الشيخ فرح ود تكتوك عُرف بالحكمة والفراسة وبعد النظر، جاءه يوماً من يريد أن يسلفه ريالاً يقضي به حوائجه فوصف له طاقة صغيرة على الجدار يمد يده فيها فيجد ريالاً فليذهب ويقضي به أمره وعندما أعاده بعد فترة طلب منه الشيخ أن يضع الريال في موضعه ففعل وبعد حين عاد الرجل مره أخرى ليستلف منه الريال فأمره بأخذه من ذات المكان وتكررت الحكاية إلا أن الرجل شعر بعد فترة لا داعي لأن يعيده وتصرف على هذا الاساس حتى احتاج لذات المبلغ بعد فترة وعاد الرجل مرة أخرى فطلب منه الشيخ ان يأخذ الريال من ذات المكان فلم يجده فعاد قائلاً ياشيخنا لم أجده فرد عليه الشيخ فرح بقولته الشهيرة: ( لو ختيتو كنت لقيتو). ظاهرة تعثر البنوك هي السبب الرئيسي في مشكلة التمويل المصرفي فالبنوك تعتمد على أموال المودعين والمودعين دائرين عوائد والعوائد هي تكلفة التمويل زائد هامش الربح وهامش الربح يساوي معدل التضخم المتوقع حتى لا تتآكل الاصول والممول هو البنك والعلاقة المالية بين البنك والعميل عندما تهتز من تحتها العلاقة بين المدخر والبنك باعتبار أن المستفيد الأول والمستفيد النهائي من التمويل هو المدخر والمنتج واذا لم يحرص القطاع الخاص باستخدام التمويل بطريقة اقتصادية تمكنهم من اعادته ستظل مشكلة التمويل قائمة في السودان ولو بلغت البنوك رساميلها مليارات الدولارات....! التصرف الرشيد في استغلال التمويل بعيداً عن تصرفات ما يمحق الرزق من ( كسر و××××××) وغيرها من مداخل التجارة التي أدخلت معنى الشباب الى غياهب السجون ولعل الأغنية الشهيرة قبل سنوات والتي ابتدعتها مغنية أغدق عليها العريس الاموال فاصبحت تصدح بالأغنية دا السلم.... دا السلم، بالمناسبة أين السلم الآن.......؟ إن استخدام التمويل فيما خصص له خاصة في العملية الانتاجية من شأنه أن يزيد العرض والمعروف اقتصادياً إن زيادة العرض تخفض الاسعار وخفض الاسعار يجعل حركة دوران السلع سريعة ذلك أن السلعة تكون في متناول الجميع ولكن الحالة الاقتصادية في السودان هي حالة مختلفة وذلك بسبب عدم حرية الانتاج ولا اعني بذلك تدخل الدولة في العملية الانتاجية بصورة مباشرة ولكن مجرد أن يكون هناك فائض في الانتاج يعلو صوت المنتج بضرورة دعم الاسعار حتى لا يخسر المنتج وتدخل الدولة بدعم الاسعار يؤدي الى حركة غير طبيعية في العملية التجارية فيظهر تجار يشترون المحصول من المنتج لبيعه الى الحكومة والتاجر وهذا الدعم من المؤكد يكون خصماً على موارد كان يمكن أن تذهب لتحسين الخدمات للمواطن نفسه ومن ثم تتحرك الموارد في العملية الانتاجية التي تنسحب أثارها بعدالة على الجميع. لعل دخول موارد البنوك في التمويل دون آليات لمتابعة هذا التمويل يجعل مخاطر التمويل عالية ذلك أن التمويل اولاً لا يتم حسب مراحل الانتاج وبذلك لا تكون هناك رقابة عليه مما يجعله عرضة أن يؤخذ باسم الانتاج ثم يذهب للمضاربة في الأسواق الامر الذي ينعكس على خلل في العمليات التجارية السريعة العائد والعالية المخاطر