تحت عنوان: (الشيطان وعسكري البلاستيك) نشر الكاتب أحمد الملك قصة قصيرة في أحد المنتديات الإلكترونية السودانية (الراكوبة) تبدأ القصة بالحيوية الدافقة التالية: «عشية عيد الفطر كنا نتحلق حول والدتي في الفناء وهي تغسل كومة من الملابس على ضوء مصباح الزيت، سمعنا صوت نهيق حمار يمزق صمت الليل. قال أخي ، انه حمار جارنا سيد، وصمت قليلا قبل ان يتذكر شيئا: هذا الحمار معتاد على قطع رباطه والاعتداء على مزارع الآخرين لابد أن شخصا ما يقوم الآن بضربه! قالت أمي: هذا ليس حمارا .. انه شيطان! قلت: ألم يتم حبس كل الشياطين في رمضان؟ قالت أمي: «نعم لكن مساء اليوم الأخير في رمضان يعاد إطلاق كل الشياطين». من الافتتاحية نلحظ أن الراوي يقول « كنا نتحلق» مما يعني أن هناك أكثر من شخصين لكن الراوي سرعان ما يكشف لنا أن مرافقه طوال قصته هو شقيقه الأكبر وهما معاً طفلان .الراوي لم يدخل المدرسة بعد وتخيفه حكايات الشياطين نحن إزاء طفلين فقدا الأب قبل فترة بحيث أن العيد الذي حل سيكون هو العيد الثاني الذي مر على فقده. القصة تصور على لسان الطفل الأصغر أساليب الوالدة المتخذة لحمايتهما وحبها لهما وفقدها / فقدهما لوالدهما. الحوار يجري بالفصحى ، واعتقد أن الكاتب وفق فيه هنا حيث إن الأحداث المستدعاة من الذاكرة تظهر كيف أن الطفل الصغير يضفي قداسة على أمه ولذا فالفصحى مبررة في الحوار.كل ما تقوله الأم يجد أذناً صاغية منهما. طفلان لا حيلة لهما في مساعدة الأم الوحيدة الفقيرة « يوم العيد الماضي حين ذهبنا للمرة الأولى لزيارته(زيارة قبر الوالد) لم تكن سوى بضعة أشهر قد مرت على وفاة والدي. في المقبرة كنا أول الواصلين، كان هناك عدد كبير من الصبية يلبسون ملابس العيد البيضاءالجديدة، كنا أنا وأخي نلبس ملابس قديمة أصلحتها والدتي لكنها كانت نظيفة وناصعة البياض كأنها جديدة.» الجملة الأخيرة من الفقرة تظهر رأي الطفل فيما تفعله والدته من أداء حسن لرعايتهما :فالملابس القديمة نظيفة وناصعة البياض كأنها جديدة « هذا بالضبط يعني: « أمنا حريصة ومتقنة لعملها». كنت كتبت في تضاريس (74) في تناولي لقصة «الطفلان وباتريشيا» لعبد العزيز بركة ساكن وهي أيضاً قصة بلسان طفل راوٍ ويستخدم لوظائف القصة المختلفة مساعداً له هو أيضاً شقيقه الأكبر أن الشخصيات في القصة كما في الحكاية الخرافية وفقاً لمنهج الروسي فلاديمير بروب ليست مهمة أهمية الوظائف . وسنعرض في الحلقة المقبلة لوظائف القصة الحالية « الشيطان وعسكري البلاستيك». استخدم كل من أحمد الملك وعبدالعزيز بركة الشخصية الثانوية الطفل الاكبر، عبدالعزيز اظهر عفرتة شقيق الراوي وحساسيته العالية تجاه الخطر وأحمد أظهر حكمة شقيق الراوي وشجاعته حد التهور .كلا الشقيقين في القصتين إنما عبر عن حيلة بارعة من الكاتبين بدلاً من وضع كل الحكمة على لسان طفل واحد صغير يفترض فيه البراءة. القصتان تتحدثان عن الحب .طفل عبدالعزيز الراوي أكبر سناً من راوي أحمد الملك ولذا استمتع باكتشاف البراعم الأولى لشجرة تابو مجهولة لديه اسمها الجنس .أما الطفل في قصة أحمد الملك فعبر لنا عن الحب لوالدته ووالده مع الفقد الهائل الذي يحس به جراء موت الوالد.يمكننا القول إن كلتا القصتين كانتا في الحب لكنه حب كان في كلتيهما بمعية. (نواصل)