قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    الخارجية القطرية: نجدد دعمنا الكامل لوحدة وسيادة استقرار السودان    الاعيسر:استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الممارسات فورًا والعمل على محاسبة منسوبيها..!    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    انتر نواكشوط يخطط لتكرار الفوز على المريخ    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخالة/ فضيلة 3
نشر في حريات يوم 15 - 01 - 2013

حين نشرت الجزء الثاني من هذه الحلقات، كان في نيّتي أن أكتب حلقتين أو ثلاث أخريات. ولكنّي حين بدأت الكتابة من جديد، وكلما أمعنت فيها كان يتملكني
الإحساس بأني كتبت ذلك من قبل. وبالفعل حين عدت إلى ما كتبته قبل سنوات، في الأيام التي سبقت الإنتخابات، وتلك التي أتت بعدها بقليل، وجدت أن هذا ما كنت أود كتابته حقا.
فالمواضيع هي هي، والهم هو هو، منذ عشيّة الإستقلال وحتى اللحظة.. وكلّ ما يتمناه المرء أن لا يطول بها الأمد لتبقى لعقود قادمة..!
لذا سأكتفي بنشر ما كتبته من قبل، مكتفيا به فيما يخص هذه “المواضيع" التي صارت مضغة في الفم، لسنوات طوال. ساعيا، بدل الكتابة إلى ما هو أجدى، وأفيَد.
الحلال والحرام في السياسة السودانية
ففي الحقيقة، ليس هناك ما هو حرام أو حلال، بصورة مستديمة أو واضحة المعالم، في السياسة والدين لدى النخب السياسية والدينية التي حكمت في السابق، أو تلك التي تحكم الآن . فالذي كان حلالا إبان الحكم، إذ سرعان ما يصير حراما زمن المعارضة. والأدهى والأمرّ أن ذلك من الممكن أن يحدث إبان فترة الحكم أو المعارضة لحزب واحد، أو تحالفٍ ما !
ف”الإنقاذ” فعلت كل ما بوسعها كي تُكرِه كل مَن ينادي بوحدة السودان مِن الجنوبيين، على أن يتشكك في جدوى ذلك وييأس منه. وفي سبيل ذلك لا تخشى فِعل الشيء وضده : ترضى بدستور مدني (وقيل علماني) لا يفرق بين دين وآخر ولا مواطن وآخر أو ثقافة وأخرى في المواثيق والعهود وتسوسُ الناسَ بدين الإسلام وشِرعته وعروبته؛ يتطاولون في البُنيان بما يسرقونه “من بيت المال” ويقطعون يد مَن يسرق كي يُقيم الأوَدْ؛ أتوا من أجل رفاه الشعب السوداني وإيقاف نزيف الدم (كما يقولون) فيحيلون حربَ الجنوب من سياسية/اقتصادية إلى حربٍ مقدسة .. ويشعلون نار الحرب في دار فور بوقود العنصرية والبغضاء واغتصاب النساء وقتل الأطفال ويرمون بشعبها في معسكرات الذل والهوان فيصبح جائعا يأكل من فتات موائد الدول الكبرى، والصغرى .
والنُخب التي حكمت من قبل حرّمت في البدء على كل جنوبيّ سياسي، حزبي، مليشياتي أن ينطق بكلمة فيدرالية، ثم بدأت “تتهاون” فقبلت بالكونفدرالية، ولما استعصت رضِيت بحق تقرير المصير غير منقوص لشعب الجنوب، وهي تعضّ بنان الندم!
ولسوف لن نستشهد بالنصوص المطوّلة للمواثيق أو الكتب المقدّسة؛ فالقاصي والداني يعرف أن بنود الميثاق للتجمع الوطني الديمقراطي بُنيتْ على أسس مقوّمات الدولة الحديثة، على أن:
“الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي” ..
فهل يا ترى، أن الأحزاب التي تقوم على أسس دينية أو طائفية، قد تابت عن ما ظلت تؤمن به وتسعى إليه “بدستور إسلامي”؟!
أو تلك التي تقوم على عقيدة سياسية تؤمن بعلو شأن طبقة عن أخرى؟!
إن مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه” هي التي تصلح هنا،
وليس ذلك على قاعدة أن حزباً غير ديمقراطي التكوين، لا يصلح لبناء وطن ديمقراطي فقط!
