ممدوح محمد يعقوب رزق …. تطبيق الشريعة ليس بالسهل كما يتصوره البعض وما نسمعه من شعارات و هتافات تؤيد بتطبيق الشريعة الإسلامية هي ليست حديث اليوم ولكن منذ عهود مضت و ليومنا هذا نجد من يهتف و يؤيد بتطبيقها و لا شك أن الإسلامويين إن كانوا في السلطة أو لم يكونوا يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية . إذن أين تكمن المشكلة في عدم تطبيقها وهم في السلطة هل عجز الإسلامويين بما فيهم الحكام المسلمون من تطبيق ما أمرهم به الله أم أنهم ابتعدوا عن الإسلام و الأحكام الدينية ، أم أنها ترفع لأجل التضليل ، أم أنها ترفع لإثبات ما عجز المسلمين من تحقيقه لذلك لا نجد اليوم ما يسمونه دولة الشريعة بعد كل المحاولات و التجارب عبر التاريخ إلا أنها باءت بالفشل نموذجاً لذلك ما يسمونه بشريعة نميري وتجربته الفاشلة بإعلان قوانين 8 سبتمبر 1983 م التي دعت بتطبيق الشريعة و حدث ما حدث من أخطاء و التنفيذ الجائر في حق المواطنين حيث الأيادي التي قطعت في عهده لم تقطع في عهد رسولنا الكريم (ص) و الصحابة من بعده و ما صاحبه من تصفيات جسدية بحجة الردة في حق أصحاب الرأي والفكر مثال إعدام الأستاذ / محمود محمد طه لا لشيء سوى أنه أنتقد سياسة جعفر نميري فحكم عليه بالردة في نظرهم مرتد ووجب إعدامه و أيده كثيراً من المتطرفين بحكم الإعدام بالتكبير والتهليل والهتافات التي نادت بتنفيذ حكم الله داخل المحكمة وخارجها وهو لم يكن حكم الله بل الحكم السياسي لقتل أصحاب الرأي والمعارضين ، تطبيق الشريعة في منهجهم يعد تصفية للخصوم و النيل من الأعداء و من هذا نستنتج لا يوجد دولة الشريعة في هذا العصر لابتعاد المسلمين عن أمور دينهم و عدم وجود من هو مؤهلاً لتطبيق هذا الحكم الإلهي و تطبيق ما أراده العناية الإلهية و جاء ذلك عبر التاريخ مروراً بالدولة العباسية و الأموية حينما لبست الجماعات الإسلامية الديماغوجية الثوب السياسي و نتج عنها التلاعب بالألفاظ و العبارات الدينية لكي ما يثبت كل فرقة للأخرى أنها على حق و ما سواها على باطل و أنقسم المسلمون إلى فرق و أحزاب و جماعات سياسية ليست دينية و كل منهم يرى بأنه الحقيقة المطلقة وهو قادر لتنفيذ شريعة الله و أحكامه ، و أياً منهم يزعم بأن منهجه هو الحقيقة و الأخرى خاطئة والغاية من ذلك هو التضليل لتحقيق مكسب أو الوصول إلى السلطة لذلك أنقسم المسلمين إلي سنة وشيعة وغيرها من الفرق ووصل إلي حد منهم من يرى بأن معاوية أحق بالخلافة من سيدنا علي وهذا من أجل تحقيق الأغراض السياسية باستخدام الشعارات التي نادت بتطبيق حكم الله بل الحكم السياسي وقال لهم سيدنا على ذلك حينما رفع جماعة معاوية المصاحف على أسنة الرماح والسيوف في معركة (صفين) لتمويه المسلمين بأنهم على نهج الله وكتابه الكريم وشريعته قال سيدنا علي بن أبي طالب أنها كلمة حق أريد به باطل ، ما أريد أن أقوله إن كل الشعارات و الهتافات التي ترفع اليوم باسم الشريعة والإسلام أنها كلمة حق أريد به باطل منذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا لا يوجد نموذجاً لدولة إسلامية تعدل بين الناس و تساوي بينهم في الحقوق و الواجبات لا على أساس العرق أو اللون أو العقيدة بل المواطنة و تطبق العدالة الاجتماعية والنهج الديمقراطي في تداول السلطة و التقسيم العادل للثروة بين المسلمين ناهيك عن غير المسلمين ليس لهم حقوق في دولتهم إن كانت إسلامية في حالة وجود جماعات دينية ثيوقراطية متطرفة تنظر إليهم بأنهم ليس لهم الحق سوى دفع الجزية عن يد و هم صاغرون. إن النظرية الديمقراطية و العلمانية و الليبرالية هي وليدة العصر، و في منتصف القرن التاسع عشر و العشرون كانت بداية لميلاد أفكار جديدة حيث ظهر المفكرين والفلاسفة