المشفقون على المال العام الذين تعتصرهم آلامٌ مُبرّحة على اهداره لا يسكنون السودان فقط أو دول الجوار العربي والإفريقي وحدها ، هؤلاء المشفقون أحياناً والغاضبون دائماً يسكنون اتجاهات الدنيا الأربعة ويرصدون الفساد بجوارحهم الخمسة! فساد السياسة والتلاعب في مال الدولة يسكن ذات القارات لكنّ الفرق بين قارة وقارة أو دولة ودولة هو وسائل ومقاصد مكافحة هذا الفساد، القوانين والآليات والإرادة السياسية للكشف عنه والاعتراف به والقضاء عليه، أو حصاره إنْ لم يكن القضاء عليه ممكناً! أكثر أنوع الفساد شيوعاً هو الفساد في الحكومات التي تقع تحت خط المساعدات الدولية ، لذلك فهو الأكثر شهرة في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية، لكنّ الفساد الأفدح والأفضح هو ذلك الذي يظهر في عمر طفولة الدولة، فخبرة الشعوب المتراكمة أنّ فساد الطبقة الحاكمة يبدأ في سِن المراهقة! انشغل المهتمّون بخبر مبثوث على كل الموجات بأنّ رئيس دولة جنوب السودان الفريق سلفا كير أرسل خطابات لسبعين مسئولاً بالدولة والحركة يطالبهم بعباراتٍ (مهذّبة) ولهجة متصالحة اعادة أربعة مليارات دولار تخص حكومة الجنوب وشعبها، وأنّ ايداع هذه الأموال في بنوك خارج دولة الجنوب لا يعني أنّ الحكاية انتهت، فالحقيقة أنّ الحكاية لم تنته بعد بل لم تبدأ، فالدولة التي تغلق أنبوب نفطها عليها وعلى أعدائها لن تغلق أنبوب ملاحقة عائدات النفط القديمة عندما كان السودان واحداً ليس له ثانٍ! الرسائل السبعون الممهورة بتوقيع الفريق سلفاكير لا تعني أنّ الفساد في دولة الجنوب يرتكبه سبعون فقط، لكنّه بالدقّة يعني أنّ دولة الجنوب وضعت يدها على أوّل سبعين ملفاً للفساد في دولة لم تكمل الرضاعة، ولذلك بدأ مع ملف الفساد بمنتهى الأدب، بداية فيها قَدْرٌ من الذوق! دولة جمهورية السودان تركت المغالطة فاعترفت بالفساد بعد حملات مبصرة قادتها الصحافة السودانية ، فأنشأتْ الدولة مفوضيّة مكافحة الفساد... يمكن للمفوضية استخدام التقنية الجنوبية في استرداد المال العام ، وهو أنْ يرسل رئيس مفوضية مكافحة الفساد لكل مُفسد صورة من ملفه، وبمنتهى الذوق يطالبه بارجاع الأموال، ومع الرسالة باقة ورد!!