السودان بلد عريق بتجاربه في مجال الصيرفة والبنوك حيث كانت البداية منذ اوائل القرن الماضي ودخول المستعمر، والذاكرة تفيض بكثير من القيادات التي ساهمت في تطوير العمل المصرفي، فاسماء كمأمون بحيري ، وابراهيم احمد ،ومأمون حسن ابراهيم لا بد ان يتوقف عندها المرء بما عُرف عنها من مهنية عالىة تجاوزت بها حدود الوطن لتسهم عالمياً وافريقياً وعربياً، وكل منا يعرف العشرات من الاسماء التي تسهم وساهمت في قطاع البنوك عالمياً واقليمياً. والسودان عريق في تجارب أسلمة البنوك واستحداث وسائل تمويلية اسلامية ويكاد يكون من الاوائل في ذلك المجال ،واثرى ساحة العمل المصرفي الاسلامي بابحاث ومراجع ومن المؤسف ان تحدث نكسة في ذلك القطاع ،فبعد اكثر من مائة عام على تأسيس اول بنك في السودان وبعد اكثر من خمسين سنة على الاستقلال نرجع ونستعين بموظفين اجانب للبنوك ومن دول شبيهة باوضاعها السياسية والاقتصادية باوضاعنا ،قد يقول قائل:ان البنوك التي يعمل بها اولئك الاجانب هي بنوك مملوكة لمستثمرين اجانب ويحق لهم استقدام من يأمنوه على اموالهم، ولكن وجود الاجانب لم يعصم بنوكا شهيرة من الانهيار واعلان الافلاس، فكلنا يعلم ما حدث لبنك اسلامي شهير عام (1998) بمنطقة الخليج نتيجة الاختلاسات، والنقطة المهمة ايضا ان هذه البنوك تعمل في رقعة جغرافية اسمها السودان لها سيادة على صدورها ولها برامج تنموية ومن اهم اهداف التنمية ايجاد فرص عمل لافراد الشعب، فما هي قيمة التنمية اذا كان المواطن لا يجد فرص عمل خاصة في مجال نحن رواد فيه؟!!. ان دولة مثل الامارات العربية المتحدة لديها سياسات واضحة في مجال التوطين في قطاع البنوك وهي نسبة (4%) سنوياً واي بنك لا يلتزم بهذه النسبة عليه ان يغلق ابوابه ويعاقب من البنك المركزي، ولقد كان مقبولا في بدايات ايام دولة الامارات ان يكون هنالك اجانب في البنوك لقلة الكادر الوطني،ولكنها الآن غير مقبولة لديهم كما ان الدولة هنالك اكتشفت تهاون بعض موظفي البنوك الاجانب مع بعض التجار الاجانب (ايضا) في التمويل ومنح القروض وحدثت قضايا شهيرة مثل قضية التاجر (شنكار) و(باتيل).. والسودان لديه تجربة عظيمة ومذهلة في توطين اغلب الوظائف في مجال قطاع صناعة النفط من خلال الاعتماد على الكوادر الوطنية رغم ان خبرتنا فيه لا تتجاوز السنوات العشر ولكن الارادة التي تميز بها الوزير عوض الجاز جعلت ذلك ممكناً. وقد يبدو وجود الاجانب مقبولاً اذا تم على اساس فني بحيث لا يؤثر وجودهم على السياسة التمويلية المتبعة بواسطة البنوك، للاسف يبدو التأثير واضحاً مع اتجاه البنوك لتمويل النشاط الاستهلاكي خاصة مع التحسن النسبي في مستوى المعيشة في السودان فأصبحنا نرى اعلانات لتمويل السيارات والعقارات وتلك عقلية التمويل في الدول الخليجية التي يبدو فيها تمويل السيارات والعقار مقبولا لانها اولاً: مجتمعات رفاهية، وثانياً لا يوجد تنوع نشاط اقتصادي يستوعب الارصدة الضخمة للبنوك هنالك فتضطر البنوك الخليجية لتمويل احتىاجات الافراد الاستهلاكية من سيارات الى اجازة الصيف. اما في السودان فان تمويل السيارات والعقارات يأتي في آخرمرتبة مطلوبة للتمويل لدى السودانيين فمن المؤسف ان تقوم الصناديق العربية بتمويل سد مروي وتعلية خزان الروصيرص والطرق والجسور وتعمل بنوك وطنية في تمويل السيارات وخلق مجتمع استهلاكي. فبإمكان بنوكنا الوطنية رغم قلة مواردها ان تتحد في مجموعات لتمويل التنمية من خلال محطات الكهرباء وبناء الطرق وكل ما يقود لتنمية المجتمع المحلي. معلوم ان البنك المركزي السوداني كان قد خاطب احد البنوك الخليجية التي لديها فرع بالسودان نهاية التسعينات ان يكون لديه نشاط تمويلي واضح وان لا يتحول البنك لصرافة فقط. فاذا تم ذلك وظروف السودان الاقتصادية كانت اسوأ فمن باب اولي ان يكون دور البنك المركزي الآن اكثر وضوحا خاصة مع تحسين الاوضاع الاقتصادية فالمطلوب من البنوك التجارية دوراكبر في تمويل التنمية في السودان فالغاية هي الانسان وليس جني الارباح.