الدكتور أحمد صافي الدين ……………… بسم الله الرحمن الرحيم ……………… عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم. قلت وهل بعد ذاك الشر من خير قال نعم وفيه دخن. قلت وما دخنه رجال من أمتي يستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر.قال فما تأمرني إن أدركني ذلك قال: عليك بجماعة المسلمين وإمامهم قلت: فان لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: اعتزل تلك الفرق ولو أن تعض على شجرة وحتى يأتيك الموت وأنت على ذلك الحال. ولعل في هذا الحديث استشراف لمستقبل المسلمين. وهو ينم عن رؤية بعيدة المدى تشير لمآلات الأمور. كما يحتوى على رؤية ثاقبة وأفق واسع يتمكن صاحبه من التعامل مع قضايا عصره الملحة ؛ لا سيما في مثل زماننا اليوم الذي كثرت فيه المحن والفتن والابتلاءات. ولعلنا ننكر أفعال الجاهلية الأولى وعاداتها وتقاليدها ، وقد أشار إليها القرآن الكريم في غير ما موضع ، في معرض الذم لها مقابل سنن الله وحكمه في الأرض.يقول سبحانه {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50 . . إن المستقرئ لتاريخ البشرية من لدن آدم عليه السلام إلى يوم الناس هذا، ربما يستنتج أن الاستقامة تمثل الاستثناء في حياة البشرية، مقابل الاعوجاج الذي هو ديدن هؤلاء الآدميين كما وصفهم النص القرآني . فالحضارات الإنسانية تسجل صعوداً وهبوطاً على مدار التاريخ بيد أن معيار الصعود والهبوط هو المنهج الرباني ، فتحقيق غاية الوجود من عبودية لله وإعمار للأرض هو المرتكز الأساسي الذي يقاس به الارتقاء والانحطاط للبشرية. إن المفكر سيد قطب الذي كتب عن جاهلية القرآن العشرين بملامحها وخصائصها وسماتها، قد قدم للآخرين فرصة للكتابة عن جاهلية القرن الحادي والعشرين، فهي جاهلية بنيت على موروث القرن الذي درس سيد قطب واقعه لكنها زادت من غلوائها وانحطاطها، وما تزال تزداد كلما طلعت على الناس الشمس. ولعل من أسوأ ملامح جاهلية القرن الحادي والعشرين بروز الفساد وظهور ملامحه سافرة دونما مواربة ، ولعل الادهي والأمر أن الناس استمرءوا التعامل مع هذا الأمر دونما كبير استنكار ، بل زاد بعضهم إعلانه على قبوله دونما تحفظ. إن الجاهلية هي حالة تعتري الناس في مختلف العصور،بيد أنها تشتد في أزمنة بعينها بسبب فساد فطرة الناس ، وربما كان فساد الفطرة مرده إلى الماديات التي تستجيب للشهوات . وهذا ما يجعل الناس لا ينكرون منكراً ولا يعرفون معروفاً. والناس ستحدثون عن حالة استشراء الفساد في دول العالم المختلفة بما في ذلك الدول التي تسمى إسلامية، وتتدثر بثياب الإسلام وهي عارية من التقوى. فلعل في الأمر عجب أيما عجب ، فالإسلام أضحى أسماء وشعارات ومراسم لا تعدو ذلك إلى لبابه. فعل من أبرز أسباب انتشار الفساد في الأرض المحسوبية وإعطاء الحق لغير مستحقيه سواء كانت وظيفة أو منصب أو غير ذلك؛ وهو أمر ضياع للأمانة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أضيعت الأمانة فانتظر الساعة. وما أكثر من ضيعوا الأمانات في هذا الزمان. هل من سبيل إلى الاستقامة بديلاً لهذا الاعوجاج. إن الإجابة للأسف هي لا ثم لا ثم لا. إذ ليس في الأمر تشاؤم ،ولكنها الحقيقة التي تستبين من واقع استقراء لمآلات الأحوال. وكيف تستقيم الأمور وكل من بطأ به عمله أسرع به نسبه. كيف تستقيم الأحوال وكل مضيع للأمانة التي حملها وهو جاهل ظالم لنفسه ولغيره. فما دام العود وهو هنا الإنسان اعوج فلا يمكن تصور استقامة الظل على أية حال. فالاعوجاج قد صار منهجاً يلتزمه الناس؛ دون أن تسعفهم فطرتهم إلى معرفته.ومع ذلك ينشدون الخير ولسان حالهم كما في قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران188 فهل يئس الناس من إصلاح الحال. لا لم ييئس الناس من إصلاح الأحوال، فصراع الحق والباطل أمر أبدي سرمدي. وسنة الله في الأرض أن يظل هذا الصراع مستعراً ومستمراً فيه غلبة الحق على الباطل. ولهذا فان الدعاة والمصلحين من واجبهم العمل وانتظار النتائج التي هي بأمر الله،فهم مأمورون بالعمل وترك مآلات الأمور لمدبر الأمر. إن سير الأنبياء التي قصها الله علينا في أحسن القصص لدروس وعبر تشخص لنا وقع مشكلاتنا الراهنة.فهذا نوح عليه السلام الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، عصاه قومه واتبعوا هواهم، إذ لم تكن علة عدم الإصلاح خلل في الداعية وهو رسول من رب العالمين. كما لم يكن الخلل في الرسالة فهي من عند حكيم عليم خبير. ولم تكن قضية عدم الاستجابة مردها لظروف وبيئة الدعوة أو الأسلوب لمتبع فيها وإنما لخلل واضح في المرسل إليهم. يقول تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }الإسراء59 . فقد دعا نوح قومه ليلاً ونهاراً سرا وجهراً معلناً ومسراً فلم يزد أن قال كما في قوله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً }نوح21. وهكذا النّاس في هذا الزمان لا يقبلون الحق إلا من أهل مذهبهم؛ولعل ذلك من صفات المغضوب عليهم؛. فالانتماء القبلي العنصري،أو المذهبي، أو الحزبي أو الرياضي ، أو الانتماء إلى جهة، إلى غير ذلك هو الذي يسيطر على أفئدة النّاس كل النّاس إلا من رحم ربي. ولهذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء. torshain Adam [[email protected]