"الترضية" أو "التسوية" في سياق دولي هي، سياسة دبلوماسية لتقديم تنازلات سياسية أو مادية لقوة مُعادية في سبيل تجنب "النزاع". وفي بداية ثلاثينيات القرن العشرين، كان ينظر إلى هذه التنازلات بشكل إيجابي بسبب صدمة "الحرب العالمية الأولى"، وإعادة النظر حول المعاملة الانتقامية لألمانيا في معاهدة "فرساي"، وإدراك أن الفاشية شكلٌ مفيد من أشكال مكافحة "الشيوعية". وبعيداً عن ثلاثينيات القرن المنصرم، برز مصطلح "التسوية السياسية" بقوة هذه الأيام في الشأن الداخلي السوداني، ولاحت في الأفق بوادر اتفاق ثنائي بين العسكريين والمدنيين-تنكره قوى "الحرية والتغيير" والعسكريون- لتكملة الفترة الانتقالية المتبقية عقب الإطاحة بنظام حكم عمر البشير في أبريل 2019. الاتفاق الثنائي "الاتفاق الثنائي" أو "التسوية السياسية"، التي تنكرها قوى الحرية والتغيير "المجلس المركزي"، والعسكريون كذلك، في حين، تؤكد وجود وسريان الاتفاق قوى سياسية أخرى، وترفضه بشدة حال تم الإعلان عنه في صيغته النهائية، بل وتتوعد بمناهضته حتى إسقاطه، كي لا يتم "تجريب المجرب" مرةً أُخرى، يزيد من تعقيد الوضع السياسي السوداني الراهن أكثر، ويثير العديد من التساؤلات حول مشروعية الاتفاق غير المعلن الذي تدعمه منظماتٍ ودول خارجية بحسب تلك القوى، لا ترغب بعودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي بتاتاً؟. ويقود كذلك للسؤال حول مصير السودان كدولة واحدة حال تم تقرير مصير جهات وقوى سياسية سودانية، لا ترغب باتفاق لا تمثيل لها فيه، ويحتكر السلطة لمجموعات محددة يرغب بها الخارج. بجانب مآلات الصراع "الغربي – الشرقي"، على الموارد والموقع الاستراتيجي للبلاد بداية من البحر الأحمر مفتاح 70% من التجارة العالمية التي تمر عبره، وغيره من موارد بكر. الغرف المظلمة الدكتور هاشم قريب الله الرئيس التنفيذي لمبادرة نداء أهل السودان للتوافق الوطني، حذر في المنبر الصحفي بطيبة برس، الذي تناول موضوع التسوية السياسية الشاملة، من تأثير الأزمة على الأمن القومي السوداني، وانتشار خطاب الكراهية، بجانب، انسداد الأفق والتدخلات الأجنبية التي زادت من انعدام الثقة بين المكونات السياسية. ورفض قريب الله الحوار الذي يتم داخل الغرف المغلقة، لإعادة إنتاج الأزمة من جديد، فيما أكد أنهم في نداء السودان يريدون توافقاً بلا حكومة محاصصات حزبية للمحافظة على الأمن والتجهيز للانتخابات. وقال الرئيس التنفيذي، إن توصيات المبادرة التي تم تسليمها للبرهان، لم يتم البت فيها حتى الآن، مشدداً على الضغط ضد أي "تسوية ثنائية" إقصائية، وأكد أنهم على مسافة واحدة من جميع المكونات السياسية وهدفهم الإصلاح ومنع السودان من الوقوع في المحاور، وأكد أن أي انفراط لعقد الأمن بالسودان ستتضرر منه دول كثيرة في مقدمتها شرق وشمال أفريقيا. لقاء قادة الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وخلال آخر لقاء تنويري له بقادة الجيش من رتبة اللواء فما فوق، وبحضور كل هيئة أركان القوات المسلحة، استعرض الموقف السياسي الراهن، مؤكداً على موقف القوات المسلحة الثابت تجاه قضايا الاستقرار وأمن البلاد في ظل التحديات الحالية، والالتزام بالنأي بالمؤسسة العسكرية عن المعترك السياسي. ونفى قائد الجيش، ما يُشاع عن إبرام أي تسوية سياسية ثنائية مع أي من المكونات، وأكد أن القوات المسلحة ستقف على مسافة واحدة من الجميع دون الانحياز لأي طرف وتدعم خطوات التحول الديمقراطي. لكن، رئيس قوى الحِراك الوطني