!(فنجان) الجبنة من الأنس الى (الشمارات) البن ، او القهوة ، او الجبنة ،وان تعددت مسمياتها فهو مشروب يبعث الكيف، تدمنه اوساط الجزيرة العربية على وجه الخصوص وربما انحدر منها وانتشر في بقية البقاع ، والقهوة بلا شك ترتبط في مخيلة الكثيرين بذكريات الطفولة ، فالحبوبة هي اول من يشم احفادها او اولادها رائحة البن على يديها خصوصا وان صنع القهوة كانت مرتبطة الى حد كبير بالحبوبات ، المرحومة ستنا بت العوض كانت تهتم جدا لطقوس القهوة تلك ، وكانت قهوتها لها (شنة ورنة) كما يقولون، وهي تحضر ادواتها ، الكانون ، الهبابة ، الجبنة ، الوقاية، وليفة العاشميق وزوجها له الرحمة الحاج ود ابراهيم الى جانبها يستنشق رائحة البن قبل ان يتذوق طعمه بعد تصنيعه ، تعمل في صمت لا يقطعه إلا صوت القلاية او الفندك او صوت الفناجين ، ويتحول هذا الصمت الى احاديث وحكاوي تهتز لها الجدة ومن حولها ضحكا. ولعل رائحة البن وعملية تحويله الى قهوة ، هي مراحل طقوسية باعثة على الكيف يستظل لها الرجال الظل الظليل نهارا وتثني مع مغيب الشمس، بكري وتني وبخورها يملأ الآفاق ، هذه الطقوس المحببة كانت باعث للدندنة وخصوصا في مرحلة دق البن . وبعد ان اصبحت القهوة طقسا ثابتا تداعت لها الاغنيات : البن البن تنتنو يلا ياشباب افرحو وتغنت الملايين مع فرقة عقد الجلاد : فنجان جبنة بي شمالو يسوى الدنيا بي حالو القهوة التي كان يستكين لها الرجال قرب زوجاتهم ، اصبحت في وقتنا الراهن مصدر قلق للعديد من الازواج خصوصا بعد ان اصبحت تنتج عن قعداتها العديد من الفتن والمشاكل الضارة بالاسر وبالمجتمع. وبتحول كبير لم يتدرج اصبحت قعدات القهوة حكرا على الشابات والاجيال الجديدة ، ودخلتها طقوس جديدة شملت حتى الشيشة والسجائر في مجتمعات النساء ، وتغير وقتها الصباحي والمسائي الى نهاري . بعضهم وظف هذا الوقت في تعميق اواصر العلاقات الاجتماعية وجعل من القهوة ملتقى الاسر والعائلات . والبعض الآخر وظفها ل(الشمارات) وقالوا وقلنا وهدر الوقت في فلانة طلقوها و ما لاينفع . (رانيا) شابة جامعية قالت انها واظبت على جلسة القهوة مع بنات الجيران، ولاحظت ان الغائبة منهن تكون حديث القعدة ، حتى ان كل واحدة منهن كانت تخاف ان تغادر الاول حتى لاتكون حديث المجلس. واضافت انها لاحظت كذلك ان القهوة التي بدأت بالفول والفشار تطورت الى اشياء اخرى واحاديث اخرى تغوص في اعماق البيوت .(اسلام) قالت ان زوجها منعها رسميا من قعدات القهوة بسبب المشاكل والمهاترات التي وصلت حد الشكوى اليه ، واشارت الى انها كربة منزل وجدت فيها نوعا من الانس والتواصل الا انها تفاجأت بالمستوى الذي تصل له هذه القعدات . وبعد ان كان الفنجان يسوى الدنيا بي حالا ، اصبح الآن تجنبه واجبا خصوصا مع تحول حتى اغنياته كما تغني البنات: جبنتنا حلوة حبشية جبنتا حلوة ببهارا لا فيها قلنا ولا قالوا في اشارة واضحة الى ماوصل اليه وضع شرب القهوة وصنعها ، وتحوله من اكبر النساء سنا الى الطالبات ، وتبديل احاديثها من الانس الى (الشمارات)!