ظل رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يلوح بعد الإجراءات التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم – بإجراء انتخابات لحسم الصراع على السلطة. قوى سياسية ترى أن التلويح بالانتخابات مجرد محاولة ابتزاز لها من العسكر حتى تنصاع للواقع الماثل الآن، وتقول إنه لا يمكن أن تجرى في بلد لم تكتمل مؤسساتها، ولم يتوفر المناخ الملائم لها، وآخرون يرون أنه استحقاق واجب بعد الفترة الانتقالية. وفي ظل كل هذه التعقيدات يظل السؤال قائماً هل ستقام انتخابات لإنهاء هذا الاحتقان السياسي، أم أنه مجرد كرت ضغط، وفي حال تم تنفيذها هل ستعيد حزب المؤتمر الوطني المحلول إلى السلطة مرة أخرى؟ شرعنة للانقلاب. الكاتب والمحلل السياسي، ماهر أبو الجوخ، يرى أن حل الأزمة الحالية ليس بالهروب للأمام وتحويل الانتخابات كأحد أدوات الصراع السياسي الحالي بغرض "شرعنة الانقلاب" الحالي، وإنما يتطلب الوصول بصيغة حكم رضائي تعيد الانتقال والتحول الديمقراطي، أما محاولة إيجاد شرعية عبر الانتخابات فإن كل من الرئيس السابق، جعفر نميري، والبشير نظما انتخابات خلال سنوات حكمهم، لكنها عوضاً عن فك عزلتهما الشعبية فاقمت منها، وفككت نظاميهما قبل أن يتهاوى نظاماهما بالثورة الشعبية. ويضيف أبو الجوخ ل"السوداني" أن الانتخابات لا تمنح الشرعية، وإنما قبول ورضا الناس بالنظام السائد، وتوجهه الحقيقي بتأسيس نظام حكم ديمقراطي تعددي. جزء من الأزمة. أبو الجوخ يلفت إلى أن الانتخابات المبكرة دون حل الأزمة السياسية الراهنة هو تحويل الانتخابات من مقترح "حل" إلى "جزء من الأزمة"، وينوه إلى أن المكون العسكري سبق أن طرح هذا الأمر "الانتخابات" بعد إسقاط النظام المباد، ويقول: "فنياً" إقامة انتخابات تحتاج لاتفاق على قانونها، ونظامها ووجود مفوضية تدير العملية الانتخابية بشكل نزيه، وقبول للعملية نفسها، وإلا سيتم مقاطعتها أو الاتهام بتزويرها عند إعلان نتيجتها، بل وقبل كل ذلك يجب الاتفاق على شكل نظام الحكم، هل هو برلماني أم رئاسي، أم مختلط، وشكل الحكم في البلاد هل ستكون أقاليم أم ولايات، وكيفية اختيار حكام الأقاليم والولايات بشكل مباشر أم عبر المجالس التشريعية، أم بالتعيين، وصلاحيات المؤسسات التشريعية والتنفيذية ومستويات الحكم طبقاً لشكل نظام الحكم وشكله؟ ويمضى إلى أن جميع هذه القضايا لم يتم الاتفاق عليها وغير واضحة، وإقامة انتخابات دون الاتفاق عليها سيعقد الأوضاع لتزايد الاستقطاب والانسداد الكامل. لهذا السبب. ويواصل ابو الجوخ أن إجراء انتخابات دون تحقيق السلام وعودة النازحين، لأن تنظيمها في ظل استمرار الحرب ونتائجها سيكون تكراراً لأخطاء الماضي، وهذا سيجعل النظام الناتج عن تلك الانتخابات غير معبر عن مناطق الحروب، وقد يترتب عليه تزايد وتنامي نزاعات الانفصال مستقبلاً. إجراء ديمقراطي. وفي المقابل يرى المحلل السياسي، الرشيد محمد إبراهيم، أن الحديث عن إجراء انتخابات الآن، وبعد مرور نحو ثلاث سنوات من عمر الفترة الانتقالية، هو أمر اعتيادي، كما أنه إجراء دستوري، ولا يمكن اعتبارها انتخابات مبكرة، لأنها لم يتم الحديث عنها فى العام الأول للفترة الانتقالية، ويشير إلى أن الكثير من الدول تلجأ إليها، إضافة لكونها إجراء "ديمقراطي"، فإنها آلية مهمة في حالات