قاد الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الجمهوري الانقلاب العسكري الرابع عشر في موريتانيا، وكان من المتوقع أن يواجه الانقلاب برفض شعبي واضح نسبة لأن الحكم العسكري السابق بقيادة الجنرال محمد ولد سيدي أحمد الطائع واجه نفس الرفض تشكل في ضغوط قادتها مجموعة من الضباط أطاحوا بولد الطائع ووعدوا بإعادة الحكم الديمقراطي ووفوا بوعدهم، وخلال عامين جرت انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة صعدت بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى رئاسة الجمهورية. لكن الحكم لم يستقر وانتهى القلق في الشارع الموريتاني بهذا الانقلاب. الذي حدث بعد ذلك هو أن الشارع الموريتاني انقسم بشكل واضح : جانب كبير تمثل في سبعين نائبا من نواب البرلمان السابق ال«95» وأربعين من أعضاء مجلس الشيوخ ال «54» تعاطف مع الانقلاب وجانب أصغر رفضه. وفي المقابل ووجهت الحركة الانقلابية بمعارضة دولية واسعة، فقد أدان المجتمع الدولي الحركة الانقلابية، وقام بخطوات لمعاقبة موريتانيا تمثلت في تعليق الاتحاد الأفريقي لعضوية موريتانيا، وجمدت الولاياتالمتحدة وفرنسا برامج المساعدات التي كانت تقدمها لموريتانيا، ولوح الاتحاد الأوربي بتعليق المساعدات غير الإنسانية لموريتانيا. هذا وصف عام للمشهد السياسي الراهن في موريتانيا. السؤال : ما هي مشكلة موريتانيا ومشكلة عدم الاستقرار الذي بدأت جذوره تضرب في أعماق السياسة الموريتانية؟ أول ملاحظة أنه آن للموريتانيين أن يعرفوا أن الديمقراطية ليست هبة تتنزل على المجتمع من السماء، ولكنها تعلم أساسه خوض التجربة وما يعقبها من فشل أو نجاح. الفشل يعني المزيد من الصبر على تكرار التجربة، والنجاح يعني الانتقال لخطوة أخرى. الحكم العسكري في الزمن الحاضر لم يعد مثل الحكم العسكري في الماضي. فالآن هناك عشرات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تراقب وتحسب أخطاء الحكم وتنبهه لها، ويمكن أن تثير عليه العالم إذا لم يسع لتحسين سجله. العالم الأول الذي يملك المال ويقدم المساعدات أصبح يربط بين تقديم مساعداته وبين الالتزام بالحد الأدنى من حقوق الإنسان والتوجهات الديمقراطية والشفافية في الحكم. مشكلة موريتانيا مشكلة اقتصادية أكثر منها سياسية تمثلت في ضعف الإنتاج وارتفاع الأسعار والفساد الناتج في معظمه عن ضعف المحاسبة وإعمال القانون بسبب العلاقات الاجتماعية الخاطئة التي تخنق المجتمع. الحل لمشكلة موريتانيا أصبح لحد كبير في أيدي منظمات المجتمع المدني. المنظمات الناضجة هي التي تكون رديفا للحكم الناجح، والمنظمات غير الناضجة هي التي تقود المجتمع إلى الكوارث. وبعد .. دوامة الانقلابات العسكرية التي تنتج حلقة جهنمية من التبادل غير الراشد للحكم بين العسكريين والمدنيين هي مشكلة موريتانيا. كيف تحل؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن ينبع من موريتانيا وحدها وليس من خارجها.