرف لكل ذي لون أبيض إلى درجات أقل كلما فارقت بشرتك اللون الأبيض . تمييزاً جعل كل صاحب لون أسود يقبع في أدنى درجات سلم الإنسانية ، محتقراً ومهاناً بسبب لونه ، ليس له مثل حقوق أصحاب الألوان الأخرى .. وعليه من الواجبات ما تنوء الجبال بحمله .. خرج مانديلا من السجن ، فأقنع الجميع بأن ألوان البشر ليست هي التي تحدد درجات إنسانيتهم ، وذكّرهم بالحقيقة ، التي هي أوضح من الشمس في كبد السماء ، بأنهم أمة بها جميع ألوان والسحنات والأعراق .. ولهذا يجب أن نتعايش بسلام كما قوس القزح .. فكان مولد أمة قوس قزح التي تباهي الآن بأنها من مانديلا ومانديلا منها .. وتطاول قامة الشمس إفتخاراً وكبرياءاً وعزةً بعد أن قزمها نظام الفصل العنصري السابق إلى أمة تعبد لوناً واحد .. أنا لست قسيساً ولكني إنسان لي نقاط قوتي وضعفي الموجودة في كل بشر .. هذه الرسالة التي ظل يكررها مانديلا ، كلما حاول أن يصبغ عليه الناس صفات القديسيين والأنبياء .. مثل هذا التواضع ومثل هذا الإعتراف هو الذي يرفع المرء إلى مصاف الأنبياء .. عكس الآخرين الذين كلما سمعوا كلمات المدح والثناء كلما إزدادوا تكبراً وغروراً .. غروراً لم يبلغوا به سماء المجد طولاً ولم ولن يخرقوا به أرض الإنسانية بما قدموه من جليل إسهام من أجل خدمة شعوبهم وأوطانهم . ولهذا غالباً ما تقذف بهم ذاكرة الإنسانية التي لا ترحم في أتون النسيان والنكران . سيظل مانديلا القائد الملهم المعلم الذي ينبغي أن يتعلم منه الجميع .. إن في حياته وفي تضحياته وفي سلوكه الكثير من العبر والدروس المجانية .. فلماذا لا يتأمل فيها هؤلاء الجبابرة الذين ران على قلوبهم غشاوة الأنا وعلى أبصارهم ظلال أنفسهم الأمّارة بالزهو والخيلاء الأجوف بأنهم الوحيدين الذين يملكون مفاتيح كل شيء وأن لا بديل لهم .