والعلماء وظهر الفكر الاشتراكي و بالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الاشتراكية إلا أنها طبقت في كثير من دول العالم ونموذج لذلك الاتحاد السوفيتي التي كانت تضم ثلاثة عشر دولة قبل سقوطها و هناك من المسلمين من يتبنى تلك الأفكار اليوم بعد ما عجزوا وفقدوا الثقة في من لهم الأمر بعدما مضى ألف وأربعمائة عام من الانتظار في تنفيذها وتطبيق ذلك الحكم الإلهي ، وهي فترة كافية لو أرادوا تطبيقها حيث الديمقراطية اليوم المجتمعات الإسلامية بأسرها من يراه مناسب كنظام للحكم و هذا لا يعني خروجهم عن الدين كما يروج له البعض لغرض التضليل . إن تطبيق الأحكام الإلهية والشرائع ليست بالسهل كما يتصوره البعض بعد التطورات التي حدثت على مر التاريخ و أحدثت عملية الانفتاح و التداخل بين شعوب العالم المختلفة بعض الهجرات التي حدثت بين الشعوب و استطاعت الثقافة الإسلامية و العربية عبر حاملي الثقافة العربية والدين الإسلامي بالهجرة إلى كثير من دول العالم وقاراته حيث كانت الهجرات إلى أوربا و أفريقيا و أسيا مما نجد تواجد الدين الإسلامي و الثقافة الإسلامية في عديد من الدول وهي نتيجة طبيعية لحياة البشر في هجرتهم و تنقلهم و هذا غير مبرر لفرض الدين الإسلامي و الثقافة العربية واللغة العربية على غيرهم من الشعوب التي لا تدين بالإسلام ولا تتحدث اللغة العربية ولديها لغات وثقافات مختلفة. و بعد ظهور الدولة الحديثة استطاع النظام الاستعماري اجتياح كثير من دول العالم و من ثم تقسيمها إلى مستعمرات و توحيدها بالقوة بدلاً من النظام الإمبراطوري القديم و بعد ظهور الدولة الحديثة نجد في دولة واحدة تسكنها مجموعات عرقية و ثقافية و دينية مختلفة تدين بالإسلام والمسيحية و اليهودية و البوذية وفي أفريقيا المعتقدات الأفريقية و الديانات الإفريقية وهذا ما يصعب لكل منهما تطبيق شريعته أو فرضها إن كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غيرها من الديانات أو المعتقدات وأي محاولة لتطبيق منهجية معينة قد يؤدي إلى نتاج صراع بين الديانات المختلفة وهذه حقيقة فليعلم السلفيين والإرهابيين والمتشددين إن تطبيق الشريعة ليس بالسهل بعد الانفتاح الكبير الذي حدث لشعوب العالم ، وعلى المتطرفين أن يعرفوا هذه الحقيقة ويتعايشوا بين الناس كما تعايشوا اليهود مع المسلمين في دولة المدينة لأن اختلاف الشرائع و الديانات ليس من صنع البشر بل قصد من العناية الإلهية ليكون البشر مختلفين أنه لو شاء لجعل الناس كلهم أمة واحدة وعلى دين واحد قال تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفون ) ( 118 سورة هود ) وفي قوله تعالى ( لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجاً ) (48 سورة المائدة ) . و ما يدعيه الإسلامويين بأن عدم تطبيق الشريعة هي السبب في عدم نهوض الأمة الإسلامية وتقدمها هي ليست بالحقيقة ولكن ما صاحبها من أخطاء عبر التاريخ من جمود عقلي في التفكير و التأمل و أيضاً بسبب الصراعات المذهبية و الطائفية التي لم تنتهي بعد مما أدى إلى إنتاج أفكار رجعية غير معاصرة ومواكبة لحقائق الواقع و هي السبب الرئيسي في عدم نهوض وتقدم المسلمين و السير مع العولمة جنباً لجنب بالرغم من سلبياتها على مجتمعاتنا التي ظلت ساكنة إلا أنها حققت النجاح للثقافة الغربية التي استطاعت أن تكيف ثقافتها مع العولمة و العولمة ليست كلها سلبيات بل لديها الجانب الإيجابي . لذلك كثير من الجماعات الإسلاموية البرغماتية تهتف اليوم باسم تطبيق الشريعة الإسلامية عن نهج خاطئ و أي محاولة لتطبيق هذا النهج هي إعادة إنتاج أزمة حقيقية و إدخال المسلمين و غيرهم في مأزق حيث لا نعلم متى سيخرجون . ممدوح محمد يعقوب رزق [email protected]