فنحن، لن يغرنا أن الحزب الفلاني أو العلاني قد صار ديمقراطياً في عقد المؤتمرات والندوات واجتماع مكتبه السياسي كي يتخذ القرار؛ فما يهمنا هل أن زعامات وقيادات ومؤسسات هذا الحزب أو ذاك، قد غيّرت من أفكارها ومعتقداتها ونهجها السياسي القديم، وزرعت بذرة هذا الوعي الجديد بين جماهيرها وقواعدها كي تنمو وتزدهر، أم لا..؟!
فسيظل الشك والريبة ديدننا، إلى أن تقوم تلك الأحزاب بالدعوة علناً إلى أجندة ما مهرَت عليه بين ناسها، قبل أن تدعو إليه الآخرين ..
فجنّة الرحمن، أو جنّة الشيوعيّة، لن يدخلها أحدٌ منا، نحن الأحياء الآن، فأوانهم لم يَحِن بعدُ .. فبيننا وبينهم عهودٌ وعهود، من العمل الصالح، والكدّ والجدّ فيما ينفع الناس في دنياهم قبل المَماتْ.
إن ما نحن “السودانيين” ظللنا منذ عقود وعهود نتحدث فيما “يجمع” بيننا، برغم اختلاف الرؤى والمعتقدات والأماني الأحلام، وبدون أن نحقق أيّاً منها على أرض الواقع .. وهاهنا تقبع معضلتنا:
لماذا “نتفق” بالكلام على الورق، أو المُطلق في الهواء، ويستعصي علينا في الممارسة والعمل؟
فحقّ علينا أن نتساءل عن ما “يمنعنا” من المضي قدُما في تنفيذ ما اتفقنا، أو ما توافقنا عليه .. عن أسبابه الجوهرية، عن ما هو “تكتيكي” أو “استراتيجي”،
عن ما يُسمى ب”الحد الأدنى” الذي نبحث في أمره كلما ادلهمّت الخطوب وحاصرتنا المِحن، وهل أن برناماج التجمع، في حقيقة الأمر، الذي يسعى لبناء دولة مدنية حديثة، أو ما اتفقت عليه “أحزاب جوبا” مؤكّدةً على الوحدة القائمة على التنوّع الاختلاف، هل كل ذلك مجرد حدّ أدنى، سنتجاوزه كلٌ منا بطريقته، عندما يجلسَ طرف في سدّة الحكم وطرفٌ آخرٌ على كنبات المعارضة؟!!
فما أعرفه، إلا إن كنتُ في ضلالٍ مبين، أن الدول المتعدّدة الكيانات الدينية والثقافية والإثنية، لا تُبنى “بالتكتيك” أو برامج الحدود الدنيا، أو التحالفات المرحلية ..
إن “شعوب السودان” المضطهدة والمستغَلة لم ترفع السلاح من أجل التخفيف عن معاناتها، فقط .. بل رفعته من أجل حقوقها العليا المتمثلة في وطنٍ يكفل لكل مواطن كامل الحقوق والواجبات، وعلى قدَم المساواة؛ وأن ذلك لن يتم إلا بوضع دستور دائم، يضمَنُ كل ذلك .
وليأتِ مَن يأتي، بعدها، ويُسميه ما يشاءْ:
أدنى، أو أعلى، فسوف لن نختلفْ
من حلَقةٍ جهنميّة “للحكم”، إلى حلقة جهنميّة “للمعارضة”
يُطلِق كثيرٌ مِن ساسة السودان على دورة الحكم فيه، من حقبة مدنية (ديكتاورية؟!) إلى ديكتاتورية عسكرية وصفَ الحلقة الجهنمية؛ ولكن هذا الوصف، في نظرنا غير كافٍ . فهذه الحلقات الموصوفة، لا تحمل في داخلها وصفا لمعاناة الناس، إلا إشارة؛ وهي “الصخرة” التي يرفعها السودانيّون إلى سدّة الحُكم، يرفعها الشعب إلى الأعالي وهي تهوي، دوماً، إلى أسفل سافلين.. و”الآلهة” المتحكّمون في مصائر العباد والبلاد يأمرون الخَلقَ بأن يرفعونها، من جديد، وإلى أبد الآبدين!
إن عدم الحياء مِن تكرار الخطايا نفسها، والوعود الكاذبة نفسها، والحلف والقسم الغليظيْن اللذان يُهدران صبيحة كل حُكم جديد، أصبحت سِمة على جباه العديد من ساستنا الأفاضل. فمن حزبٍ لا يستحي، إلى قادة يهجرون مناصبهم العالية في أحزاب مُعارضةٍ ليصبحوا في غمضة عين يلهجون بِنِعَمِ السلطان وسجاياه الحميدة وصراطه المستقيم.
