سيارات ال(لاندكروزر) تلاحق باجهاد (الارمادا) المنطلقة بسرعة علي طريق غير ممهد، من اقصي ولاية سنار قرية (ام درمان فلاتة)، في ختام جولة طويلة لد. حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي. السيارات تنهب الارض علي قسوتها بقسوة!!! وترتج الاجساد بلارحمة. الا ان مطاردة الموقف تبدا في التراجع، مع وصول عقارب الساعة لما بعد العاشرة مساء. عندها تنطلق (الارمادا) التي تقل الترابي، وقيادات حزبه، باقصي سرعة، للحاق بالندوة المقامة في مدينة السوكي مساء السبت الماضي. (1) السوكي علي قدر طاقتها، تبدا، الندوة، بمتحدثين من الشعبي، قبل وصول الترابي، والذي ما ان وصل حتي اتجه للمنصة، وبدا حديثه لحضور الندوة. الارهاق والتعب يعصف باجساد مرافق الترابي، في رحلته. الصحافيين، رغم ارهاقهم، يترقبون خبرا، او تصريحا. الوقت يمضي، ومعظم الصحف، غادرت الي المطابع. وقبل انتهاء الندوة بربع ساعة استيقظ الحس الصحفي، واذهب نعاساً، كاد ان يعصف بالاجفان. فالترابي طرق ودون سابق انذار موضوع تغيراً النظام سواء عبر الانقلاب او الانتفاضة الشعبية، وحذر من هذا الامر، لانه سيقود لنتائج وخيمة، وحالة من الفوضي التي لا يمكن السيطرة عليها. واعلن عن انه ضد اي محاولة لتغيير النظام. تصيدت صحيفتان تحذير الترابي، ووضعته علي صدر صفحاتهما. يبدا البعض في تحليل ما حدث، ويسعون للربط بين الصور المركبة، تحذير الترابي واعلانه الرفض التام لاي محاولة لتغيير النظام، وما يشاع عن استعداد حركة العدل والمساواة وتصريحاتها، عن دخول الخرطوم. (2) وذاكرة الزمان تحفر تاريخاً ال(حادي عشر من مايو)، والوقت ظهيرة، بمدينة سنجة، حيث تختتم فعاليات المؤتمر العام الثاني للشعبي. ووسط القواعد الاجرائية، والمداولات، تحت حراسة الاجهزة الامنية بولاية سنار. اندفعت حركة العدل والمساواة بمئات من السيارات داخل ام درمان (البقعة) في محاولة لاستلام السلطة. تحمل المهاتفات القادمة الي سنجة في سرادق المؤتمر تفاصيل ما حدث، الامر يصل للشيخ عبر الهمسات، وقصاصات الورق الصغيرة. الا ان الامر لم يغير شيئاً في سير المؤتمر. الكل كان موقنا ان هذه الليلة، هي ليلة الحسم. الشيخ لم يبدى تعليق علي ما حدث، سوي (ان النار التي تتقد ببيت الجيران... تصلك)،ووصفه لما يجري في هذه اللحظات بالعاصمة بانه غاشية، ورغم حديثه في العديد من اللقاءات الجماهيرية، الا انه لم يتطرق للموضوع. (3) في الجانب الاخر بدأ البحث عن احتمال تورط حزب المؤتمر الشعبي، في ما يجري، انطلاقا من بعض المعلومات مفادها أن الترابي وبعض قيادات حزبه غادرت الخرطوم متجهة إلى مناطق مجاورة لها وتحوم حولها الشكوك في أنها قدمت معلومات استخباراتية لقوات العدل والمساواة تتعلق بتواجد الجيش في منطقة أمدرمان وعلى خارطة الطرق، علاوة علي تصريح ندوة السوكي. كما لو كان الامر غطاء أراد أن يبعد به الترابي مسبقا الشبهات عنه إذا فشل الهجوم على العاصمة. بسيناريو يبدو مزيجا ما بين سيناريو تاميم القناة، لناصر. وانقلاب 1989 ودخول الترابي كوبر (اذهب لسنار مؤتمرا، وانت للخرطوم منقلبا). مع الاخذ في الاعتبار العلاقة التاريخية الوثيقة بين خليل إبراهيم والحركة الاسلامية- والمؤتمر الشعبي. (4) الحراسة الامنية لموكب الترابي تتبدل في ذات الليلة، تبعا لحالة الطوارئ. واليوم الاخير لزيارة الترابي لسنار، يختتم بزيارة لقرية (جلقني) التي تقع علي مشارف الدمازين. تنطلق الاشاعات بالولاية عن فرار الترابي، لاثيويبا في عملية شبيهة ب(تهتدون)، الا ان الشيخ كذبها بعودته مساء الاحد لسنار. وعلي مائدة العشاء الاخير للترابي بالولاية، بدا الشيخ مرحا، وهو يتحدث، للصحافيين المرافقين له في رحلته، وبقية مرافقيه. الا ان الاجواء المرحة التي حاول الشيخ ان ينثرها علي الحاضرين. لم تنجح في اخباء جذوة التوتر في الحضور، فالشائعات تشير الي اعتقال الشيخ فور وصوله للخرطوم. وقد اسر الشيخ قبل ركوبه السيارة لمرافقيه، ومساعديه، بانه سيعتقل. لم يكن الامر مفاجئاً لكل صاحب بصيرة، فجولة الترابي اليوم، وفي كل المخاطبات، كان يشير فيها لقصة سيدنا يوسف، وسجن سيدنا يونس ببطن الحوت. وعن ان السجن لم يعد سوي فرصة لزيادة الوزن!!، والقراءة، والكتابة، والتفكير بصورة عميقة. رغم محاولات الكثيرين للضغط علي الترابي، للمبيت بسنار-سواء من ناحية تامينية، اوضيافية- الا انه اصر علي السفر ليلا. لينطلق عند منتصف الليل بمرافقيه لمدينة الخرطوم. (5) وصل الشيخ الي منزله بضاحية المنشية، عند الثانية صباحا، لم يستطع حراسه، ومرافقوه اخفاء توترهم، مما يشتمونه ويوشك ان يلحق بشيخهم. الا انه هدأهم، وخرج لطالبيه عند الخامسة. ليذهب به للتحقيق. الاجهزة الرسمية وعلي لسان محجوب حسن فضل المستشار الإعلامي للرئيس اعتبرت إن اعتقال الترابي وبعض قيادات حزب المؤتمر الشعبي جاءت بناء على ما ورد في بعض أقوال المقبوض عليهم والمستندات التي تم ضبطها مع عناصر حركة العدل والمساواة. لم تمض سوي (15) ساعة، حتي تم الافراج عن الترابي، وقياداته. بعد التحقيق، ورغم ان الستار قد اسدل على رحلة طويلة بين ام درمانيين ان الايام المقبلة حبلى بالكثير.