رحم الله محمود أبو العزائم .. لا ندعو الله أن يعطيه بقدر ما أعطى فرحمة الله واسعة لا تحدها حدود فلا ينبغي أن نحدها نحن بما قدم. كان رحمه الله من الشخصيات التي لا تنسى. كان حاضرا دائما بكتاباته التي يطل بها علينا ما بين كتابة يومية وأسبوعية ودورية. كتب (سحارة الكاشف) قبل ربع قرن، والسحارة في الحياة السودانية القديمة هي دولاب ملابس أو لحفظ العدة، يصنع من الخشب، صغير الحجم، ويقصد الكاتب بسحارة الكاشف دولاب مليء بالمعلومات والأسرار عن الفنان إبراهيم الكاشف، وقد كتب الأستاذ محمد الشيخ حسين إن سحارة الكاشف جزء صغير من الرف الأول في دولاب محمود أبو العزائم. فقد كان الراحل طوال عمره منقبا عن المعلومات و باحثا عن المعرفة ثم يضع لمساته عليها قبل أن يعيد نثرها على قرائه. وقد واصل أبو العزائم كتاباته الغنية عن السير الذاتية لمئات الشخصيات الظاهرة على سطح الحياة في السودان. كتب بشفافية ومودة، ولكن ذلك لا يعني أنه كان يتملق أو يرائي، بل كان يكتب عن الشخص باعتباره إنسانا متميزا لا باعتباره صديقا أو عدوا. ولذلك كان إذا قرظ شخصا قرظه بلطف وإذا انتقد شخصا انتقده بلطف كذلك كأنما كان يستلهم قول النبي (ص) الذي دعا إلى التوسط في كل شيء حتى في الحب والبغض، فإذا أحب الإنسان شخصا ما فليحببه هونا ما إذ عسى أن تدور الأيام فيصير عدوا، وإذا أبغض شخصا فليبغضه هونا ما عسى أن تدور الأيام فيصير صديقا. وكتابة السير الذاتية من أصعب أنواع الكتابة لأنها تقتضي أن يحضر لها الكاتب تحضيرا مسبقا بالبحث عن المعلومات والتأكد من صحتها، ثم ترتيب هذه المعلومات وتقديمها في طبق شهي لأصناف من القراء قد يكون بينهم من لا تهضم معدته الثقافية الكتابات الجادة فيجب أن يبحث الكاتب عن مدخل لهذا القارئ حتى يشده لما يكتب. بالإضافة إلى أن أبو العزائم ارتبط بكتابة العمود الصحفي، وكتابة العمود محدودة بحيز صغير ربما لا يتعدي ال400 كلمة وهو ما يعني حصر معلومات وأفكار ومعاني كثيرة داخل هذه الأربعمائة كلمة. وهي غالبا ما تقتضي نوعا من التمكن والسيطرة على أدوات الكتابة. وبعد .. رحم الله محمود أبو العزائم فقد كان شخصا سعيدا بلا شك. فقد امتد به العمر ليري أبناءه وأحفاده يشقون طرقهم في دروب الحياة بقوة، ورزقه الله مهنة لا تقاعد فيها، فلم يمر بمراحل التقاعد (البغيضة) التي تحيل الإنسان لوحدة قاسية غالبا ما تورثه كثيرا من النكد. علامات السعد وراحة البال في الدنيا غالبا ما تكون مقدمة لسعد الآخرة .. فرحمه الله وأجزل له ووضعه في مكانة عالية مع الصديقين المغفور لهم بإذن الله.