ونحن هنا لا نتحدّث عن الانتهازيّة أو الجشع والطمع في نعيم الدنيا الزائل، أو المستديم. فنحن نبحث عن أسباب وجذور هذه الظاهرة “العجيبة” التي يرتكبها حزبٌ أو فرد. ولأن العجائب لا تظهر في هذه الدنيا صبيحة كل يومٍ جديد، أو تأتي تباعاً وجبَ علينا أن “نعرف السبب كيْ يبطل العجب”.
وأيضاً، نحن هنا لا ندّعي بأننا اكتشفنا، أو سبقْنا الآخرين بقولٍ جديد. فكثيرا ما قيلَ عن “إدمان الفشل”، وكثيرا ما قيل الحديث والتساؤل عن ما يفرّق بين الأحزاب التي تدين بدين الإسلام هادياً ومُرشدا لها.. ومن طيبِ الطويّة أن نقول: إنها السياسة.. ونكتفي!
ومن مظانها أن نبحث عن دروبٍ أُخر!
فمن كان يحكم ويصلي من أجل أن يظل السودان بلداً واحداً، سنقول له: أنظر إلى حاله الآن… فوحدة السودان التي كنا نحلم بها ترقد على فراش الموت، وأن مشاكله وهواجسه ومشاغله حيّةً لا تموت!
ولئن ذهب “الجنوب”، فإنه لن يذهب وحده.. ولمَن كانوا يتحدّثون عن الصلات والعلاقات والوشائج والقُربى، سنسأل: هل تحلمون، أو تعمهون، في انسلاخ الجنوب دون أن يأخذ معه أترابه دون أن يجرّ خلفه، بعضاً أو كُلاً، من أقربائه وأصهاره وأنصاره المغلوبين على أمرهم؟!!
فهل سننتظر لنرى..
أمْ يجب علينا القول، لكل من ينادي بدولة دينية أو مدنية، أن نكفّ قليلا عن الدعوات والأحاجي والغُنا، أن نلتفت إلى ما يفرّقنا ويميّز بيننا، لنتفق بعدها..؟
فلربما، بعدها، لن نفترق!
قِربة “نظام الإنقاذ” المقدودة /
أم قربة “التجمع” أو “التحالف” .. أولا؟!
وهي حكمةٌ شعبيّة سديدة : لا تنفخوها، فإن ذلك لن يجدي فتيلا ..
فلو كان القصد، من السعي الحميم والتوثيق للتزوير، إحراج النظام أمام “الشعب” فالنظام يعرف أنه فرعون عصره، ولكنه لا يتحرّج؛ والشعب السوداني لا يحتاج لمن يكشف سر النظام الباتع! فهو يكتوي بلظاه وناره صباح مساءْ في جوعه وعطشه وفقدان أمنه؛ أما إن كان الهدف شَكْوَه للقضاء والعدالة، فالكل يعلم أن أمرهما بيد السلطان؛ وأما إن كان المقصود هو الرأي العالمي العام، فلا الإعلام العالمي ولا مؤسسات العدل الدوليّة غضّت الطرف عن جرائم السلطان وزبانيته؛ ولئن كنا ننشد دعم الدول الكبرى والصديقة والشقيقة والإقليمية، فنحن كمن ينفخ في قربةٍ مخرومة هي الأخرى:
فالدول وحكوماتها تنظر في البدء، لمصالحها وأمنها، قبل أن تلتفت لقضايا شعبٍ آخر.. فالدول لا تتعامل إلا مع دولٍ وحكومات. وهذا إن لم نقل، أن بعض هذه الدول والحكومات، أو جُلّها، مشغولةٌ ولاهية عنّا لتكفّ عنها “شرّ” شعوبها التي تسعى إلى إسقاطها!
والمثل الشعبي السديد هذا، بسيط الدَلالة فهو يدعونا إلى سدّ الثقوب قبل كلّ شيء.