والذي يؤدي فشلها الى نتائج تكاثر نزلاء السجون وسوء التوزيع في الدخل وانحسار الانتاج بدرجة جعلت الفارق بين الاستيراد والصادر عالية حيث تعتمد الصادرات على فوائض الانتاج. ولترتيب البيت الانتاجي الداخلي لابد من جملة من التدابير تبدأ بتقوية البنك الزراعي ليكون هو الممول الوحيد للزراعة وان تكون مشاركة البنوك الأخرى إن رأت ذلك عبر محافظ يديرها البنك الزراعي وبذلك يستطيع بماله من خبرة وامكانيات وآليات أن يكون له فرع في كل فرية تمكنه من التمويل والمراقبة واذا كانت هنالك ثمة شركات زراعية ينبغي أن يؤسسها هذا البنك مثال لذلك شركات الحصاد والتي تراقب المحصول على حسب طلب المزارع ومن ثم نقوم بعملية الحصاد في وقتها وايداع نصيب المزارع في حسابه في بنك القرية القريب منه فتصبح العملية الزراعية هي شراكة بين الممول والمزارع والارض فتصبح العلاقة اكثر احكاما حتى للمزارعين غير القادرين على العملية الانتاجية بسبب السن او المرض أو أن ( الحواشة) اصبحت ورثة لعدد من الابناء الذين لايعملون في الزراعة فيمكن أن تنشأ اتفاقيات ثنائية بين المزارع أو اصحاب المنفعة وبين مستثمر يمكن أن يحقق أعلى انتاجية تعود على اصحاب المنافع بالخير الكثير دون اي تدخل من الدولة بعقد قانوني بين اصحاب المنافع يكون فيها المزارع شريك بأرضه والممول بماله وخبرته وبالتالي يصبح الهدف هو الانتاج بطريقة اقتصادية يعم خيرها على المجتمع وتنسحب هذه الفكرة على القطاع الصناعي حيث يمكن ان يسهم القطاع الخاص في رأسماله وتوضع له آليات متابعة وإدارة هندسية بخبرات عالي تسهم في اسداء النصح للمصانع وتتمكن من اصلاح الاعطاب بهدف الاستمرارية فى العملية الانتاجية بدلاً من توقف المصنع لشهور وتصبح بذلك اقتصاديات عمله غير ذات جدوى وكثيراً ما ينسحب ذلك على اجور العمال فترفع الاصوات والشكوى لعمال كل معيشتهم مرتبطة بهذا الأجر مما يجعل الحياة امامهم صعبة للغاية فالمرتبات اصلاً ضعيفة وعندما تتأخر يصبح رب الاسرة في حالة لايعلمها إلا الله. إن ترتيب البيت الانتاجي الداخلي بتكامل الادوار بين القطاعات المختلفة قد يخلق تحالفات اقتصادية داخلية قوية فالتحالف والتعاقد الشراكي بين الصناعة والزراعة بتوفير الأخيرة مدخلات الانتاج وذلك عبر تمويل المصنع والذي هو من باب اولى ذو قدرة مالية للعملية الزراعية لتوفير مدخلات انتاجية يوفر عليه مشقة الترحيل ويقلص مصروفاته الجمركية ومن شأنه أن ينعكس على استدامة العملية الانتاجية لصالح العمال والمنتجين معاً بخلق فوائض إنتاج للصادر او انتاج من اجل الصادر يسهم في ترقية الانتاج ورفع الانتاجية التي هي الاساس في خفض التكلفة وتنافسية المنتجات. لعل من المهم أن نقول انه لا مفر من الخروج من الحالة المعيشية إلا بالتوجه نحو الانتاج بتضافر الجهود بين القطاعات المختلفة والتي هربت منه الى المتاجرة بالتمويل المخصص للانتاج الامر الذي انعكس على عدم عودة ريال الشيخ فرح ود تكتوك مما أدى الى تعثر البنوك.