موقف التشريعات السودانية من مبدأ التكامل (المحكمة الجنائية الدولية تكمل اختصاص المحاكم الوطنية) أولوية الاختصاص تكون لمحاكمنا الوطنية. مبدأ التكامل من المبادئ الأساسية لنظام روما والأولوية فيه كاختصاص للمحاكم الوطنية باعتبار ان المحكمة الجنائية ليست بديلة للقضاء الوطني بما يمنعها من التعدي على السيادة الوطنية وعدم تجاوزها للنظام الوطني ، ويجوز للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها حسب النظام الأساسي في حالتين:- 1/ إذا كانت هذه الدولة المختصة غبر راغبة في الإضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك. 2/ إذا انهار النظام القضائي الوطني كلياً أو جزئياً. وبموجب هذا الاستثناء الوارد في الفقرتين (1) و (2) يكون للمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص ويقود ذلك إلى قيام المحكمة بإجراء تحقيق أو فحص الأحكام للتأكد من هاتين النقطتين وهذا يمس السيادة وإستقلال القضاء الذي ضمنه المشرع لدستور السودان لسنة 2005م في المادة (128) وكل الدساتير السابقة ، ولا يقتصر مبدأ استقلال القضاء على منع تدخل السلطات الوطنية بل يمتد إلى الجهات الأجنبية إعمالاً لمبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الذي أقره ميثاق الأممالمتحدة ، وهذا المبدأ مقصود به عدم التدخل السياسي في شأن الدول فالتدخل القضائي يقود إلى تدخلات سياسية خاصة وان المحكمة الجنائية الدولية لها مآرب سياسية ، والأممالمتحدة ومجلس الأمن يرتبطان باتفاق.. وحسب المادة (13) من نظام روما يملك مجلس الأمن حق الإحالة للمحكمة الجنائية، فالرقابة السياسية تكون لمجلس الأمن وبالتالي من الأممالمتحدة لعمل المحكمة ويكون التدخل في الشئون القضائية للسودان تدخلاً سياسياً وهو ما يخالف القواعد المقررة في القانون الدولي ويتعارض مع دستور السودان ويتعارض مع المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في نيويورك في 19/ديسمبر 1965م. فسيكون اتهام رئيس الجمهورية من قبل المحكمة الجنائية والمطالبة بالقبض علىه أثناء توليه أعباء تصريف مهامه الدستورية حادثة غير مسبوقة في القانون الدولي تطال جميع القادة العرب والأفارقة إذا لم يقفوا وقفة صلبة وإصدار قرار رافض موحد. وأخيرا : إن مبدأ عدم جواز المحاكمة مرتين الوارد في ميثاق المحكمة الجنائية الدولية يتعارض مع دستور البلاد الانتقالي لسنة 2005م ، فقد أخذت معظم التشريعات المقارنة بمبدأ أساسي في المحاكمة الجنائية يقضى بعدم جواز المحاكمة عن ذات الجريمة مرتين والاكتفاء بمحاكمة واحدة وعقوبة واحدة فقط ، ويعتمد هذا المبدأ على افتراض أساسي هو صحة الحكم السابق من الناحية الواقعية والقانونية معاً ، فلا يجوز على الاطلاق معاودة البحث فيما قضى به الحكم حتى ولو تبين خطأه فلا يعاد المتهم إلى القضاء ولا يتعرض للملاحقة مرة أخرى ، ويستند هذا المبدأ إلى إعتبارات مهمة منها كفالة الحريات والحقوق العامة وفكرة العدالة والاستقرار القانوني وكلها كفلها دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م. فالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وان كان قد اخذ بهذا المبدأ الأساسي في المادة (20) منه تحت عنوان "عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين" إلا انه أجاز فى الفقرة الثالثة إعادة محاكمة من سبق محاكمته عن ذات الجريمة التي تدخل في اختصاص المحكمة : 1/ إذا ثبت أن الإجراءات التي اتخذت في المحاكمة السابقة كانت بغرض حماية الشخص المعنى من المسئولية الجنائية عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة. 2/ إذا كانت المحاكمة السابقة لم تجر بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقاً لأصول المحاكمات المعترف بها بموجب القانون الدولي ، أو أجرت على نحو لا يتسق مع النية في تقديم الشخص المعنى للعدالة ، ويعنى ذلك سلطة المحكمة الجنائية الدولية في الفحص والتقييم والتعلىق على الإجراءات الأولى السابقة وهذا ما يعنى تعقيبها على الحكم السابق من المحاكم السودانية والمساس بصورة واضحة باستقلال القضاء السوداني وأحكامه مما يعارض الدستور السوداني ويمس بالسيادة ، وقد يقوم بهذا الفحص والمراجعة المدعى العام كما تم في اتهامات دارفور وليس المحكمة الجنائية الدولية كجهة قضائية مستنداً الى سلطاته الواسعة المخولة له بموجب المادة (54) من الميثاق . وهذا من شأنه أن يمس استقلال القضاء الوطني وخاصة أن المدعى العام يرتبط بمجلس الأمن بعلاقة سياسية نص علىها في المواد (13/ب) ، (14) من النظام الأساسي لروما مما يجعله عرضة للأهواء السياسية وينحرف بذلك عن صميم عمله وهو ممارسة الادعاء والتحقيق الابتدائي وهذا يعتبر مخالفة لدستور البلاد الانتقالي. عميد شرطة (حقوقي) خبير في القانون الدولي