فالتجمع، قبل أن يقوم البعض بنعيهِ، الذي يضم في أحشائه “الحركة الشعبية” و”أحزاب الشمال” و”القيادة الشرعية” والنقابات والأفراد، تكتنفه الكثير من العِلل، والريبة والشك وما هو باقٍ في النفوس من تجارب الماضي المريرة:
من تضاربٍ للأهداف وتناقض في الأولويّات والرؤى ليس بين طرفٍ وآخر، فقط بل ضمن الكيان الواحد لمجموعةٍ ما.. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، “الحركة الشعبية” و”القيادة الشرعية”:
فكلتاهما ليسا بحزبين بالمعنى السياسي والأيديولوجي العام. فالحركة الشعبية تعاني من صراع مرير بداخلها بين تيارين متباينين، يصعد فيه طرف على حساب الآخر حسب منعرجات الصراع بينها والسلطات الحاكمة في المركز، وصل إلى حد الاقتتال والتشرذم والانشقاقات، ولئن بانت لنا الآن إحدى الكفتين صاعدةً، فليس بمعنى ذلك أن الكفة الأخرى قد هجعت واستكانتْ إلى الأبد؛ أو هكذا تعوّدنا، أو تآمَلنا..(من الأمل)!
والقيادة الشرعيّة كانت مكوّنة من مجموعة ضبّاط من الجيش وقيادته ومَن تطوّع للعمل العسكري من مدنيين حزبيين أو مستقلين؛ لا يجمعهم فكرٌ واحد ولا خطّ سياسي واحد، بل هدفٌ محدّد بأمرين: الأوّل إسقاط النظام الشمولي، والثاني بناء جيشٍ وطني مُحترف. ولكنها لم تسْلَم هي الأخرى من التجاذبات الحزبية وصراع الرؤى والمصالح داخل التجمع، فانقسمت، ثم تشرزمت، ثم اندثرت.
فالصورة البرّاقة التي رسمها “التجمع” لنفسه، بأهدافه النبيلة ومسوّداته المُحكمة بالفكر السديد وبُعد النظر، لم تكن تصلح إلا للنظر إليها من بعيد! فكلّ ما قاربناها، وساءلناها، مع الواقع العملي وإرادة التنفيذ، وجدناها حبراً على ورق، ليس إلا!
وللأحزاب الكبيرة والمؤثرة (أمّة، إتحادي، شيوعي) “نصيب الأسد” في المسؤولية عن ذلك. لأنها رضيْت وتوافقت على هدف وبرامج عملٍ لم يكن بوسعها أن تنفذ أغراضه ومراميه، ولئن تعدّدت الأسباب:
من عدم انسجام مواثيق التجمع مع فكر بعضها وأيديولوجيّتها؛ إلى خشية البعض من فقدان “شعبيّتها” وقواعدها؛ إلى الركون، والسكوت، لعهدٍ غير جاد، أو عدم المقدرة على قول الحقيقة، أو قلّة الحيلة.
ولئن كنا لا نملك “الوثائق” والبراهين الماديّة على ما نقول (فجلّها محاضر اجتماعات “هيئة القيادة” التي يدسّها البعض عن مناصريهم أو لا يحفلون بها، أو صراع قياداتٍ حزبية تدور خِفية عن القواعد والتابعين) إلا أن أمامنا النصوص المنشورة، وواقع الحال، كي نقرأ ونشوف.
والثقب الأوّل، أو الفتق الكبير، هو الهوّة التي تفصل ما بين “الحركة” وبقيّة أطراف التجمع؛ من تاريخ مرير من الصراعات السياسية والحروب. فالظلم التاريخي الواقع على الجنوبيين منذ ما قبل “الاستقلال”، إلى عهود الأنظمة والحكومات بعده، ما زالت جراحه نازفة. وإن ما يقع على كاهل الحركة وزعاماتها من مَهام جسام، يفوق التصوّر.
وبما أننا نتحدّث عن “ماضٍ ما”، بدأ بجلوس الحركة بزعامة الشهيد/ جون قرنق مع الأطراف الأخرى للتجمع، تجبُ علينا الإشارة إلى أن “فكرة السودان الجديد” التي صارت هدفا وأملا لتوجهات الحركة حينها، ولم تزل لدى البعض فيها، وجدَت المقاومة والاستنكار من أبناء وبنات الجنوب قبل مَن بيده السلطة، أو الممسك ببعض خيوط اللُعبة، في المركز/الشمال. فكان على قيادة الحركة أن تشقّ دربين وعِريْن:
أن “تقنع” شعبها وقواعدها وكوادرها بمزايا الوحدة والعيش المشترك، وأن الأحزان والقهر والتعالي ستصبح شيئا من الماضي لا رجعة إليه؛ وفي نفس الوقت أن تعمل على “إقناع” مَن يجلسون معها في ساحة التجمّع، وأولئك الذين تحارب جيشهم، أن هذا الأمن والسلام والعيش المشترك لن يتمّ إلا تحت سقف دولةٍ مدنية، بقوانين مدنية أيْ بمعني أن الدين لله، والوطن للجميع.
