أشعل محمد سيد الجاكومي، أحد أبرز قادة شمال السودان، أزمة سياسية وأمنية جديدة؛ بكشفه عن ترتيبات تدريب عسكري مكثف لأبناء الشمال، واتهامه صريحاً لأطراف في "اتفاق جوبا للسلام" بتفكيك الاتفاقية والاستئثار بالسلطة، وسط تحذيرات من تهديدات عسكرية مباشرة لمناطق الشمال ومشروع سد مروي الحيوي. أكد الجاكومي في حديث خاص ل"التيار" أن "ليس هناك تنفيذ!" لاتفاقية جوبا للسلام سوى في "السلطة الاتحادية" التي "تمركزت في أيدي مجموعات محددة مخالفة لما تم التوافق عليه"، متهمًا جهات غير محددة ب"الاستئثار بالسلطة" خاصة في مسار دارفور على حساب المسارات الأخرى (الوسط، الشمال، الشرق). وكشف عن محاولة "الحركات المسلحة" إسقاط المادة 8 (المفوضيات واللجان) من المادة 5 (مجلس الوزراء) أثناء مناقشة القانون، وهو ما رفضه واعتبره "مرفوضًا" ومخالفاً للاتفاق الذي يقضي بتقسيم السلطة دون "أي ميزة تفضيلية". هاجم الجاكومي ما وصفه ب"الإجحاف والظلم البين" في تنفيذ الحصة المخصصة للموقعين على السلام (25%)، مشيراً إلى أن أكثر من 8 تنظيمات متمسكة بهذا الحق. وأكد أن أي مجموعة تلتحق بالسلام "تكون جزءاً من حصة ال(25%)"، مشيراً إلى أن شرطها هو "تنفيذ الاتفاقية" ذاتها. وذكر أن لجنة سابقة كُوّنت برئاسة الفريق ياسر العطا (وكان محمد حمدان دقلو "حميدتي" رئيساً لها آنذاك) لمعالجة اختلالات الاتفاق، لكن "مخرجاتها لم ترَ النور حتى قيام الحرب". رفض الجاكومي اتهامات "أبونمو" حول ملفات الشمال، واصفاً كلامه بأنه "غير صحيح"، مُستنداً إلى عدم تنفيذ بنود المسارات الأخرى. ودافع بحزم عن قرار تدريب 50 ألف شاب من أبناء الشمال، مؤكداً معرفة القوات المسلحة وجهاز المخابرات لهذه المهمة. وبرر ذلك بالقول: "الناس منزعجة: ليه عندما أهل الشمال بدأوا في ترتيب أوضاعهم العسكرية والتحضير لعدو قادم، سايرين البعض العايز يحتكر السلاح؟!". واستدل بسوابق تدريب قوات أخرى (مناوي، الأمين داؤد، عمر، أردول) في إريتريا، قائلاً: "وين المشكلة؟". ووصف التدريب بأنه "متقدم" و"مستبشر به"، مُؤكداً: "ونحن ماشين في هذا الاتجاه. لقد تأخرنا كثيراً!". ورفض بشدة فكرة حماية مناطق الشمال من قبل آخرين: "نحن ما في راجل يحمينا!... ما محتاجين لزول وراجل؟! ولا أي قوات تتواجد في مناطقنا؟!". مستشهداً بتاريخ المنطقة العسكري قائلاً: "نحن أحفاد رماة الحدق.. ترهاقا.. بعانخي"، ومؤكداً أن العسكرية "مهنتنا، وسنعود لها بقوة لحماية مناطقنا من الهجوم المتوقع". وحذر الجاكومي من "تهديد حقيقي" بعد الانسحاب من المثلث ودخول قوات الدعم السريع إليه، قائلاً: "الشمالية أصبحت بعد ثلاث ساعات فقط من التمرد!". وأشار تحديداً إلى خطر "ضرب المسيرات لخزان مروي، ومناطقنا في الدبة". وطالب علانيةً الرئيس عبد الفتاح البرهان بتوفير "دعم أمني قوي" وتزويدهم "بنفس السلاح" و"نفس الإمكانيات الفورية" التي مُنِحت للحركات المسلحة، قائلاً: "زي ما سلَّح الحركات المسلحة!... يوفر لينا في الشمال!". أكد الجاكومي أن الحكومة الإريترية "مرحّبة تماماً" بزيارتهم، مشيراً إلى اتصالهم بالرئيس الإريتري وإعلان ذلك سابقاً. وأرجع تأخر السفر المقرر خلال الأسبوع الحالي للقاء الرئيس الإريتري إلى "المشاكل التي حدثت في البلاد – خاصة خلافات اتفاقية سلام جوبا". وكشف عن تقدُّم 5 أطراف موقعة على السلام بمذكرة تطالب "بتنفيذ اتفاق جوبا"، وهو ما أشعل الخلافات الحالية. وهاجم ما وصفه ب"تغبيش الوعي والاستهبال السياسي" من قبل "الحركات المسلحة"، محذراً: "والحق غير القانوني شالوه المرة الفاتت، تاني ما بشلوه!". يضع حديث الجاكومي، بصراحته النادرة واتهاماته المباشرة ودفاعه الحازم عن التدريب العسكري، الحكومة الانتقالية وأطراف اتفاق جوبا أمام اختبار مصيري. تصريحاته تكشف ليس فقط عن عمق الأزمة وانعدام الثقة بين الشركاء في السلام، بل أيضاً عن استعداد مناطق الشمال لخيارات قد تعمّق الانقسامات وتؤجج الصراع، خاصة مع المطالبة الصريحة بتسليح مماثل لحلفائهم والتحذير من تهديدات عسكرية وشيكة. المشهد السوداني يزداد تعقيداً، والشمال يرفع سقف مطالبه في مواجهة ما يراه إخفاقاً في السلام وإهمالاً لأمنه.