لن ندع الغضب يأخذنا بعيداً عن واجب البناء والعمل والتعمير الوطني.. إذ أن التقدم الذي شهده السودان في اتجاهات كثيرة وإصراره على شحذ إرادته وامتلاك قراره هو الذي أحقد عليه أعداؤه.. فهم يخشون ان يهب كدولة عظيمة تستطيع ان تستقل بقراراتها وتحرس كنوزها من السطو والصلف أو «البلطجة» الاستعمارية الجديدة الشرسة التي نشهدها اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال.. إن ما طرأ في الآونة الأخيرة مقترناً بغليان المجتمع الغاضب مما هو مقترن بالمحكمة الجنائية الدولية ليدعونا ان نعكف بصورة اكثر تركيزاً على تنمية هذه البلاد ولترقية أنحائها أجمعها لتحويلها الى دولة تلبي حتى مطالب المحتاجين اليها من الجيران وتعينهم على مواجهة محنهم.. إن مما يغيظ أعداء السودان ليس هو فقط ان نغضب عليهم ونسبهم.. وإنما أن نتجه بكل قدراتنا لإحداث التغيير الشامل في أنحاء السودان بإستثمار موارده اجمعها لتصبح ذات مردود تنتفي معه المسكنة والحاجة والبطالة وبشاعة الفقر الذي لا يشبه أهلنا الكرماء نبلاء الأنفس.. ولعل الخطو صوب استغلال الأراضي الواسعة في الزرع وتنمية الثروة الحيوانية على أسس علمية لهو مما يواكبه التوفيق، خاصة تجربة إنسان السودان في هذا المجال معروفة، فإن ما يزيد عن «70%» من تعداد سكانه هم المشتغلون بالزراعة ومشتقاتها، من هنا نشأت نظرية النهضة الزراعية الشاملة التي تصدر تدابيرها وفعالياتها الأخ الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية.. والتأمت جهود الرجال العارفين علماء الزراعة والأرض والاقتصاد لتقتحم المجاهل.. تبتغي ان تجعل من هذه البلاد أرض الخضرة الأشمل.. وما هذا بمستحيل ما دامت تضيء الدروب أمامه عقول أضاءها العلم ورسخت معارفها التجارب.. فهؤلاء قرأوا في دنيا الواقع أولاً ما احتواه تراكم السنين من أحلام عزيزة تاق إليها السودان منذ سنوات طويلة وفشل في تحويلها الى واقع يغير دنيا الناس وتتألق به أمانيهم في حياة رخية سعيدة، وها هم أنفسهم العلماء يقولون لنا إن الإستغلال الأمثل لإمكانيات السودان الزراعية الكبيرة المتنوعة وتطويعها لتحقيق الرفاهية لأهله قد ظل أملاً كبيراً وتحدياً متجدداً.. ومنذ فجر الاستقلال وحتى هذا التاريخ شهدت البلاد وضع العديد من الخطط والاستراتيجيات مختلفة الآجال بهدف تنمية وتطوير القطاع الزراعي.. بيد أنها جميعاً لم تحقق الطموحات المأمولة.. وها هم أيضاً يضعون أيديهم على أسباب الفشل التي أهمها عدم الاستقرار السياسي وعدم ملاءمة البيئة الاقتصادية واتباع أسلوب التخطيط المركزي.. ولضعف القدرات التنفيذية والاستيعابية للأجهزة المعنية بالتنفيذ، ولكن أهم الأسباب على الإطلاق في تقدير علمائنا هي أن القطاع الزراعي كان يمنح وضعاً متدنياً في سلم أولويات تخصيص الموارد على الرغم من كونه المحرك للنمو الإقتصادي والاجتماعي في البلاد.. وأن أداء القطاعات الاقتصادية والخدمية والسياسية يتأثر سلباً وإيجاباً بأدائه.. بل أن إصلاح أهل السودان ومعاشهم واستقرارهم وأمنهم الاجتماعي يكمن في عافية القطاع الزراعي. والآن دخول البترول في الاقتصاد السوداني قد جعل التركيز على التنمية الزراعية والصناعية أمراً ملحاً، فقد أصبحت موارد البترول تشكل «50%» من إيرادات الميزانية العامة و«85%» من جملة عائد صادرات البلاد. كما أن تأهب السودان للإنضمام لمنظمة التجارة العالمية يستوجب رفع كفاءة القطاع الزراعي وتعزيز مقدرته التنافسية في الأسواق المحلية والعالمية، ومن هنا جاء تكوين اللجنة العليا لدراسة الواقع والرؤى المستقبلية للزراعة في السودان برئاسة الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية لدراسة محاور تحقيق النهضة الزراعية وتقديم رؤى عملية قابلة للتنفيذ. واللجنة ضمت في عضويتها كما أوضح القائمون بشؤونها ثلة متميزة من المعنيين بتطوير القطاع الزراعي- من سياسيين وتنفيذيين وباحثين ومنتجين الى جانب إتحادات المزارعين والرعاة ومنظمات المجتمع المدني.. شاملة القطاع الخاص والأهلي والمصنعين.. جميعهم قصدوا الى ابتداع برنامج متكامل العناصر والمقومات يمثل استراتيجية وطنية للنهضة الزراعية وبوصلة لتصويب برامج وخطط الوزارات والمؤسسات في المركز والولايات ويؤسس نظاماً للرصد والمتابعة لتقويم النتائج والآثار المترتبة على إنفاذه.. وبالتالي فقد نشأت مرتكزات محددة.. وبها ارتكز هذا البرنامج على عوامل نجاح مفتاحية هي: تهيئة البيئة المواتية للإنتاج الزراعي وتطوره المستدام. رفع قدرات المنتجين. معالجة قضايا الأراضي الزراعية. تنمية وتطوير الخدمات المساندة. تطوير وتحديث النظم الزراعية. حماية وتنمية الموارد الطبيعية. التصنيع الزراعي واستغلال الطاقات المعطلة في القطاعين الزراعي والصناعي. إعمال متطلبات الجودة والسلامة الغذائية. اعتماد الشراكات الاستراتيجية نهجاً رئيساً في تحقيق أهداف النهضة. إن إمكانيات السودان الزراعية المهولة مما لا ينكره أحد قد شكلت أملاً مرتقباً لكل العالم، إذ بفضلها تم تصنيف السودان كأحد ثلاث دول في العالم يتوقع ان تسهم بفعالية في تحقيق الأمن الغذائي، وبين الأمل المحلي والرجاء العالمي ظلت هذه الموارد شبه حبيسة تنتظر الإنطلاق لتحقق النهضة الزراعية الشاملة ونمتليء فألاً الآن في غد السودان القادر بحق ان يلبي مطامح أهله إذا استغلت إمكانياته المهولة بمثل تلك النظرة العلمية التي دأبت على الإحاطة بمتطلبات المستقبل المرئي في دنيا الزراعة. ولا يفوت على أحد بطبيعة الحال، أن الزراعة هي مصدر للإعاشة والدخول لأهل الريف وهي بذلك تخلق فرص العمل وتؤدي الى الاستقرار في الريف وتحارب الفقر وتقود الى تحقيق التنمية الحقة.