هناك أمثال شعبية سودانية كثيرة يتمثل بها الناس في مناسباتهم المختلفة انتهت الى الأجيال المتأخرة مقطوعة عن أصولها. ربما وصلت الى الرواة غير معروفة الأصل والقائل. ثم لفقوا لها القصص بعد ذلك لشرحها وتفسيرها ونسبوها الى أسماء مشهورة. على أن كثيراً من الأمثال لا نزال نجهل أصولها ومناسباتها، بل نجد منها ما نفهمها بالجملة ولا نعرف معاني ألفاظها تفصيلاً فإذا قال القائل: «ورقد هبطرش» -أو- «رقد هوبلي» وهما يضربان لكثرة الشئ وتراكمه فهمناهما بالجملة، ولكن ما معنى (هبطرش).. وما معنى (هوبلي) بل ما معنى (حبيبة الصباح) في قول من قال: «دقاه دقة حبيبة الصباح» أي ضربه ضرباً شديداً وما معنى «سانقيب لا نقيب» في المثل: «سانقيب لا نقيب لا قرعة ولا عنقريب» ويضرب مبالغة في الفقر، وما معنى قولهم «رب وراس»، ويضرب مبالغة في النفي والإنكار. يقول الرجل إذا أُتهم بأخذ شئ أو سرقته فأنكر ذلك فيقول «رب وراس ما شلتو وما شفتو». فالواقع ان العبارة تكتسب الشهرة والالفة بين الناس فتصير مثلاً شعبياً لأسباب متعددة منها أن تكون العبارة مستمدة من قصة أو واقعة أو نادرة مشهورة ومنها أن تكون في داخل العبارة ذاتها ما يجذب الناس إليها دون نظر الى أصلها وقائلها، وهذا يعني أن شهرة المثل لا ترجع دائماً الى كونه نابعاً من حكايات شائعة أو منسوبة الى أسماء لامعة، بل كثيراً ما يستمد المثل شهرته من ذاته، أعني من شكله وموسيقاه وتصويره للفكرة ونفاذ تأثيرها في عامة الناس، وإذا تأملنا المثل القائل: «الحكاية لا من يجو أهل العجل» أدركنا أنه لا يحمل من رونق التعبير ولا جماله الفني ما يؤهله لهذه الذيوع والإنتشار اللهم إلا ما تثيره العبارة من غموض وغرابة تحفز السامع الى البحث عن أصلها.