تعتبر الرقية الشرعية واحدة من طرق العلاج المستخدمة في التداوي من أمراض (العين والسحر والمس) وغيرها من الأمراض التي تزعم غالبية النساء في السودان بأنهن يعانين منها ك(العارض وأم الصبيان والعمل) وقد شهد سوق الرقية الشرعية نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وازدادت أعداد المراكز التي تقدم خدمات العلاج للمرضى، خاصة النساء والفتيات اللاتي يترددن على تلك المراكز بحثاً عن الزواج وفك العارض وجلب الحظ، إلا أن انتشار هذه المراكز بالقرى والمدن بصورة عشوائية وبعيداً عن الرقابة جعل منها مقراً لممارسة الدعارة والرذيلة، وأن بعض الذين يدعون أنهم شيوخاً يستغلون بعض النساء من الفتيات في ممارسة أفعال فاحشة. الصحيفة رصدت بعض القضايا المتعلقة بمثل هذه الجرائم، ودقت ناقوس الخطر، ولفتت الانتباه إليها حتى لا تتحول تلك المراكز إلى أوكار للدعارة وممارسة الرذيلة والأفعال الفاحشة، فإلى التقرير التالي..
سلاح ذو حدين تقول الدكتورة ابتسام محمود استشاري أمراض علم النفس حسب صحيفة آخر لحظة إن العلاج بالرقية الشرعية مرتبط بالأمراض الروحية، ك(الحسد والعين) وغيرها من الأمراض الأخرى، وأن هذا النوع من العلاج بات ثقافة في المجتمع السوداني نسبة للضغوط والإحباط الذي يعاني منه المجتمع، وأصبح بعض ضعاف النفوس يستغلون تلك الظروف ويدعون مقدرتهم على معالجة هؤلاء المحبطين عن طريق الرقية الشرعية، إذ أنها أصبحت نوعاً من التواكل وليس التوكل، بالإضافة إلى الاستغلال، وأنها باتت مهنة من لا مهنة له، وأن هؤلاء الذين يدعون مقدرتهم على العلاج عن طريق الرقية الشرعية أصبحوا يترددون على أماكن العلاج وأن هؤلاء المعالجين يحصدون مبالغ مالية طائلة، نظير هذه المهنة، وأضافت د. ابتسام في حديثها للصحيفة أن هذا النوع من العلاج مرتبطاً بقناعة الفرد، حيث نجد في كثير من الأحيان أن الشخص مصاب بمرض عضوي، إلا أن أسرته ترفض الاعتراف به، وتفضل الذهاب إلى مراكز العلاج بالرقية، وأوضحت ابتسام أن العلاج بالقرآن هو جزء من الطب البديل، ولكن يجب أن يكون تحت إشراف وزارة الصحة، وأن يتم إجراء بحوث عملية، كما دعت ابتسام إلى سن قوانين تنظم ممارسة هذا النوع من العلاج، حتى لا يتضرر منه الآخرون. عمل تجاري الدكتور جلال الدين مراد من هيئة علماء السودان يقول إن الرقية الشرعية وردت في السنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى وأذن لمن يرقي، وأن الرقية هي ليست علاجاً، بل هي طلب أو استسلام لله عز وجل، ويشترط فيه قراءة آيات من القرآن أو الأدعية، وكلما هو دون ذلك يعتبر دجلاً وشعوذة. وقال جلال فيما يتعلق بمراكز الرقية أنها أصبحت أماكناً للتجارة، وأن كثير من الشيوخ الذين يدعون العلاج بالرقية غير مؤهلين، أو لا يتمتعون بسمعة طيبة. وأشار د. جلال إلى أن مجمع الفقه الإسلامي وضع ضوابط لهذه العيادات التي انتشرت، وأصبحت مهنة تجارية، موضحاً أنه ليس من الضروري أن يكون للشيخ الذي يرقي مقراً لمعالجة المصاب. حرص المجتمع فيما قالت "غ، م، أ، و" إنها لا تؤمن بالذهاب إلى الشيوخ الذين يدعون أنهم متخصصون في العلاج بالرقية الشرعية لأن معظمهم دجالون، ومن الممكن أن يقوم الشخص برقي نفسه بدلاً عن الذهاب إلى عيادات قد تكون مجرد تجارة أو أماكن تمارس فيها سلوكيات سيئة، والبعض يقضي نزواته الشخصية وخاصة مع النساء والفتيات اللاتي لا يستطعن مواجهة المجتمع بتلك الأفعال، لذلك لا بد من حرص المجتمع تجاه شيوخ الرقية الشرعية. ضوابط مصدر عدلي فضل حجب اسمه قال إنه من المفترض أن تكون هنالك ضوابط وقوانين