وكفى اسماعيل حسن قصة بر الوالدين .. تدمع القلب * أتدرى ماذا تقول إذا بلغت الأربعين من عمرك؟ * الإجابة موجودة في سورة الأحقاف.. يقول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين). * قصة قصيرة رائعة عن بر الوالدين: * ها هي عقارب الساعة تزحف ببطء لتصل إلى السادسة مساء في منزل زوجة الفقيد أبي محمد التي تقضي اليوم الأول بعد رحيل زوجها الشاب إلى جوار ربه، ولسان حالها يقول وهي ترمق صخب الدنيا : جاورتُ أعدائي وجاور ربه ……. شتان بين جواره وجواري!! * امتلأ البيت بالمعزين رجالا ونساء.. صغارا وكبارا … * اصبري يا أم محمد واحتسبي، وعسى الله أن يريك في محمد ابن الثلاثة أعوام خير خلف لأبيه … * وهكذا قضى الله أن يقضي محمد طفولته يتيم الأب .. غير أن رحمة الله أدركت هذا الغلام ، فحنَّن عليه قلب أمه فكانت له أما وأبا .. * تمر السنون ويكبر الصغير وينتظم دارساً في المرحلة الابتدائية .. وتفوق في نهاية السنة السادسة، وأقامت له أمه حفلا رسم البسمة في وجوه كل من حضره .. ولما أسدل الليل ستاره وأسبل الكون دثاره ، قالت له أمه يا بني ليس بِخافٍ عليك قلَّة ذاتِ اليد (ضيق الحالة المادية) عندنا ، لكني عزمت أن أعمل في نسج الثياب وبيعها ، وكل مناي أن تكمل الدراسة حتى الجامعة وأنت في خير حال .. * بكى الطفل وهو يحضن أمه قائلاً ببراءة الأطفال : (ماما إذا دخلت الجنة إن شاء الله سأخبر أبي بمعروفك الكبير معي ) .. وتغالب الأم دموعها مبتسمة لوليدها.. وتمر السنون ويدخل محمد الجامعة ولا تزال أمه تنسج الثياب وتبيعها حتى كان ذلك اليوم … * دخل محمد البيت عائدا من أحد أصدقائه فأبكاه المشهد ..وجد أمه وقد رسم الزمن على وجهها تجاعيد السنين نائمة وهي تخيط ، ولا يزال الثوب بيدها .. * كم تعبت لأجل محمد ! كم سهرت لأجل محمد ! لم ينم محمد ليلته تلك.. وفي الصباح لم يذهب إلى الجامعة .. عزم أن يؤجل انتسابه في الجامعة ويجد له عملاً ليريح أمه من هذا العناء.. * غضبت أمه وقالت له : إن عفوي ورضاي يا محمد في أن تكمل الجامعة.. وأعدك أن أترك الخياطة إذا توظفت بعد الجامعة.. * وهذا ما حصل فعلا .. هاهو محمد يتهيأ لحفل التخرج ممنيا نفسه بوظيفة مرموقة يُسعد بها والدته .. * ويتوظف محمد بالفعل وفي الشهر الأول من وظيفته لملمت أمه أدوات الخياطة لتهديها لجارتها المحتاجة.. * وظل محمد يعد الأيام لاستلام أول راتب وقد غرق في التفكير : كيف يرد جميل أمه ! * أيسافر بها العمرة ? أينتظر الحج ? أيسربلها ذهبا ? * لم يقطع عليه هذا التفكير إلا دخول والدته عليه وقد إصفّر وجهها من التعب.. * قالت يا بني أشعر بتعب في داخلي لا أعلم له سبباً.. * جن جنون محمد.. كاد عقله يطير.. اسرع لإسعافها .. حملها إلى المستشفى.. إلا أن حال أمه يتردى وتدخل في غيبوبة ويتم تحويلها إلى غرفة الإنعاش.. * نسي محمد نفسه .. نسي عمله .. ترك كل شيء في الدنيا ولازم المستشفى.. لا يفارقها لحظة ولسان حاله يقول: فداك النفس يا أمي …. فداك المال والبدن.. * وكان ما لم يدر في حسبان محمد.. * مع شروق الشمس يتوجّه محمد إلى غرفة أمه ممنياً نفسه بوجهها الصبوح الريّان.. إلا أن موظف الاستقبال يوقفه عند الباب.. ويحثه على الصبر والاحتساب.. * صُعق محمد مكانه .. اظلمت الدنيا في اعينه.. فقد توازنه ! وكان أمر الله قدراً مقدورا.. * شيّع أمه المناضلة لأجله.. ودفن معها أجمل أيامه .. ولحقت بزوجها بعد طول غياب.. * وعاد محمد الي بيته يتيم الأبوين.. * انتهى الشهر الأول ونزل الراتب الأول لحساب محمد .. لم تطب نفسه به .. ما قيمة المال بلا أم?! * هكذا كان يفكر حتى اهتدى لطريق من طرق البر عظيم .. وعزم في نفسه أن يرد جميل أمه حتى وهي تحت التراب .. وظل يقتطع ربع راتبه شهرياً ويهبه صدقة جارية لوالدته.. * حفر لها عشرات الآبار.. وسقى الماء وبالغ في البر والمعروف ، واستمر على هذا حتى بعد أن شاب عارضاه ، وكبر ولده ، ولا يزال ربع راتبه وقفاً لأمه.. * كانت أكثر صدقاته برادات الماء عند أبواب المساجد.. * وفي يوم من الأيام وجد عاملا يقوم بتركيب برادة عند المسجد الذي يصلي فيه محمد.. * عجب محمد من نفسه كيف غفل عن مسجد حيه الذي يصلي فيه يومياً حتى فاز به هذا المحسن !! * فرح محمد لهذا المحسن وندم على نفسه.. * وبعد الصلاة قابله إمام المسجد وشكره على براد الماء فقال له محمد لكنني لم أفعل ذلك في هذا المسجد ! انما فعله محسن غيري .. * فقال له الإمام .. لا يا محمد.. لقد جاءني ابنك عبد الله – وهو شاب في المرحلة الثانوية – وأعطاني مبلغاً وقال لي : هذا سأوقفه صدقة جارية لأبي ، ضعه في برادة ماء للمسجد!! * عاد الكهل محمد لابنه عبد الله مسروراً بصنيعه .. وسأله من أين جئت بالمبلغ ! ليفاجأ بأن ابنه مضى عليه خمس سنوات يجمع الريال إلى الريال حتى استوفى قيمة البرادة ! * وقال عبدالله لأبيه محمد : لقد رأيتك يا أبي منذ خرجتُ إلى الدنيا تفعل هذا بوالدتك.. فأردت أن أفعله بوالدي .. * وبكى عبد الله وبكى محمد.. ولو نطقت تلك الدمعات لقالت: إن بركة بر الوالدين تُرى في الدنيا قبل الآخرة ! * وبعد (فيا أيها الأبناء.. بروا آباءكم ولو ماتوا .. يبركم أبناؤكم) * وكفى