لقد استعملت تعبير “مَن تجلس معهم” الحركة في ساحة التجمع، ولم أسعى لقول: حلفائها فيه؛ لشيءٍ في نفس يعقوب. فأنا أزعم أن التجمع لم يكن فيه مِن حليفٍ للحركة؛ بل العكس، ربما يكون هو الأقرب لواقع الحال إما لبُعد الشِقّة بين الآمال والأحلام والنوايا.. أو للغيرة، والمكيدة السياسية!
فلعدَم وجود تحالفٍ حقيقيّ بين أطرافٍ متباينة، يجمع فيما بينها هدفٌ مشترك، يستحيل الوصول إليه إلا عبر دربٍ طويل وشاق، تكتنفه الصعوبات والتضحيات .. بدايته نقد الذاتي، وجهاد الروح!
ودون أن نبخّس جهود الآخرين كأفراد وأحزاب، نريد أن نعرف:
هل فعل كلٌ، بما في وسعِهِ، وقال: هذا كتابيَ.. أم لا..؟!
دستور (89)
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله خالق ، الانسان والشعوب وواهب الحياة والحرية وشاع الهدى للمجتمعات ، نحن شعب السودان ، بتوفيق الله وبعبرة التاريخ ، وبدفع ثورة الإنقاذ الوطني المتجددة ، قد وضعنا لأنفسنا هذا الدستور نظاما للحياة العامة نتعهد باحترامه وحمايته ، والله المستعان .
الحاكمية والسيادة
4-
الحاكمية في الدولة لله خالق البشر ، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف ، يمارسها عبادة لله وحملا للأمانة وعمارة للوطن وبسطا للعدل والحرية والشورى ، وينظمها الدستور والقانون
وهذا ليس سواء افتراء على الله وشعب السودان وشعوبه، ومجرّد ضحك على عقول الناس. فالله لم يرسل أحداً لحكم السودان، أو لهِدايتهِ، لا من قبل أو من بعد لا مهديّاً ، ولا عمر البشير؛ وبحسب كلام رسول الإسلام ونبيه أنّه آخر المُرسلين، فما من أحد يملك صكّا بذلك أو حُجّة. وشعوب السودان بها مَن لا يؤمن بدين الإسلام، وحتى المؤمنون به يتفرّقون بين المذاهب والطوائف والمِلل. وفيهم مَن يكفّر بعضهم بعضا، وفيهم مَن يرى أن الدين، أيّ دين، للعبادة والتقرّب إلى الله ودخول الجنّة، وليس للتربّع على عرش الحكم.
فليكفوا عن هذا العَبث ..!
وأن مثل هذه النصوص، من بسمَلتها إلى خاتمتها، لا تصلح، حتى، لخطبة جُمعةٍ بائسة؛ ناهيك عن حُكم شعبٍ وشعوب، فتح الله على الكثيرين مِن بناتها وأبنائها، ومن كافة المذاهب والأديان، بفيْضٍ من العلم وسعَة الخيال!
“الحركة الشعبية” وقميص عثمان
{ وهذا حزبٌ يتَخوْزقُ مُختاراً
لا إكراهَ .. ولا بطيخْ }
من هجائيّات “مظفر النوّاب” لحزبه الشيوعي العراقي !
عانى الحزب الشيوعي السوداني من عدّة انقسامات، ومن خروج بعض كوادره لأسباب “خاصة” أو لخلافات وصراعات فكريّة وسياسية، وليس في هذا ما يُعيب في حدّ ذاته. ولكن المُلاحِظ أو المتأمّل لمعالجة الحزب أو تعامله مع هذه الأحداث لا بدّ أن يُصاب بالدهشة، والأسف. إذ كان الحزب يمارس الحرقَ السياسي والمعنوي للمارقين عليه، دون تمييز لمن صار عدوّاً أو لمن شقّ له دربا آخرَ للنضال، ويصفهم ويدمغهم بأقبح النعوت:
فالذين كانوا جماعةً خرَجت، فهم مُنحرفون ومحرّفون لفقه الماركسية اللينينية السويّ. ولئن كانوا أفرادا، فهم مُنفنِسون، أو مُنحلون أخلاقيا أو ماليّاً أو الاثنان معا! فمنذ خروج أحمد شامي وجماعتو .. إلى القطيعة الفكرية التي أعلنها الخاتم عدلان، يكفي أن نشير إلى ما كنا نسمعه من بعض الحزبيين بزعامة “عم تيجاني” في القاهرة.. حتى تصدّى لهذه الحملة “الدفتردارية”، الشيوعيّون الملتزمون قبل غيرهم، ممن يعرفون ويقدّرون سماحة “الخاتم” وعفته وتضحياته وسعة فكره المستنير.. فآبوا إلى محاورته علنا، ومحاربته سرّا، وهو الذي بدأ الدعوة للحوار والتفاكر داخل الحزب، سنينا عددا، فلما صمّوا آذانهم وعقولهم خرجَ ليدعو بأن “آن أوان التغيير”.
