حياة الشعوب في المرحلة الأولية تشبه الى حد ما حياة الطفل، والطفل من عادته ان ينظر الى اللغة نظرته الى اللعب والطرف التي تقع في يده، وقد ظهرت هذه المجانسات في الأمثال العربية ومنها الأمثال الشعبية السودانية بطبيعة الحال، إذ تجانست فيها أصوات الألفاظ على تفاوت في نوع هذا التجانس ومقداره في داخل العبارة فربما ظهر الجناس بين كلمتين كقولهم «الأقارب عقارب» و«الجاهل تعايشها ما تماشيها» أي أم الطفل الرضيع لا تمشي معها لأنها تسير مسرعة لتلحق بطفلها فتتعبك ولكن كل معها لانشغالها عن الطعام بطفلها.. وقد يشتد الجناس بين أجزاء العبارة كلها مثل «أولاد أم خير خيارم خير والخلا اخير من خير»- أي ان المسمى «خير» هو أحسن أولاد أم خير، ومع هذا فإن تكون عقيماً خير من أن تكون ولوداً لأنهم جميعاً مقصرون عاجزون وإن تفاوتوا في ذلك. وربما جانسوا بين لفظين من طريق الاتباع والمزاوجة كقولهم: «شحيح ولحيح» أي بخيل وملحاح - أو «شبت لخبت» ويضرب للأمر ينقض النظام المتبع قولاً وعملاً أو قولهم «شبّعو ولبّعو» أي أشبع جوعته وإذا أخطأ فأضربه ويضرب طلباً للتأديب. وقد يدخل التجانس بين فاصلتين أو أكثر وهو السجع وفيما ورد من قبل شواهد كثيرة عليه. وقد يكون المثل الشعبي شعراً موزوناً أو جزءاً من بيت شعر أو عبارات متوازنة تقترب من الشعر وكل ذلك محاولات لمنح المثل ألواناً أخرى من الموسيقى تزيد من اجتذاب السامع وإمتاعه، فمن ذلك المثل القائل: «إن جادت بخيت العنكبوت تنقاد وإن عاقت تقطع سلسل الحداد» وهو في وصف الدنيا، وقد ورد في شعر الحاردلو شاعر البطانة وينسب مثله الى الشيخ فرح ودتكتوك وكذلك قولهم: «جنباً تقلب البيعة» وهو جزء من بيت من الدوبيت يُروى للحاردلو في وصف شبل رآه يباع في السوق «وات كان كبر جنباً تقلب البيعة»، ومن هذا المثل القائل: «أمي في بالها بال وفي بالو بال وفي بالي بال وأبوي داير اليستر الحال وأمي دايرة البجيب المال وأنا دايرة الصبي القدّال». وهو مثل قالته بنت من كردفان وأصله شعر «كتاب الشيخ بابكر بدري ص: 83» ومما يدخل في باب التوازن بين العبارات ولا يجري على وزن شعري قول القائل: «أول كعوبية مشي اللقربية، وتاني كعوبية العزوبية، وتالت كعوبية اخد المرا بلا نية، ورابع كعوبية كعوبية الهم كبير والايد خلية»، والكعوبية كما نعرف هي سوء الحال، فأشد الحالات سوءاً أن يمشي المرء «اللقربية» وهي السير على القدمين مع الراكبين، و«القروب» المشي على قدميه- يليها بقاء المرء بلا زوجة والثالثة تزوج المرء من إمرأة لا رغبة له فيها، والرابعة ان يكون اسماً مشهوراً وهو فقير لا يستطيع القيام بمطالبه وواجباته إزاء أهله وقومه.