? بعض العبارات المتداولة أو المبدعة تكسب شهرة وإلفة بين الناس فتصبح مثلاً شعبياً.. وهذا يرجع الى أسباب متعددة من ذلك مثلاً كأن تكون العبارة مستمدة من قصة أو نادرة مشهورة ومنها ان تكون في داخل العبارة نفسها ما يجذب الناس اليها دون نظر الى أصلها وقائلها، وهذا يعني ان شهرة المثل الشعبي لا ترجع دائماً الى كونه نابعاً من حكايات شائعة أو منسوباً الى أسماء لامعة، بل كثيراً ما يستمد المثل شهرته من ذاته، أعني من شكله وموسيقاه وتصويره للفكرة ونفاذ تأثيرها في عامة الناس، وإذا تأملنا المثل القائل: «الحكاية لامن يجو أهل العجل» أدركنا أنه لا يحمل من رونق التعبير ولا جماله الفني ما يؤهله لهذا الذيوع والإنتشار كما ذكرنا في الحلقة السابقة، اللهم إلا ما تثيره العبارة من غموض وغرابة تحفز السامع الى البحث عن أصلها.. فليس في موسيقاه ولا في فكرتها ما يجذب الناس اليها، وإنما السبب في ذيوعها راجع الى شهرة الحكاية التي نبع منها المثل ولكن هذا لا يعني ان كل الأمثال الشعبية السودانية التي تنشأ من الحكايات الشائعة تجرى على هذا النسق فإن منها ما يجمع بين الأمرين ويحقق السببين معاً، ولكن لابد من تقرير أهمية الصنعة الفنية في المثل ومدى استجابة الناس لها وجدارتها بأن تكون سبباً لشهرة العبارة وانتشارها. ? والتجانس الصوتي أول ما يلفت النظر في صنعة المثل الفنية وله صور متعددة وأبسطها وأعرقها في تاريخ الشعوب تكرار اللفظ أو ترديد أحرف متشابهة الجرس في داخل العبارة، ويدل على ذلك ولع الأطفال بتكرار الأصوات والعبارات وقد يتساجلون فيما بينهم في النطق بها صحيحة دون ان يعثر اللسان أو يختلط القول وهذه الظاهرة موجودة لدى الشعوب على اختلافها، وفي السودان يتساجل الصبيان بمثل ذلك يقولون مثلاً الزرزور زرزر طار ويكررونها وقد يرددون بعض العبارات مرة بعد مرة على سبيل الحكاية لا المساجلة كما في حجوة أم ضبيبينة.