غرائب السياسة فى السودان لن تنتهي بالتصريحات الملتهبة التى اطلقها الوزير الاول فى الحكومة السيد باقان اموم متهما الدولة التى يمثل رمزيتها التنفيذية الاولى بانها فاسدة وفاشلة وخاسرة. فباقان يمثل امتدادا لانفصام سياسي ظل يسيطر على الحركة الشعبية وهي تشارك فى الحكومة و تتبنى المعارضة فى آن واحد. والتلون حسب المنابر ظل سمة مميزة لخطاب باقان فى الآونة الاخيرة، فالرجل الذى يتقاسم السلطة والثروة و(الابتسامات) مع المؤتمر الوطني يتحول فجأة الى معارض شرس حينما يجمعه المنبر بالترابي ونقد ناسيا او متناسيا انه يتقاضى راتبه وامتيازاته وبريق وظيفته من هذه الدولة الفاشلة. وقبول باقان بالمنصب التنفيذى كان مفاجئا لكثير من المراقبين كونه اكثر القيادات تطرفا تجاه المؤتمر الوطني وسياساته لكن الرجل تحلى بالصمت الجميل منذ دخوله الوزارة حيث كان الامر مثار تعليق رده البعض الى انه (تعامل مسؤول) مع دور رجل الدولة الجديد، لكن تصريحات باقان الاخيرة اخرجته من وقار المنصب تماما وحللته من المسؤولية التنفيذية وجعلت(المايشترى يتفرج) على مفرداته العارية التى لا تدين الحكومة بقدر ما تفرض تساؤلات عديدة حول مبررات بقائه فى دولة يؤمن تماما بانها فاشلة وفاسدة. وأيّاً كان رأي المؤتمر الوطني وقيادة الحركة الشعبية فى تصريحات باقان الا ان مثل هذا التطور يضع كثيرا من علامات التعجب ويطرح العديد من الاسئلة حول غياب المبادئ وانتفاء القيم فى ممارسة السياسة لدى قيادات يدخرها الوطن لادوار تتجاوز السمسرة بالشعارات وتترفع عن المزايدة فى المنابر، فباقان فى مجلس الوزراء ينبغي ان يظل هو ذات الباقان فى لقائه مع القوى المعارضة ولا ينبغي له ان (يرقص) و(يغطي دقنه) فى ذات الوقت اذ ان الجمع بين امتيازات الحكم وبريق المعارضة من المستحيلات. فالرجل فورتوليه منصب الوزير بمجلس الوزراء ساند الرقابة القبلية على الصحف فى موقف كان مفاجئا ونوه فى ندوة جمعته بالجالية السودانية فى الدوحة الى وجود تفلتات تقتضي مثل هذا الاجراء وكرر ذات الموقف فى لقاء جمعه بالصحافيين لكنه عاد امس الاول ليحذر فى ندوة الزميلة اجراس الحرية من ان مصادرة الحريات تعد اعلان حرب، كما أن الحركة الشعبية التي تتحدث عن التحول الديمقراطي شاركت بمنسوبيها في الرقابة القبلية. ويبدو ان استراتيجية الحركة الشعبية الهادفة الى اللعب على كل الحبال ستدخل علاقتها مع المؤتمر الوطني فى ازمات مستمرة تكون ذات انعكاسات مدمرة على مسيرة السلام. ويرى المراقبون ان مغادرة باقان للوزارة خلال المرحلة المقبلة امر حتمي ليس بسبب مواقفه من الحكومة التى يشاركها(الحلوة) وينتقدها فى (المرة) ولكن لان الدستور الجديد للحركة الشعبية يقتضي تفرغ الامين العام و8 من ضباط الحركة و 2 من نواب الامين العام وربما كان هذا الامر وراء تصريحاته التى تعد محاولة من جانبه لتدشين باقان العائد الى ادارة دفة العمل السياسى داخل الحركة الشعبية. الجمهور كان سيصفق لباقان طويلا ان اتبع انتقاداته باعلان الاستقالة.. اظن ذلك.