هذه الحلقة من تضاريس هي امتداد للحلقة السابقة التي تحاول سبر غور قصة الكاتب الروائي أحمد الملك القصيرة التي جاءت بعنوان « الشيطان وعسكري البلاستيك».سأحاول هنا إعمال منهج فلاديمير بروب عن الوظائف كما فعلت سابقاً في قصتي «حفنة تمر « للطيب صالح و» الطفلان وباتريشيا» لعبدالعزيز بركة ساكن.وقد تحدثت عن فلاديمير بروب ومنهجه في حلقة باكرة من تضاريس أيضاً. يعرف فلاديمير بروب الوظيفة (Function فونكسيا بالروسية) في كتابه « مورفولوجيا الحكاية الخرافية» فيقول: «هي العنصر أو الوحدة التحليلية النهائية في الحكاية الخرافية، وهي العنصر الوحيد الثابت في تلك الحكاية وتفهم على أساس فعل شخصية وتعرف من وجهة نظر أهميتها لسير العمل» يقول بروب إن منهجه يمكن تطبيقه على الحكاية أية حكاية فلا يشترط قصره على الحكاية الخرافية فحسب وهي الحكاية التي يدخل فيها السحر والتحويلات. وأعتقد ان بروب محق. وكنت ولأغراض البحث أقوم باختزال القصص المعنية فيما اسميه الكبسلة أي سحب الماء عن القصة وتركها في حالة صلابة .وهذه الطريقة لا ترضي الكاتب قطعاً ولا ترضي القاريء لكنها بالنسبة لي ضرورية لعمل الوظائف.. حسبك أن تعتبر القصة هنا معتقلة اعتقال كائن في معمل لأغراض التشريح والفرق بينها وبين الكائن أنه يموت بعد التشريح بينما القصة ستظل حية خارج المعمل وفي متناول جميع الأعين الفاحصة بأمل أن تكون رؤيتهم لها بعيون جديدة وهذه بالضبط فيما أزعم ويزعم غيري هي فائدة النقد. لأغراض النقد إذاً أحاول كبسلة قصة «الشيطان وعسكري البلاستيك» فيما يلي: الشيطان و عسكري البلاستيك الأم تغسل كومة من الملابس ليلة العيد . أطفالها حولها . تسمع نهيق حمار فتقول هذا ليس حماراً إنه شيطان.جعلها تذكر الشيطان تأمرهم بأعداد مبخر.فرصة للأخ الأكبر لاستخراج الألفاظ النابية ضد الشياطين وهو يطردهم بالبخور . غداً صباح العيد تقول الأم تزورون قبر الوالد وتغرسون عليه جريد النخل. كان الأخ الأكبر قد سأل في العام الماضي لماذا جريد النخل؟ فقالت الأم سعف النخل اللين يوقف عذاب الآخرة . الأخ الأكبر يسأل سؤالاً جديداً لماذا لا نزرع نخلة؟ تقول الأم يجب ان تصبح كل الملابس المتسخة في البيت صبيحة العيد نظيفة.. الراوي أصبح باله مشغولاً بمسألة الشيطان التي روعتهم بها الأم.المبخر لطرد الشياطين امتد بواسطة الطفلين الراوي وأخيه الأكبر إلى المخزن وهو مربط الفرس في القصة.فما أن دخلاه حتى بدأ العالم السحري والتحويلات في القصة حيث شاهد الطفلان مشاهد عجيبة مسحورة خلال ضوء شمعة .وشاهدا والدهما وحاولا اللحاق به. الراوي صار يحكي بلسانه ولسان أخيه. تحول الأمر إلى حلم .وجد الراوي الدمية البلاستيكية (عسكري البلاستيك) ينتهي المشهد العجيب بإظهار أن الطفل الراوي كان نائماً. «قالت الأم : هل ستنامان يوم العيد حتى تشرق الشمس؟، انتبهت عندها إلى بيتنا ورأيت الدمية الضائعة للعسكري الذي يتأهب لإطلاق النار ترقد جوار صدري». انتهت الكبسلة الفجة. إن حاولنا طرح الشخصيات جانباً والتقليل من أهميتها كما يفعل بروب في حكاياته الخرافية وأمسكنا بالوظائف فإننا سنجد هنا وظيفة « المنحة « أو الهدية كما في الحكايات الخرافية متمثلة في « المبخر» و» الدمية البلاستيكية» وهناك وظائف أخرى كوظيفة عناية الأم متمثلة في « غسيل الملابس وجعلها كالجديدة» ووظيفة الوفاء متمثلة في جريد النخل ووظيفة المخاوف متمثلة في الشيطان. ووظيفة الفقد متمثلة في» الشمعة المنيرة «. فيما يتعلق بوظيفة « المخاوف» نجد أن الطفلين في حالة حوار دائم مع ما تقوله الأم فيما يتعلق بالشيطان. يضع الراوي على لسان أخيه الأكبر لقطات ذكية عن سخريته من الشيطان: - الشتائم غير اللائقة تجوز للشياطين. - المخزن خير مكان بالبيت لوجود الشيطان لأن به تمراً وهو بعيد عن دوشة الجيران. الملاحظ أن معظم المعلومات عن الشيطان الواردة في النص تجيء من الأم أو هي محالة إليها في قول الراوي ومساعده . لكن الأخ الأكبر أضاف معلومات جديدة فيما يتعلق بأماكن وجود الشياطين: - الشياطين تعيش في الأشجار الكثيفة وتحب الهدوء وتعيش في البيوت المهجورة، أما الراوي فكل معلوماته عن الشياطين تجيء من الأم: - الشياطين تحب الشجار لأن أمي قالت حين تشاجر جارنا مع زوجته إن الشيطان دخل بينهما.. وبقية السرد السابق في أول القصة عن الشيطان الحمار، وطرد الشياطين من البيت بواسطة المبخر؛ وإطلاق الشياطين في اليوم الأخير من رمضان. لكن الطفل الراوي على حداثة سنه أضاف جملة عن الشيطان الذي أتي بلعبته البلاستيكية حين رد على والدته بأن الدمية أتي بها الشيطان و سألها: - هل توجد شياطين طيبة؟ إن وظيفة المخاوف المعبر عنها بشخصية الشيطان تجيء أساساً من الأم ليس بقصد سيء فهي تحب أبناءها ولكنها عبارة عن إعادة إنتاج للثقافة السائدة في القرية، فالكاتب كان سيقدم على مخالفة للواقع إن رسم الأم بخلاف ذلك. لكن هذه المخاوف لها أغراض تربوية خفية فهي من جهة تلم الأطفال ليلاً في البيت ومن جهة تجعلهم يحرصون على عدم الاقتراب وهم أحداث من حيوانات وكائنات ربما ترفسهم إن لم تمسخهم. نواصل