وللحزب الشيوعي، أو أيّ حزب، الحقّ في الدفاع عن سلامة خطه الفكري والسياسي، والحفاظ على عضويّته من الذوبان والتآكل، بل وتنميتها علاوةً على ذلك. وإذا سلّمنا بهذه “الحقوق” على قاعدة: أنّ لا حرام في السياسة؛ فإنّ ذلك ليس مشاعا لحزب يتوخى محاربة “الأفكار البالية” و الفَكاك من أسْر “التقاليد الاجتماعية المعوّقة للتطوّر والانتماء الطائفي/السياسي ضدّ المصالح الطبقية ومحاربة “تجار الدين” .. إلخ، لأن ذلك لن يتأتى إلا بنشر الوعي والصراع الفكري وإعلاء مبدأ الحوار.. إلخ، أيضاً. وبنشر ثقافة الإطلاع على العلم والتفكير العلمي والانفتاح على الإنجازات الإنسانية على كافة الأصعدة والمجالات. وأن محاربة “الأفكار الهدّامة” لا تأتي عن طريق الانكفاء على فكر وفلسفة الذات، بل بمواجهة الآخر ومقارعته فكراً بفكر.
وإذا سلّمنا بأن هذه من البديهيّات، فعلينا أن نمعن النظر بعين فاحصة وناقدة لمسار حزبٍ كهذا؛ لسلوكه الفكري وخطّه السياسي، لمنعرجات الصراعات التي يخوضها، لانتصاراته وكبواته، ولنتيقن مِن هل أنّه، في لحظةٍ تاريخيّة معيّنة، يصعَد إلى درجات التطوّر، أم أنّه يهبِط على سلّمِ الانحدار؟
وإذا وقفنا لنسأل أنفسنا، أو لو سألَنا الغير:
لماذا نكلّف النفسَ كلّ هذا الجهد والعناء؟!
فمن السهل أن نقول: إنّه العَشَمْ.. ونتجنّب اللومَ والعتاب!
ومن الصدق أن نقول: لأنه تقع على كاهل هذا الحزب مسؤولية تاريخية. فهو حزبٌ شارك، ولم يزل يشارك، في صنع “الأحداث” و”مستقبل” شعوبٍ تبحث عن وطنٍ وملاذ ونتحمّل مسؤولية ما نقول.
*
إن الأصوات التي تنحي باللائمة، قليلا أو كثيرا، على “الحركة الشعبية” وعلى “سلوك” زعاماتها “المتناقضة” بين “وحدة” و”انفصال”، عليها أن تبحث في طبيعة الصراع، وتاريخيّته، ومساراته.. منذ “أنانيا” 1 و2 ، وحتى الآن لتجد الإجابة، أو بعضا منها، مِن بين طيّات وثنايا هذه المسيرة، أو السيرة.
وإذا ما نظرنا إلى “تطوّر” الفكر السياسي، من دعوة إلى الانفصال وإقامة دولة مستقلة عن الشمال.. إلى طرح “فكرة السودان الجديد”، ثمّ الدعوة (التي يعتبرها البعض نكوصا) إلى المطالبة بخيار تقرير المصير بما فيه من حق الانفصال، وتضمينه في اتفاقية السلام والدستور الانتقالي إنّ كلّ ذلك لا يشي بأيّ تنكّر من جانب “الحركة” لمبادئها التي قامت من أجلها، ولا لعهودها أو المواثيق التي أبرمتها مع قوى التجمع.
وبكل بساطة يمكن القول: أن الحركة ليست اللاعب الوحيد في هذه “الميادين”، ولا ينبغي لها أن تكون. فجدلية الصراع هي التي تصنع الأحداث والمواقف. فالحركة كانت تعلم، ومنذ بداية طرحها الجديد، أن تحقيق ذلك يتوقف على قيام دولة علمانية، أو لا دينية، أو مدنية إن شئنا قول ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.