الثلاثاء 21 ديسمبر 2010م ….. استقبلت اتصالاً هاتفياً من مدرسة (رؤى) ابنتي، يخبروني فيه، بتدني درجاتها الأكاديمية بصورة ملحوظة، وخاصة أنها بالسنة الثالثة، وأن إدارة المدرسة تدفع باتجاه التفوق، وأن الأسرة يجب أن تضغط في هذا الاتجاه، خاصة أن هنالك تنافس شديد بين الطالبات المتفوقات!!!!!!. تحدثت الأستاذة بصوت تعلو نبراته القلق وقالت: نحن نعرف (رؤى) منذ السنة الأولي وهي من الطالبات الممتازات، مجتهدة وتعتمد على نفسها كثيراً، ولم يسبق أن تدنت درجاتها إلي هذا المستوى (جيد جداً)!!!!!!!!. وأضافت، نطلب منك الحضور إلى المدرسة لمناقشة ذلك ومعرفة الأسباب التي تجعلها تتدني من (ممتاز) إلى (جيد جداً)!!!!!!!. كنت أتوقع هذا التدني في المستوى من (رؤى)، فهي كانت تمتاز بجدية عالية وبشهية مفتوحة للمذاكرة والبحث العلمي دون حاجة منّا لتذكيرها بأداء واجباتها او الاهتمام بدراستها، فقد كانت تعرف بالضبط ماذا تفعل!!!!!!!!. ولكني لاحظت مؤخراً، أنها أصبحت شديدة السرحان، قليلة التركيز حتى أكاد أجزم أنها فقدت شهيتها بالكامل لمواظبة الدروس والمذاكرة!!!!!!!!. طرحت عليها أن أجلب لها أساتذة لمساعدتها في دروسها ورفضت الفكرة تماماً، معللة بأنها يمكنها أن تعتمد على نفسها في دراستها دون حاجة لأحد!!!!!!!!!. وما يخيفني أنها شديدة الحساسية، مرهفة المشاعر ومنغلقة على نفسها بحيث من الصعوبة بمكان أن يعرف أحد أو يطّلع على ما يدور بخلدها!!!!!!. ولا يحتاج الأمر إلى كبير ذكاء لمعرفة الأسباب التي جعلت (رؤى) تتدني في مستواها الأكاديمي وتتحصل على درجات أثارت تساؤلات المدرسة!!!!!!!!. لم أدرس علم نفس أو أتخصص فيه، ولكنني كأم يمكنني أن أحس بما يعتمل في صدر ابنتي!!!!!!، فقد كانت صدمتها في والدها كبيرة ومصيبتها لا يعدلها شئ!!!!!!!، كما يمكنني أن ألاحظ وبسهولة كبيرة كيف أنها تغيرت من انسانة مرحة تحب الضحك إلى انسانة متشائمة سوداوية!!!!!!، ومن انسانة تهتم بكل التفاصيل وأدق الأشياء إلى انسانة عمياء تكاد لا ترى أو تحس شيئا!!!!!!!. وذلك بالطبع ينطبق على كل حياتها والأكاديميات جزء صغير من تفاصيل حياتها التي انقلبت رأساً على عقب!!!!!!!!. كان بإمكان الاتصال الهاتفي الذي تلقيته أن يشعرني بأن (ابنتي) أصبحت غير مسؤولة وأن أمارس عليها الضغوط لتستذكر دروسها ولتحصل على (ممتاز) كما كانت دائماً متفوقة في دروسها!!!!!!!، ولكن هنالك صوتاً أخر يصرخ في دواخلي ويقول لي: لا تهتمي للأمر أو تلقي له بالاً، فابنتك ذات الستة عشر ربيعاً، تمر بظروف نفسية بالغة الصعوبة والتعقيد، وأن صدمتها في والدها سيطرت عليها، وأثرت على مستوى فهمها وإدراكها لكل الأمور!!!!!!، وأنه ليس من الحكمة أن أمارس عليها ضغوطاً، تدفعها إلى مزيد من الصدمات، بل من الواجب أن أساعدها، بأن أهون عليها الأمر، وألا أجعله مشكلة بالنسبة لها، وأن فقدانها لدعم والدها ورعايته لها، أكبر من أي محنة أكاديمية تتعرض لها!!!!!!!!. شعرت أنني متنازعة، وما يزيد الطين بلة، أنها ستجلس لامتحان الشهادة السودانية في مارس 2010م، وأنه لم يتبق سوى شهران ونصف فقط، وأنها إذا بذلت جهداً مضاعفاً، خلال هذ القترة، فستحقق نتيجة ممتازة، نسعد بها ونفرح كثيراً!!!!!!!!. وتساءلت في نفسي، هل تستطيع ابنتي بكل الحالة النفسية الصعبة التي تعيشها، أن تحتمل مزيداً من الضغوط؟؟؟؟؟ وهل إذا مارست ضغوطاً عليها، سيأزم ذلك من وضعها النفسي؟؟؟؟ وهل هي مستعدة نفسياً لذلك؟؟؟؟ وهل……؟؟؟؟ وهل………؟؟؟؟؟؟. أحسست أنني لا أعرف ماذا أفعل حيال هذا الأمر، ولا أعرف ماذا أقول للمدرسة، ولكني أعرف أمراً واحداً فقط وهو: أنني لا يمكن أن أمارس ضغوطاً عليها، كما أنني يجب أن أنصح المدرسة بعدم فعل ذلك، وأن أطلعهم على الحالة النفسية الدقيقة التي تعيشها، وأن يقتنعوا بأن الخيار هو خيارها وهي التي يجب أن تقرر!!!!!!!!. وقلت في نفسي، ما هو أسوأ شئ يمكن أن يحدث لابنتي، وأنه حتى إذا فقدت (رؤى) هذه السنة وقررت ألا تجلس للامتحان، أو حتى إذا قررت أن تمتحن ولم تحقق مراد المدرسة، فلن يعني ذلك شيئا كبيراً، نسبة لما تمر به وتعيشه من ظروف صعبة!!!!!!، ولكن الأسوأ بالنسبة لي أن أزيد من مأسأتها وأزمتها النفسية!!!!!!!. وشعرت أن من واجبي كأم، أن أحمي (ابنتي) من هوس المدرسة الأكاديمي الذي أعرفه، وقد أسرّت لي به مديرة المدرسة يوماً، وقالت لي: إن (رؤى) من الطالبات القلائل الذين تعتمد عليهم لتتفوق مدرستها!!!!!!!!. ذهب تفكيري، إلى أن التفوق الأكاديمي في ظل الظروف التي تمر بها (ابنتي) قد يدفعها للأسوأ ويجعلنا نهمل أهم جانب وهو استقرارها النفسي ورغبتها والذي تريد تحقيقه!!!!!!، فإذا لم تشعر (رؤى) برغبة قوية للتحصيل الأكاديمي الذي يدفعها للتفوق، فلن أهتم بما ترغب فيه إدارة المدرسة!!!!!!!!. وإذا رغبت (ابنتي) بتجميد السنة الأكاديمية، فسوف أحقق لها رغبتها ولن أجعلها ترى في ذلك ندم أو تفويت لفرصة هامة!!!!!!، ولن أهتم سوى بتحقيق رغبة ابنتي أياً كانت، حتى لو اختارت الانسحاب من المدرسة لفترة، وأن واجبي هو أدعم قرارها وأقف بجانبها في ذلك!!!!!!!!!. أحسست براحة ضمير واطمئنان، بعد أن عرفت ما الذي سوف أقوله وأخبر به إدارة المدرسة غداً!!!!!!!!.