محجوب محمد صالح يوم الثلاثاء الماضي استؤنفت المحادثات بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا متأخرة أسبوعاً عن موعدها بسبب وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زنياوي، وتجيء هذه الجولة في إعقاب الاختراق الذي حدث في ملف النفط باتفاق الطرفين على رسوم عبور نفط الجنوب عبر خط أنابيب الشمال، وهو الاتفاق الذي حظي بمباركة إقليمية ودولية، ولكن مهما كانت أهمية الإنجاز الذي تحقق في تلك الجولة فإن الطرفين لابد أن ينخرطا في محادثات هذه الجولة وفي أذهانهم التهديد والتحذير الواضح الذي أطلقه مجلس الآمن عقب اجتماعه الذي عقده يوم الجمعة الماضية لبحث مسار المفاوضات بين البلديين وانتهى ذلك الاجتماع بإصدار البيان الرئاسي رقم 19/2012 الذي حمل في نهاية فقراته تهديداً صريحاً باللجوء إلى أعمال المادة العقابية في ميثاق الأممالمتحدة (المادة 41) في حالة الفشل في الوصول إلى اتفاق شامل قبل نهاية هذا الشهر، وملمحاً إلى أنه قد يلجأ إلى فرض حلول على الطرفين حسبما توصي به لجنة الوساطة الإفريقية هذا التهديد ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، بحيث يحفز الأطراف لكي تتفاوض بجدية وبمرونة وبنية حسنة. لقد بدأ البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الآمن بداية (دبلوماسية) بالتعبير عن تثمينه لاتفاق النفط الذي توصل إليه الطرفان وعن الاتفاق غير المباشر بين حكومة السودان والحركة الشعبية (قطاع الشمال) حول تسهيل وصول مواد الإغاثة إلى المتضررين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حسب المشروع الثلاثي المقدم من الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والأممالمتحدة وحث الطرفين على الالتزام بالتنفيذ، ولكن البيان بعد ذلك لام الطرفين لفشلهما في إنجاز الاتفاق الشامل حول كافة القضايا العالقة في الموعد الذي حدده المجلس في القرار 2046 أي في الثاني من أغسطس الماضي معتبراً ذلك تقصيراً غير مبرر ومصراً على حسم الأمر خلال الأسابيع الثلاثة القادمة. وبعد أن فصل البيان القضايا العالقة التي ينبغي على الطرفين إنجازها انتقل إلى مرحله التحذير والتهديد باللجوء إلى العقوبات في حالة الفشل، وذلك في آخر فقرتين في البيان. يقول البيان: يعيد مجلس الأمن للأذهان قراره رقم 2046، ويشير إلى خريطة الطريق التي وضعها الاتحاد الإفريقي ويطالب السودان وجنوب السودان والحركة الشعبية (قطاع الشمال) بأن تنفذ وبصورة كاملة وعاجلة وبنية حسنة الاتفاق حول كافة القضايا الخلافية الواردة في القرار وفي هذا الصدد يكرر المجلس التعبير عن نيته في اتخاذ الإجراءات الإضافية المناسبة تحت المادة (41)من ميثاق الأممالمتحدة. وأشار المجلس في بيانه إلى تكليفه للأمين العام بأن يتشاور مع لجنه الوساطة الإفريقية ومنظمة الإيقاد، وأن يتقدم بتقرير للمجلس عن مسار المفاوضات على أن يتضمن تقريره مقترحات محددة لحل المشاكل العالقة التي يفشل الطرفان في الاتفاق حولها مما يعني أن المجلس يفكر في استعمال سلطاته فيتبنى المقترحات التي تتقدم بها الوساطة، ليفرض على الطرفين الحل الذي توصي به الوساطة في حالة فشل مفاوضاتهما في الوصول لاتفاق مقبول لكافة الأطراف. ولكن ما القضايا التي يتوقع مجلس الآمن حسمها خلال هذه الجولة حسب منطوق قرار المجلس رقم 2046؟ أولاً: وضع اتفاق النفط في صيغته النهائية والبدء في تنفيذه. ثانياً: الاتفاق على الخريطة التوفيقية لتحديد المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح بين الدولتين بعرض عشرة كيلومترات على جانبي الخط الحدودي. ثالثاً: الاتفاق على تشكيل وصلاحيات آلية التحقق من وقف إطلاق النار حسب اتفاق وقف العدائيات. رابعاً: إكمال ترسيم الحدود بين الدولتين التي تعترضها خلافات حادة حول مواقع حدودية هناك نزاع حول تبعيتها لأي من الدولتين. خامساً: معالجة قضايا المواطنة وأوضاع مواطني كل من البلدين في البلد الآخر. سادساً: الاتفاق على الإجراءات الأمنية الانتقالية في أبيي والاتفاق حول الإدارة المؤقتة لها. سابعاً: حسم قصية مستقبل أبيي. ثامناً: حسم النزاع حول مستقبل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بين الحكومة وقطاع الشمال اللذين لم يبدأ بينهما حتى الآن حوار مباشر واعتراف متبادل. هذه أجندة كبيرة وفيها كثير من التعقيدات، وأشك كثيراً في احتمال إنجازها في الفترة المحددة أي خلال أسبوعين من اليوم، ولكن الذي نتوقعه أن تسعى الوساطة للتركيز على قضيتين أساسيتين: إكمال الاتفاق على النفط بكل تفاصيله والاتفاق على المنطقة المنزوعة السلاح، وبالتالي وقف العدائيات بين البلدين، وأن تسعى للوصول إلى حلول جزئية في قضايا أخرى مثل الاتفاق على الإدارة المشتركة المؤقتة في أبيي، وفتح المعابر البرية بين الشمال والجنوب، واستئناف حركة الطيران كبداية لتوفيق الأوضاع، إضافة لبدء حوار مباشر بين حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال –ولو حققت الوساطة مثل هذا الإنجاز فإن مجلس الأمن سيصر لكي يمنح وقتاً إضافياً للتفاوض. وإذا كانت الوساطة الإفريقية باتت تعبر الآن عن شيء من التفاؤل فإن تطور الأحداث في السودان لا يحكمه منطق فقد تحدث تطورات خلال اليومين القادمين تنسف العملية التفاوضية بأسرها، ومن الممكن أيضاً أن يحدث العكس بحيث يحقق الطرفان اختراقاً غير مسبوق يوصل لاتفاق يشمل كافة القضايا؛ لأن التطورات لا يحكمها أي منطق عقلاني، ولو كانت الأمور تسير بأسلوب منطقي لما نشأ هذا النزاع في المكان الأول!