مشددة على مراكز العلاج بالرقية، وذلك لحماية المجتمع والأسرة، مشيراً إلى أن وجود المراكز العشوائية والمخالفة لهذه الضوابط، ينتج عنها جرائم كبيرة جداً، مثل الأفعال الفاحشة والزنا والاغتصاب، ويكون هذا المكان مقراً للجريمة، موضحاً أنه وبناء على نص المادة (22) من قانون النظام العام، فإن هنالك شيوخاً يقومون بممارسة الدجل والشعوذة من أجل كسب المال غير المشروع، أو كسب أشخاص يتم استغلالهم في بعض الجرائم، مشيراً إلى وجود شيوخ معروفين ومشهود لهم بالعلاج عن طريق الرقية الشرعية ويمارسون عملهم بعلم الجهات المختصة، وناشد المصدر عبر الصحيفة الجهات الرقابية بأن تكون لصيقة بهذه المراكز حتى لا تصبح مرتعاً لارتكاب الجرائم. الجانب القانوني الأستاذ منذر عز الدين المحامي قال إن القانون يسمح بمزاولة الرقية الشرعية كمهنة، لكن السلطات تخوّل لها متابعة تلك المراكز، ولم تهتم بهذا الجانب والضوابط المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى أن هذه الرخص أصبحت تمنح لكل من هب ودب، مما فتح الباب واسعاً أمام الدجالين وضعاف النفوس، مطالباً الجهات المسؤولة بتشديد الرقابة على هذه الأماكن، بحيث يكون المكان شرعياً ويراعي فيه عدم الخلوة وأن يحدد زمن للنساء، وأن تكون هنالك نساء مختصات بالرقية للنساء، أما الضوابط التي يجب توفرها في الراقي فمنها أن يكون مختصاً وخبيراً في علم الرقية، وأن تكون لديه شهادات لمزاولة مهنة الرقية تصدر من وزارة الشؤون الدينية أو المعاهد والمراكز التي تدرس مثل هذه العلوم، وأشار منذر في حديثه للصحيفة إلى أن ترك الأمر دون رقابة فتح المجال لاستغلال المعالجين لضحاياهم لممارسة أفعال غير أخلاقية، كما أن القانون لم ينص على مواد تحدد كيفية وطرق التعامل مع هذه المراكز، كما أنه لا توجد ضوابط ذات مرجعية عقابية إذا تم مخالفتها أو استعمالها بسوء نية، وهذا السبب يجعل الباب مفتوحاً في الاجتهاد لوضع نصوص قانونية تحكم تلك التعاملات، والتي تقبل الصواب والخطأ من مواد القانون الجنائي، أما من وجهة نظري الشخصية فأرى أن من الأفضل أن يرقي المرء نفسه دون اللجوء إلى أصحاب مراكز الرقية الشرعية، فالشفاء بيد الله عز وجل. نماذج وقضايا قضت محكمة جنايات الحاج يوسف برئاسة القاضي معتصم عوض محمد بتوقيع عقوبة الغرامة (20) ألف جنيه وفي حالة عدم دفع الغرامة السجن (6) أشهر، وذلك في مواجهة شيخ أدانته المحكمة بممارسة الدجل والشعوذة، وفي الوقت ذاته أوقعت المحكمة عقوبة الجلد (40) جلدة والغرامة (10) آلاف جنيه وفي حالة عدم دفع الغرامة السجن (6) أشهر في مواجهة المدان لممارسته الأفعال الفاضحة داخل مركز للتداوي والعلاج بالقرآن بشرق النيل، كما أمرت المحكمة بإغلاق المركز نهائياً، وجاء قرار المحكمة بعد مناقشة الركنين المادي والمعنوي في مادتي الاتهام، حيث أن المتهم يقوم بممارسة الأفعال الفاضحة مستغلاً الضحايا بعد أن يوهمهم بأن هنالك (جن عاشق)، كما أن المتهم يقوم بتشغيل مسجل للمرضى وهو ليس ذات الشيخ الذي يقوم بالرقية، بالإضافة إلى بيع (مياه وعسل) لهم بقيمة (1000) جنيه، ومن ثم يقوم بتشخيص الحالة، وتشير تفاصيل البلاغ الأولية إلى أن الشاكية تقدمت بفتح بلاغ قالت في مضمونه إن هنالك شيوخ يقومون بممارسة الدجل والشعوذة من أجل الكسب المادي. كما أن محكمة النظام العام بأم درمان كانت قد أدانت شيخ يُدعي العلاج بالقرآن، وذلك على خلفية ضبط أفلام فاحشة على جواله وغيرها من الممارسات التي تستخدم فيها أماكن الرقية الشرعية كستار للنفاد من أعين الشرطة. تقرير: تسنيم جدو