وتابعنا فيما مضى كيف مضت شهرزاد تحكي للملك شهرزاد حكاياتها التي لا يسعها الليل بطوله وكان لابد ان تواصل الحكي في الليلة المقبلة.. هي الآن في ليلتها الثانية من زواجها بالملك شهريار وكما عرفنا انه قرر الانتقام من جنس النساء قاطبة بطريقته هو.. وذلك بعد أن تحقق من خيانة زوجته الأولى له مع أحد عبيده بحيث أصبح يتزوج كل يوم فتاة ثم يقتلها قبل الصباح. وتبلغ بنا شهرزاد الآن في حكايتها عن التاجر والعفريت الجني مراحل جديدة ذلك العفريت الذي يريد القصاص من التاجر لأن التاجر لفظ بنواة تمرة أكلها فإذا بعفريت يظهر أمامه شاهراً سيفه متوعداً بقتله لأن نواة التمرة التي لفظها قتلت ابنه غير المرئي.. ويجتاز التاجر بعض مراحل أحزانه ووجله وفي حين هو في هذه الحال مهدد بالقتل يجيء اليه ثلاثة شيوخ عرفوا ملمته أرادوا ان يعينوه على بلواه بتخليصه من ذلك الجني الذي يقف شاهراً سيفه وقد اتفق الشيوخ مع الجني أنه إذا حكى كل منهم حكاية تعجبه فإن الجني يهبه ثلث دم التاجر.. الشيخان الأولان قص كل منهما حكاية ورضى بها الجني فمنح كل منهما ثلث دم التاجر وجاء دور الشيخ الثالث الذي كان يقود بغلة معه.. هنا يقول النص في «ألف ليلة وليلة»: «فعند ذلك تقدم الشيخ الثالث صاحب البغلة وقال للجني: - أنا أحكي لك حكاية أعجب من حكاية الاثنين وتهب لي باقي دم التاجر وجنايته.. قال الجني: نعم. قال الشيخ: أيها السلطان ورئىس الجان إن هذه البغلة كانت زوجتي وسافرت وغبت عنها سنة كاملة ثم قضيت سفري وجئت اليها في الليل فرأيت عبداً أسود معها وهما في كلام وضحك فلما رأتني عجلت وقامت الىّ بكوب فيه ماء فتكلمت عليه ورشتني وقالت: اخرج من هذه الصورة الى صورة كلب فصرت في الحال كلباً، فطردتني من البيت فخرجت من الباب، فتقدمت وصرت آكل من العظام، فلما رآني صاحب الدكان أخذني ودخل الى بيته، فلما رأتني بنت الجزار غطت وجهها مني فقالت: - أتجيء لنا برجل وتدخل علينا به؟ فقال أبوها: - أين الرجل؟ قالت: إن هذا الكلب سحرته امرأة وأنا أقدر على تخليصه، فلما سمع أبوها كلامها قال: بالله عليك يا ابنتي خلصيه.. فأخذت كوباً فيه ماء وتكلمت فيه ورشت عليه منه قليلاً وقالت: - اخرج من هذه الصورة الى صورتك الأولى، فصرت الى صورتي الأولى.. فقبلت يدها وقلت لها: أريد ان تسحري زوجتي كما سحرتني فاعطتني قليلاً من الماء وقالت: إذا رأيتها نائمة فرش هذا الماء عليها فإنها تصير كما أنت طالب. فوجدتها نائمة فرششت عليها الماء وقلت: اخرجي من هذه الصورة الى صورة بغلة فصارت في الحال بغلة وهي هذه التي تنظرها بعينك أيها السلطان ورئىس ملوك الجان ثم التفت اليها وقال: صحيح هذا؟ فهزت رأسها وقالت بالإشارة: نعم، هذا صحيح فلما فرغ من حديثه اهتز الجني من الطرب ووهب له باقي دم التاجر.. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. قالت لها اختها وقد كانت معها في ذات قصر الملك شهريار وحجرته. - يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذبه. - فقالت: - وأين هذا مما أحدثكم به الليلة المقبلة إن عشت وأبقاني الملك.. - فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها لأنه عجيب. ثم باتوا تلك الليلة الى الصباح فخرج الملك الى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتبك الديوان، فحكم الملك، وولى وعزل، ونهى وأمر الى آخر النهار ثم انفض الديوان، ودخل الملك شهريار الى قصره.. وفي الليلة الثالثة قالت دنيا زاد لاختها شهرزاد وقد ظلت معهما كما قلنا: - يا أختي أتممي لنا حديثك. - قالت شهرزاد.. حباً وكرامة، بلغني أيها الملك السعيد ان التاجر أقبل على الشيوخ وشكرهم وهنأوه بالسلامة ورجع كل أحد الى بلده، وما هذا بأعجب من حكاية الصياد. - فقال لها الملك: وما حكاية الصياد؟