تعاني موازنة العام 2012 من تحديات عديدة تواجهها كأول موازنة بعد انفصال جنوب السودان وفقدان (50%) من ايرادات الموازنة التى كانت تأتى من النفط الذى ذهب بانفصال الجنوب، الى جانب عجز كبير فى الموازنة الجديدة يبلغ (3%) من حجم هذه الموازنة، وتزايد عجز ميزان المدفوعات جراء زيادة الواردات مقابل تراجع الصادرات ،فضلا عن شح النقد الاجنبى وارتفاع اسعار الدولار بالسوق الموازى الذى يقترب من ال(5)جنيهات . ولتجاوز هذه التحديات نصت الموازنة على (3) آليات لسد العجز والبالغ نحو (8) مليارات جنيه، عبر الاستدانة من الجمهور ،والاستدانة من بنك السودان المركزى بطباعة العملة، واستقطاب قروض خارجية، بينما تفيد متابعاتنا بانه وقبيل ان يبدأ الصرف على الموازنة خلال هذا الاسبوع ،دخلت آليات سد عجز الموازنة الثلاث حيز التنفيذ الفعلي ، حيث بدأت آلية الاستدانة من الجمهور تعمل بفاعلية ببدء الاكتتاب فى صكوك الاستثمار الحكومية (صرح) منذ الخامس من يناير الجاري وحتى الخامس والعشرين منه بسوق الخرطوم للاوراق المالية لاستقطاب موارد حقيقية من الجمهور بنسبة ارباح سنوية تبلغ نحو (20%) ، بينما تجرى الترتيبات لطرح شهادات (شهامة) للاستدانة من الجمهور والبنوك التى سمحت لها السياسات التمويلية الجديدة للعام 2012 بشراء شهادات (شهامة) بنحو (30%) من سقوفاتها التمويلية من اجل المساهمة فى سد عجز الموازنة. اما الاستدانة من بنك السودان المركزى كآلية ثانية لسد عجز الموازنة بطباعة عملة، فتفيد متابعاتنا بان الترتيبات مستمرة للاستدانة من البنك المركزى لتمويل الانتاج والصادر بغرض الحد من التضخم جراء طباعة العملة، كما سمحت السياسات التمويلية الجديدة للبنوك بالتوسع فى انشاء المحافظ التمويلية من اجل تمويل القطاعات الانتاجية والصادر، وانشاء محافظ متخصصة للتمويل من بينها محفظة لزيوت الطعام ومحافظ اخرى للصادرات غير البترولية وشراء محاصيل الصادر. أما الآلية الثالثة لسد عجز الموازنة ،فتتمثل في استقطاب قروض خارجية، وفى هذا السياق تمكنت وزارة المالية من استقطاب قروض جديدة لتمويل مشاريع التنمية بشرق السودان ودارفور عبر صندوقي اعمار دارفور والشرق، وقروض اخرى من الصين لتمويل مشاريع تنموية بولايات السودان المختلفة تم توقيع جزء منها خلال زيارة وفد الحزب الشيوعي الصيني للبلاد خلال هذا الاسبوع، بالتركيز على مشروعات المياه، بينما اعلن د. محمد خير الزبير محافظ بنك السودان المركزى عن شروع البنك فى استقطاب قروض من الدول الصديقة من بينها قطر والسعودية والامارات والصين وايران ،لمعالجة شح النقد الاجنبي وبناء احتياطيات منه ، كما يتوقع ان تتوج الجهود التركية بتنظيم مؤتمر لمانحي شمال السودان فى اسطنبول فى مارس المقبل فى استقطاب دعم دولي للبلاد لامتصاص تداعيات الانفصال . وفى اعتقادى، فان هنالك فرصاً اخرى لسد عجز الموازنة غير الآليات الثلاث التى نصت عليها الموازنة، تتمثل فى تشجيع الاستثمار وزيادة الصادرات غير البترولية ،وخلق شراكات اقتصادية مع دولة جنوب السودان بالتوصل الى اتفاق حول القضايا العالقة فى اجتماعات اديس ابابا التى بدأت بحر هذا الاسبوع، تقوم على تعظيم المصالح المشتركة خاصة تجارة الحدود، وتدفق نفط جنوب السودان عبر البنيات التحتية للبلاد من خطوط انابيب وموانئ تصدير، الى جانب تنظيم هجرة العمالة بين البلدين والاستفادة من العمالة المدربة بالبلاد فى بناء الدولة الوليدة ،والاستفادة من الموانئ البحرية والنيلية والسكة الحديد والطرق البرية فى زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين.