بينما كان القيادي بحزب المؤتمر الوطني، مستشار رئيس الجمهورية، د. مصطفى عثمان إسماعيل، مبحراً في خضم علاقات العرب والأفارقة وإنسحاب ثورات الربيع العربي عليها، كان الحضور ? بما فيهم قبيلة الصحافيين- تربصاً بانتظار فراغه من استعراض ورقته المعنونة ب (مستقبل العلاقات العربية الأفريقية في ضوء تطورات الربيع العربي) ليسلقوه بألسنة حداد وتساؤلات مغلظة عن موعد حلول ربيع البلاد؟ وعن سر (البطيخة الصيفية) المستوطنة داخل بطن حزبه من إستحالة إمتداد ثورات العرب لأرض النيلين؟ ذلك رغماً عن الأوضاع الشائكة وبالغة التعقيد التي خلفها انفصال الجنوب، وإضفاء بعض العوامل التي حركت جوارنا العربي ومتوافرة عندنا، ما دفع كثيرين ? ضمنهم متحدثون بالندوة- لوضع الخرطوم في أعلى سلم العواصم المرتقب انتفاضاتها لمرة ثالثة، شريطة تخلي السلطات عما يرونه قمعاً ومتاريس في الطريق إلى الشارع. وعلى طريقة روائيين عظام، دعونا نبدأ من خواتيم ردود د. مصطفى في أضابير الندوة التي نظمها واستضافها مركز التنوير المعرفي، ونفى فيها أن يكون السودان محصناً ضد الثورات، الثورات التي كان لشعب السودان قصب السبق في ارتيادها (ثورتا أكتوبر وأبريل)، هذا ? بالطبع- قبل أن يحشر كلمة لكن (النافية) مبدداً بها غيوم كانت قد حامت في الأفق معلنة تشابه في الحالة السودانية وحال دول الربيع، فالسودان ? عند المستشار- ما هو بتونس أو مصر أو ليبيا أو حتى اليمن، أما السبب فلكون الثورات العربية هبت لإزاحة أنظمة الاستبداد وهو ما قال بعدم وجوده في السودان وساق من الدلائل: إفساح المجال أمام قوى المعارضة للعمل بالداخل، تمدد التيارات السياسية من أقصى اليمين حتى نهايات اليسار، إجراء إنتخابات العام 2010م المعترف بها دولياً، بجانب خطوات الإصلاح الدؤوبة للحزب الحاكم وذكر كيف وعد الرئيس عمر البشير بعدم الترشح لدورة رئاسية جديدة، وكيف شبوا في السلطة كعسكرتاريا حلوا الأحزاب وصادروا الصحف، بينما انبتهوا لسماع منتقديهم دون تبرم أو ضيق وقال: (النظام بدأ عسكريا ولكنه قاد إصلاحا وصولاً لمستوى نسمع فيه الانتقادات اللاذعة، والبيتكلم يمشي عادي، وده ما كان بيحصل في الخمس سنوات الأولى). السبب الثاني في كنانة المستشار ورمى به أحلام مناوئيه بهبة الشعب السوداني أسوة برصفائه بدول الجوار فمتعلقة بسيادة الفساد في دول الربيع فيما الخرطوم تشن ?على الأقل اليوم- حرباً ضروسا على المفسدين. أما حال تحدثنا عن انتفاض بعض العرب احتجاجاً على تبعية دولهم المطلقة للغرب فقال د. مصطفى: نتمتع بكامل استقلاليتنا، وهذا ملف لا يزايد فيه أحد علينا. أما السبب الأخير، عند المستشار فمرده لصعود الإسلاميين كابينة قيادة دول الثورات إنطلاقاً من المساجد في أعقاب أداء صلاة الجمعة، وبالتساؤل أين تقف تلك الفئة المفجرة للثورات لدينا؟ ردّ: (البيمشوا المساجد هم داعمو النظام) أما ما لم يقله فإن شريحة منتمية لتلك الفئة (الإسلاميين) تسنمت أمر البلاد أواسط العام 1989م ما يعدونه موعداً لربيع السودان واضعين بمحاذاة ذلك تعجباً من المنادين بتنسم ربيع أصلاً موجود (وخطبة الرجل لا تجوز فوق خطبة أخيه). وبالعودة لموضوع الندوة الرئيس (مستقبل العلاقات العربية الافريقية في ضوء تطورات الربيع العربي) لفت د. مصطفى عثمان لهاجسين يكتنفان علاقات العرب والأفارقة، فالعرب بعد استقلال جنوب افريقيا ورحيل قادة التحرير لم يجدوا ? غالباً- ما يقدمونه للأفارقة فانكفأوا على مشكلاتهم، فيما الأخيرين في أعقاب (كامب ديفيد) أفقروا بصورة شبه تامة من إمتلاك مواقف داعمة للعرب. وبالتالي أدى ضعف الوشائج السياسية لضعف طردي انسحب على علائق الجانبين رغماً من: الروابط العديدة التي تربطهما منذ عصور سحيقة، وكم المصالح المشتركة، مضافاً لها نسبة (80%) من العرب وينتمون للقارة السمراء! وفي السياق، توقع وزير الخارجية الأسبق، أن تتنسم علاقات العرب وافريقيا هواءً نقياً من مرتفع الربيع العربي الجوي، وعزا ذلك لتقلدّ الإسلاميين المعتدلين (جل القارة تدين بالإسلام) مقاليد الحكم في بلاد الربيع وتلك الشريحة ترفض عنف القاعدة وتتمنع عن السير في ركاب الغرب، ما يؤسس لعلاقات جديدة مستمدة من الجذور الحضارية بين الجانبين تكون بمنأى عن الضغوطات الخارجية، علاوة على شروع بعض القادة الافارقة ?فعلاً- في إجراءات إصلاحية مخافة تمدد الثورات إلى بلادهم ما يعني تحكم الإرادة الشعبية التواقة للتواصل مع العرب ومحاكاة ربيعهم المطلبي في حياة مستقلة وكريمة (وإرادات الشعوب دوماً ما تتلاقى) وقبل أن يختم قطع د. مصطفى عثمان إسماعيل باستمرار السودان في لعب دور القنطرة بين العرب والأفارقة، وباهى في الصدد بمواقف الدول الأفريقية من الخرطوم طيلة الفترة الفائتة. على كلٍ، هبّ الربيع العربي مع مشكلات طبيعية صاحبت تخلقه، بيد أنه ينبغي على قادته الالتفات -بحق- لإفريقيا كعمق للعرب وبناء علاقات مصلحية وشعبوية راسخة، بما يحول دون ترك القارة البكر نهباً لمطامع الغرب ومصالحه التي نادراً ما تتقاطع معنا.