الخرطوم والأفارقة..علاقة تحوم حولها الشبهات..! خبر زيارة جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا للخرطوم خلال أيام، أتى في وقت تتصاعد فيه الشكوك والشبهات بشأن الدور الأفريقي في النزاع بين السودان وجنوب السودان، شبهات جسّدها مقال د.غازي صلاح الدين مستشار الرئيس عن خارطة الطريق الأفريقية، والشكوك التي أثارها، واتهامه المبطن للأفارقة بتمرير أجندة الغرب، والانحياز لموقف جوبا على حساب مصالح الخرطوم، انحياز لم يرد على لسان غازي وحده، لكن دوائر دبلوماسية وسياسية أخرى داخل السلطة ترى أن موقف جنوب أفريقيا على وجه التحديد - وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي حالياً - كان متحاملاً على السودان أثناء المداولات التي سبقت صدور القرار 2046. حتى وقت ليس بالبعيد، كانت العلاقة بين الخرطوم والأفارقة فوق الشبهات، على اعتبار أن الخرطوم لعبت أدواراً بارزة في تاريخ القارة الحديث، وإلى جانب المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية التي أصبحت الاتحاد الأفريقي لاحقاً، قامت الخرطوم بدعم معظم حركات التحرر الوطني في أفريقيا إبان عهد المواجهة مع الاستعمار في الخمسينيات والستينيات، لكون السودان نال استقلاله قبل معظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وتحولت الخرطوم إلى ملاذ آمن للسياسيين والفنانين المطاردين من قبل سلطات الاستعمار في بلادهم. شبهات العلاقة بين الخرطوم والأفارقة، تبدّت أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وفي موضوع بعينه هو مذكرة الاعتقال التي أصدرتها محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس عمر البشير، حيث تحمل الأنباء بين الفينة والفينة تصريح هذا الرئيس الأفريقي أو ذاك الوزير بأن بلاده ربما تعتقل البشير إذا شارك في هذه القمة أو تلك المناسبة على أراضيها، وأبرز ما ورد في هذا الإطار هو موقف إحدى المحاكم الكينية، ومن قبله تصريحات منسوبة لمسئول يوغندي، وقبلها تصريح منسوب لرئيس جنوب أفريقيا عام 2010م بأنه سيعتقل البشير إذا ما حضر كأس العالم بجنوب أفريقيا، أخبار وتصريحات كشف بعضها عن عدم دقته، وكشف بعضها الآخر عن فراغ لا تخطئه العين في علاقات الخرطوم مع جيرانها في القارة السوداء. جرس الإنذار الحكومي بشأن الفراغ الدبلوماسي والسياسي الذي تشهده علاقات الخرطوم مع أفريقيا، قرعه على كرتي وزير الخارجية داخل البرلمان قبل أيام، عندما طالب بضبط تصريحات المسئولين بشأن السياسة الخارجية، وحذر من أن تصريحات من قبيل (الناس دي ما بتجي إلا بالعصا)، والحشرات تسرى في أفريقيا سريان النار في الهشيم وتسبب حرجاً دبلوماسياً بالغاً للسياسية الخارجية، كما شكا الوزير من ضعف التمثيل الدبلوماسي في أفريقيا وعدم توفر التمويل الكافي لتوسع الوزارة دبلوماسياً في القارة. الشبهات التي أخذت تكتنف مواقف الأفارقة من الخرطوم، تعيدها دوائر إنقاذية عديدة إلى تأثير الولاياتالمتحدة وأوروبا على تلك الدول الأفريقية الفقيرة والضعيفة، ووفقاً لهذا الرأي فإن مواقف العديد من العواصم الأفريقية المعادية للخرطوم لا تنبع من أخطاء السياسة الداخلية، أو ضعف الحضور الدبلوماسي، أو خشونة الخطاب السياسي والإعلامي