د. التجاني السيسي، يرى غير ذلك قائلاً "نلحظ محادثاتٍ بين قحت والعسكريين"، وحذر في نفس الوقت من أنّ أي تسوية بدون الحد الأدنى للتوافق سيقابلها اصطفاف مضاد وخطير. وأضاف "إذا حدث التوقيع سيكون هنالك مواجهات نخشاها"، وتابع "أرى نموذج أوكرانيا في السودان". التسوية الشاملة وطالب السيسي بصورة واضحة، بتسوية شاملة يتفق عليها يرعاها السودانيون أنفسهم، بوضع مصلحة البلاد العليا في الاعتبار لأنه مواجه بانقسامات حادة تستهدف وحدته. وأشار للصراعات الدولية حول موارد السودان، والاصطفاف وصراع الأجندات الأمريكي الروسي بالسودان، كلٌ لتحقيق مصالحه وليس مصلحة السودان. ودعا التجاني لتسوية شاملة لإنقاذ البلاد من الانهيار والتمزق، عبر مائدة مستديرة لإدارة الفترة الانتقالية، مؤكداً أن التسوية "ماشة" والآلية الثلاثية متحيزة، أضاف "لغة إنتو منو وما بتشبهونا ستدمر السودان"، لافتاً لوجود "8" ملايين قطعة سلاح خارج القانون، وزاد "نريد مباصرة الأمور لمخارج آمنة". وتحدث المبعوث الأممي، فولكر بيرتس، في تصريحات سابقة عن محادثات تجري بين المكونين العسكري والمدني بشأن الحلول. وقال إن هناك تقارباً في وجهات النظر بين كافة الأطراف بشأن الخروج من الأزمة، معرباً عن أمله بقرب الحل، لافتاً إلى وجود اتفاق بين الأطراف على فترة انتقالية لا تتعدى العامين. برميل بارود القيادي بالاتحادي الأصل عمر خلف الله، أشار إلى أنّ البلاد مشرفة على الانهيار الكامل وتقف على برميلٍ من البارود الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة. وقال في المنبر الصحفي بطيبة برس، إنّ أي تسوية تريد استعادة التشنج والإقصاء لن تفضي لانتقال ديمقراطي تعقبه انتخابات. وأضاف "هناك ما هو تحت التربيزة ولم يخرج حتى الآن". ودعا لحلول حقيقية عبر تسوية شاملة وتاريخية مع الحزب الشيوعي السوداني، فيما لفت إلى أنّ الشارع ملتهب يجب أن تمر المعالجة عبره، على أن تكون قابلة للتطبيق. بالمقابل، قال القيادي ب"الحرية والتغيير" التوافق الوطني د. عمر عثمان، إنهم سيواجهون التسوية المرتقبة بصورة "شرسة وخشنة" حسب تعبيره، لافتاً لإمكانية بروز صراعات مسلحة قد تقود إلى الحالتين "السورية والليبية". وانتقد بشدةٍ وثيقة دستور تسييرية المحامين قائلاً "إن الوثيقة التي وضعتها المنظمات الأجنبية معيبة شكلاً وموضوعاً". ودعا المجتمع الدولي والمكون العسكري لتيسير التسوية الشاملة، مؤكداً أن أي عمل غير ذلك سيجعل السودان مسرحاً للصراعات ومهدداً للأمن الدولي. التدخلات السعودية من جانبه، قدم الأمين السياسي لحركة المستقبل د. ناجي مصطفى، مناشدات للشعب الأمريكي والبريطاني والسعودي أيضاً، وخص بالمناشدة أكثر الحكومة والشعب السعودي، لكف يد سفارة الرياضبالخرطوم عن التدخلات السالبة في الشأن الداخلي السوداني. ودعا منظمات المجتمع الأمريكي لمراجعة والضغط على سياسة بلادها الأحادي تجاه السودان، مشدداً على أن أي تسوية إقصائية سرية مصيرها الإسقاط كما حدث من قبل وسيحدث. وقال ناجي إن "قحت" التي حكمت لعامين لم تتحدث فيهما عن تشكيل المحكمة الدستورية أو المجلس التشريعي، أو المفوضيات، تلعب مع العسكر على الشعب السوداني بالمفاوضات التي تجري. وجدد مطالبته للحكومة السعودية بالتدخل في خيارات سفارتها بالخرطوم لتكون إيجابية-حد قوله-، بينما أشار إلى أن "قحت" لم تفصح عن نتائج فض الاعتصام لابتزاز العسكر، لافتاً أن الحرية والتغيير ظهرت عقب سقوط الإنقاذ واختطفت المشهد. الخرطوم : محمد عبد الحميد