أكدت التجارب الماثلة في السودان أن المشروعات القومية الكبرى التي تخصص لها الكثير من الأموال وتدار بمنهج يقوم على الأطر السياسية والإعلامية ينتهي إلى فشل كبير وتضيع معه الأموال وتضيع الآمال في قيام المشروعات وتنتهي المسألة بحسرة لا مال وجد ولا خدمة قدمت. بينما تحقق المشروعات التي تقام على رشد وأركان ثابتة كل ما يراد لها من كسب سياسي وإعلامي وخدمة رفيعة. أمامنا العديد من مثل هذه المشروعات. ضل مشروع النفرة الزراعية طريقه وتحول من الحقول إلى المكاتب وتبدل إلى أثاثات وسيارات وضاعت سنوات ومدخرات وآمال مع مشروع سندس الزراعي ولا يعلم أحد حساب وقيمة الوقت الذي ضاع ولا حجم الأموال والعائد الممكن من المشروع. ولم يعرف أحد مصير الأموال التي جمعت قسرا وعبر المساهمات (الإجبارية) في مشروع ترعتي كنانة والرهد. وإنتهي مشروع توطين الطباعة في فقر المكاتب والبيوت من (أجندة العام) وكافة المطبوعات الجميلة بسبب مشروع توطين إحتكاري إستخدم سلطة دولة تعمل بفلسفة إقتصاد السوق وتجاوز عن معني مهم وهو أن يطور الطباعة عبر توفير التسهيلات لها وخفض الرسوم والضرائب ودفع المطابع للتنافس الحر لتجود عملها مثلها ومثل بقية الأسواق في السلع والخدمات التي يتم فيها تنافس المستورد والمنتج المحلي ويعملان في توافق. وخيرا فعلت وزارة الصحة الإتحادية وخيرا فعل وكيل الوزارة بإعلانه الشجاع عن وقف مشروع توطين العلاج في الداخل وإخضاع مرحلته الثالثة لدراسة ووضع توصيات للعلاج. وهذه الوقفة الشجاعة ناقصة إذ تحتاج لشجاعة أكبر يتم بها تحديد أسباب المشكلة تحديدا واضحا وشفافا إذ أن العمل الناجح لا يتحقق دون إدارة ناجحة ومراجعة شاملة وواحدة من أهم أسباب النجاح أن تطرح الحقائق للمشروع للناس وللرأي العام حتى يعرف الحقيقة ويتابع المشروع لا بد من معرفة حجم الأموال التي أنفقت ومصيرها وأسباب الفشل والمعدات والأجهزة غالية الثمن التي تم شرائها من الخارج وكيف تم الشراء وأين ذهبت المعدات هذا مهم حتى لا يتكرر الفشل. المرض هو الحالة الوحيدة التي يمكن القول فيها ان العلاج في الداخل أفضل إذ يكون المريض بين أهله ويمكنهم المتابعة وتوفير الدعم النفسي والمعنوي للمريض وإمكانية مقابلة كل طارئ يقع. ولكن لا يمكن لمريض أن يرتاح لعلاج في بلد القاتل فيه البنج والإهمال وسوء التشخيص وقلة التدريب والهمة وأحوال المستشفيات وفواتيرها.