الخارجي، لكنها تنبع من خطة صهيونية أمريكية لمحاصرة الإنقاذ وتأليب محيطها الأفريقي عليها، خاصة أن تلك الدول الأفريقية تعتمد في معظمها على المعونات والدعم السياسي الغربي، ما يجعلها لا تملك قرارها وتخضع لتلك الإملاءات. أمام الخرطوم مساحة حراك دبلوماسي لا بأس بها داخل القارة الأفريقية كما يقول السفير عثمان السيد الخبير الدبلوماسي، خاصة أن العديد من الزعماء الأفارقة تربطهم صلات خاصة بالسودان، ويتابع: حتى داخل منظمة الإيقاد التي ستلعب دوراً في المفاوضات بين الخرطوموجوبا يوجد هامش للتحرك، فالرئيس الحالي للإيقاد هي إثيوبيا التي تربطها علاقات جيدة معنا، ورئيس الدورة القادمة سيكون يوغنداً، ويمكن للسودان الاعتراض على ذلك في حينه خاصة أنه عضو أصيل في منظمة الإيقاد. مواقف الأفارقة الأخيرة من السودان، نتيجة طبيعية لخشونة الخطاب الدبلوماسي والإعلامي الصادر عن الخرطوم كما يؤكد البعض، ويدلل هؤلاء على ذلك بالقول إن الاتحاد الأفريقي سارع إلى إدانة احتلال الجنوب منطقة هجليج، كما اتخذ في السابق مواقف إيجابية من قضية دارفور توجها باتفاقية أبوجا للسلام ونشر القوات الأفريقية التي شكلت حاجز صد حمى الخرطوم من عواقب التدخل المباشر للقوات الدولية في الإقليم، فضلاً عن أن الحكومة السودانية لم تشكك ذات يوم في حيادية الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي الذي وصل الحد ببعض خصوم الإنقاذ للتلميح بأن الخرطوم نجحت في استمالته..! الشبهات التي تحوم حول علاقة السودان مع جيرانه الأفارقة يعيدها السفير الرشيد أبو شامة الخبير الدبلوماسي إلى أسباب تاريخية تتعلق بكون العرب غير محبوبين في شرق أفريقيا نسبة لارتباطهم بدعاوى تجارة الرقيق واستعباد الأفارقة، وتأثرت النخبة الأفريقية عموماً بتلك الدعاوى، ودخلت الكنائس على الخط وقامت بالعزف على هذا الوتر مما عمق ذلك الحاجز النفسي والثقافي، ويقر أبو شامة بأن السودان لعب دوراً في دعم حركات التحرر، لكن قائد هذا الأمر كان جمال عبد الناصر ما جعل ذلك الدعم لا يصب مباشرة في رصيد الخرطوم، كما أن الأفارقة يقولون إن غانا هي أول دولة في القارة تنال استقلالها وليس السودان فكأنما يلحقوه بشمال أفريقيا، ويتابع: الحرب الأهلية مع الجنوب أثرت على صورة السودان عند الأفارقة وغذت فكرة رغبة الشمال في استعباد الجنوبيين، أما الحديث عن الدور الإيجابي للأفارقة في قضية دارفور يرجع بالأساس إلى شخصيات موضوعية ومتوازنة مثل الرئيس أوباسانجو وليس للنخبة السياسية الافريقية إجمالاً، ورغم ذلك فإن المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها الخرطوم ربما تخفف من حدة هذا الشعور عند الأفارقة، لكنها لن تنجح في إزالته تماماً إلا بعد أجيال. الخرطوم، بعثت مؤخراً بوفد برلماني إلى يوغندا ورواندا وكينيا في محاولة لاحتواء التوتر والعداء المتصاعد داخل العواصم الأفريقية إزاء السودان، كما تم الإعلان عن زيارة رئيس جنوب أفريقيا عقب ذهاب وفد برئاسة د.نافع على نافع مساعد الرئيس إلى جنوب أفريقيا في محاولة أخرى لتلطيف الأجواء واحتواء الموقف، ما يعني أن الخرطوم بدأت تدرك أكثر من ذي قبل حجم ما يكتنف علاقتها بعواصم القارة السمراء من شبهات الماضي والحاضر..!