الخلاف أو حالات الانسداد السياسي، أو عدم التوافق تجاه أزمة وطنية، بالتالي يفضلون مصلحة الوطن، حيث تتم في سباق المنافسة الحرة بين كل القوى السياسية. العسكر للثكنات ويمضي الرشيد في حديثه ل"السوداني" بشأن إمكانية أن حال قيام "الانتخابات" تعيد حزب المؤتمر الوطني المحلول إلى السلطة مجدداً، ويمضي بقوله: 'أعتقد أن الانتخابات تظل واحدة من الآليات السياسية الناجحة فى معالجة المشكل السوداني، لأنها تعيد أوزان الأحزاب السياسية، كما تعيد "العسكر للثكنات"، وتعيد ترتيب ما هو دستوري وغير دستوري، وتنظم العلاقات، ويواصل بأنه ليس منزعجاً بأن تعيد نتيجة الانتخابات حزب "الأمة" أو "الموتمر الوطني" مجدداً إلى السلطة لأن الحديث عن الانتخابات يجب أن يكون في شرعيتها ونزاهتها، وفي الأدوات والآليات والإجراءات المعتمدة، غض النظر عن النتيجة، يعني النتيجة ليست مهمة، المهم هو الطريقة والإجراءات المتبعة، وأن يكون السؤال هو هل كانت" نزيهة وصحيحة وشفافة وصادقة أم لا؟"، أما النتيجة فيجب ألا يكون حولها خلاف طالما أتت عبر الصناديق وبطريقة صحيحة. التشبث بالسلطة. أما وزير الخارجية السابق، السفير إبراهيم طه أيوب، يقول إن قادة الانقلاب العسكري ظلوا يرددون ومنذ 25 أكتوبر الماضي أن المخرج من انسداد الأفق الذي يسيطر على الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة هو إجراء "الانتخابات المبكرة التي تحدد أوزان الأحزاب والقوى السياسية العاملة في الساحة، ويوضح في حديثه ل"السوداني" أن مفهوم الانتخاب يعتبر جوهر الحياة الديمقراطية، وبالتالي يمكن القول إن إصرار الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة على إجراء الانتخابات الفورية، هدفه "التشبث بالسلطة"، وبحسب أيوب فإن العسكري لا يمكن أن يصير بين ليلة وضحاها ديمقراطياً، يبشر بالانتخاب الحر النزيه، وهو الذي قام ب"انقلاب على سلطة مدنية" جاءت بها ثورة شعبية آلت على نفسها ترتيب أوضاع البلاد، خلال فترة انتقالية محددة تجرى عند نهايتها انتخابات حرة ونزيهة، أما عن ادعائهم بأن مجرد إجراء مثل هذه الانتخابات ستؤدي إلى تجاوز حالة الاحتقان التي في الحقيقة – نتاج "لتآمرهم" على الحكم المدني، فهو العقم السياسي بعينه الذي يمكن اعتباره امتداداً لتآمرهم الذي بدأ يوم 25 أكتوبر الماضي. فزاعة الوطني. يواصل أيوب إلى أنه ومن الجانب العملي، فإن الظروف غير مهيأة الآن لقيام هذه الانتخابات التي تتطلب إعداداً إدارياً وفنياً عالياً تتمثل في إجراء التعداد السكاني، خاصة أن تغييراً ديمغرافياً كبيراً قد حدث بالبلاد، خلال العقود الأربعة الأخيرة، وأن أرتالاً من المقترعين ولدوا خلالها، وأن جيلاً من قادة العمل الإداري لابد من تدريبه، بالإضافة إلى التكلفة المالية الباهظة غير المتوفرة حالياً في ظل وجود الأزمة الاقتصادية التى تواجهها الدولة، أضف لذلك فإن بعض الأحزاب نفسها غير مؤهلة لخوض الانتخابات، أما بسبب تشرذمها أو ضعفها مالياً وتنظيمياً. وحول مخاوف البعض من أن الانتخابات في حالة قيامها ستعيد المؤتمر الوطني للسلطة مجدداً يقول أيوب إن البعض يحاول تحويله إلى "فزاعة " إذ إن جماعة الإخوان المسلمين سيطروا على السلطة لنحو ثلاثة عقود، ولم يجد الشعب منهم غير "الفساد والخراب". الخرطوم : سوسن محجوب